مقالات
Commentary

Read this in English

الاستدامةُ المؤسسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. وفجوةُ الشفافية فيما يخص المناخ

نشرت بتاريخ 17 ديسمبر 2021

من المُرتقب أن تستضيف مصر والإمارات العربية المتحدة القمتين القادمتين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.. ولذا أصبحت الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محط الأنظار فيما يخص مساعيها لخفض انبعاثات غازات الدفيئة. الباحث محمود أبو النجا1 -زميل الحلول بمركز حلول المناخ والطاقة- يشرح لنا ما يتعين على تلك الشركات أن تفعله للحاق بالركب.

محمود أبو النجا، زميل الحلول بمركز حلول المناخ والطاقة
محمود أبو النجا، زميل الحلول بمركز حلول المناخ والطاقة
مع سعي الدول لخفض انبعاثات غازات الدفيئة من أجل تجنُّب العواقب الخطيرة التي تنجم عن تغيُّر المناخ، يزداد تأكيد أهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات، والدور الذي تؤديه الشركات في تعظيم الإجراءات الهادفة إلى التعامُل مع أزمة المناخ، وقد تعهَّد بالفعل ما يزيد على 20% من 2000 شركة من كُبريات الشركات العامة على مستوى العالم بتحقيق أهدافٍ تتمحور حول خفض صافي الانبعاثات إلى الصفر2، غير أن الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال تتخلف في السباق نحو صافي الانبعاثات الصفري.

في عام 2018، أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ (IPCC) تقريرًا خاصًّا ومهمًّا بشأن الاحترار العالمي بمعدل 1.5 درجة سيليزية، وقد أكَّد التقرير الحاجة إلى خفض صافي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون عالميًّا إلى الصفر بحلول عام 2050، وذلك للوفاء بتعهُّد اتفاق باريس للمناخ الذي ينص على ضرورة الحد من الاحترار العالمي بمعدل 1.5 درجة سيليزية بحلول نهاية القرن الحالي3، وصافي الانبعاثات الصفري يُقصد به التوازن بين مقدار ما يَنتج من انبعاثات غازات الدفيئة ومقدار انبعاثاتها التي تُزال من الغلاف الجوي.

أعلنت بعض الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن تعهدها بخفض صافي الانبعاثات إلى الصفر، أو أجرت تحديثاتٍ على إسهاماتها المقررة وطنيًّا قُبيل انعقاد الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (COP26) في جلاسجو الشهر الماضي، ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيشارك القطاع الخاص في إنجاز تلك الالتزامات المعنية بخفض الانبعاثات؛ لكي نتمكن من تحديد مدى مشاركة القطاع الخاص4 في تحقيق تلك الأهداف المناخية الوطنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتعين على الشركات أن تفصح عن مزيدٍ من البيانات بشأن ما تنتجه من انبعاثات، وأن تكشف عن خططها الرامية إلى خفض تلك الانبعاثات. 

وقد ازدادت أهمية الإفصاح عن البيانات ذات الصلة بالمناخ باعتباره جزءًا من الإدارة المستدامة لدى الشركات العالمية على مدار السنوات الأخيرة، ومرجع هذا ببساطة أن الشركات تعجز عن إدارة الأشياء التي تعجز عن قياسها، ولهذا السبب شهد عدد الشركات التي تفصح عن ممارساتها البيئية لمشروع الكشف عن الكربون CDP5  –وهو مؤسسة دولية غير هادفة للربح- تزايدًا هائلًا (من 228 شركة في العام 2003 إلى 9617 شركة في 2020)، ورغم أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مُعرَّضة بشدة لتأثيرات تغيُّر المناخ، فإن نسبة شركات المنطقة التي أفصحت عن بياناتها لمشروع الكشف عن الكربون لم تبلغ 1% بعد من إجمالي الشركات العالمية التي أفصحت عن بياناتها، وحتى شركات المنطقة التي أفصحت عن ممارساتها البيئية تلك كان أغلبها في الطرف الأدنى من المقياس من حيث أهمية البيانات التي أفصحت عنها (مثلًا، كان بعضها ضمن الفئة «د»: إفصاح من دون تحرك لخفض الانبعاثات، والفئة «و»: عدم تقديم معلومات كافية للتقييم)، عددٌ محدود للغاية من شركات المنطقة هو الذي أظهر أداءً جيدًا نسبيًّا (على مستوى الإدارة ضمن الفئة «ب»، ومستوى الوعي ضمن الفئة «ج»).

لكي تتمكن الشركات من قياس انبعاثاتها والإبلاغ عنها، ينبغي عليها أن تتبع المعيار المؤسسي للمحاسبة والإبلاغ فيما يتصل ببروتوكول غازات الدفيئة6، هذا المعيار يُصنِّف انبعاثات كل شركة، المباشرة منها وغير المباشرة، إلى ثلاثة «نطاقات»، يشير النطاق الأول إلى الانبعاثات المباشرة من مصادر مملوكة للشركة أو تابعة لها، أما النطاق الثاني فيشير إلى الانبعاثات غير المباشرة التي تنتج عن توليد الطاقة التي تشتريها الشركة وتستهلكها، ويشير النطاق الثالث إلى أي انبعاثاتٍ أخرى غير مباشرة تنتج في أي مرحلة من سلسلة القيمة الخاصة بالشركة، ويختلف "التصنيف 3" عن سابقَيه في أن انبعاثاته قد يصعب التعامل معها، كما أنها تمثل القسط الأكبر من انبعاثات الشركات، وعلى العكس من النطاقين الأول والثاني، يصعب مواجهة انبعاثات النطاق الثالث، التي تمثل في أغلب الأحيان النصيب الأكبر من انبعاثات الشركات؛ فبالنسبة للكثير من شركات النفط والغاز والمرافق المملوكة للدولة العاملة في هذا المجال، والتي تمتلك أساطيل ضخمة من المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قد تُمثل انبعاثات النطاق الثالث نسبةً تتراوح من 75% إلى 90% من إجمالي انبعاثاتها، وربما يكون للقطاعات الأخرى توزيعٌ للانبعاثات يختلف باختلاف النطاق.

