يُعَدُّ شُح المياه في الأردن من أشدّ حالات نُدرة المياه في العالم.. ومع ذلك.. يطبق الأردن واحدةً من أقل تعريفات استهلاك المياه.. وفيما يلي يقترح إياد الدحيات1 -الأمين العام السابق لسلطة مياه الأردن- بعض الحلول التي من شأنها أن تجعل قطاع المياه يحقق أفضل نتائج ممكنة بأقل تكلفة.
إياد الدحيات
يُطبِّق الأردن واحدةً من أقل تعريفات استهلاك المياه على مستوى العالم، مُغْفِلًا بذلك قيمة ندرة المياه، وتكلفة توصيلها إلى البلديات، وهي العملية التي تتولاها سلطة مياه الأردن (WAJ)، ومعها ثلاث شركاتٍ حكومية معنية بالمياه والصرف الصحي، وتُعَدُّ المياه سلعةً اجتماعيةً في الأردن، ولو اتخذت الحكومة قرارًا بتقاضي كلفتها الفعلية من المواطنين، فسترتفع مستويات تعريفتها بنسبة 300%، مما سيضر بالأسر ذات الدخل المتوسط الأدنى، إلا أنَّ عدم تسعير خدمات المياه والصرف الصحي بأسعارٍ مناسبة على مستوى البلديات يهدد قدرة القطاع على الاستمرار من الناحية المالية، ويتيح الاستخدام غير المستدام للمياه؛ فمتوسط تكاليف الخدمة أعلى من متوسط الأسعار، مما يُسفر عن قلة