بمقدور الشركات أن تبدأ في مواجهة انبعاثات النطاقين الأول والثاني عن طريق قياس تلك الانبعاثات والإفصاح عنها وخفضها باستخدام مختلِف التقنيات والسياسات المتاحة، مثلًا، تستطيع الشركات أن تتحول إلى معداتٍ أكثر كفاءةً في استخدام الطاقة (مثل الغلايات والأفران وغير ذلك)، وأن تلجأ إلى بدائل منخفضة الكربون، وذلك لتقليل انبعاثات النطاق الأول، فثمة سياساتٌ قائمةٌ بالفعل في مصر، والأردن، والمغرب، وعددٍ من دول مجلس التعاون الخليجي تشجع الشركات على الاستفادة من اتفاقيات شراء الطاقة المتجددة7، تسمح تلك الاتفاقيات للشركات بإنتاج طاقتها المتجددة اللازمة لتشغيل نشاطاتها، ولخفض انبعاثات النطاقين الأول والثاني، وما يفيض عن حاجتها من الطاقة تلتزم الحكومات بشرائه بسعرٍ يُحدَّد مسبقًا لمدة تعاقدية معينة. 

إن الإفصاح عن البيانات المناخية ليس ضروريًّا فحسب للتعامل مع المخاطر المرتبطة بالمناخ، ولكنه قد يفتح الآفاق أيضًا لفرصٍ تجاريةٍ رائعة، وهو مهمٌّ كذلك لكونه يُعزِّز الاستثمارات المستدامة في المنطقة عن طريق تشجيع ممارسات تحمُّل المسؤولية، والشفافية، فالمسؤولية الاجتماعية بين الشركات، وتلك الممارسات المؤسسية المستدامة يمكن أن تؤدي إلى تحقيق قيمة تزيد على 637 مليار دولار أمريكي، وإلى خلق أكثر من 12 مليون وظيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول عام 20308 . 

إن تعزيز المساعي المبذولة من جانب شركات المنطقة بهدف مواجهة تغير المناخ لهو أمرٌ بالغ الأهمية في سبيل الوفاء بالالتزامات الوطنية والدولية، وإذ تتطلع الأنظار إلى المنطقة مع استعداد مصر لاستضافة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) في عام 2022، واستعداد دولة الإمارات العربية المتحدة لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين منه (COP28) في عام 2023، ثمة فرصٌ غير مسبوقة أمام الشركات لترفع من طموحاتها وتُعزِّز خططها الرامية إلى خفض الانبعاثات، ولتعرض للعالم مساعيها لمواجهة تغيُّر المناخ، ولتلحق بأقرانها في السباق نحو صافي الانبعاثات الصفري. 

doi:10.1038/nmiddleeast.2021.104


  1. Mahmoud Abouelnaga is a Solutions Fellow at the Center for Climate and Energy Solutions (C2ES) in the USA. His work includes research and analysis of energy technologies as well as energy and environmental policies. His work also engages business representatives on clean energy and industrial strategy. He holds an MA in international development and policy from Harris School of Public Policy, University of Chicago as part of the inaugural class of Obama Foundation Scholars. He also holds an MS in energy engineering from KTH in Stockholm and environmental management from UPM in Madrid, and a BS with honours degree in petroleum engineering from Suez University, Egypt.
  2.   Black, R., Cullen, K., Fay, B., Hale, T., Lang, J., Mahmood, S., Smith, S.M., Taking Stock: A global assessment of net zero targets, (Energy & Climate Intelligence Unit and Oxford Net Zero, 2021).
  3.   IPCC Special Report, Global Warming of 1.5°C, 2018.
  4.   Reuters, UAE launches plan to achieve net zero emissions by 2050, (October, 2021); Associated Press, Saudi Arabia pledges 2060 target of net-zero emissions, (October, 2021).
  5.   CDP (formerly the Carbon Disclosure Project) is an international non-profit organization that helps companies and governments disclose their environmental impacts and reduce their greenhouse gas emissions by assigning scores to their environmental performance and identifying the gaps in their sustainability plans. CDP scores range from A (highest level) to F (lowest level).
  6.   WRI/WBCSD, GHG Protocol Corporate Value Chain (Scope 3) Accounting and Reporting Standard, 2011.
  7.   IRENA, Renewable Energy Market Analysis: GCC 2019, (Abu Dhabi, 2019); IRENA, Renewable Energy Outlook: Egypt, (Abu Dhabi, 2018).
  8.   Business and Sustainable Development Commission, Better Business Better World: Sustainable Business Opportunities in the Middle East and North Africa, 2017.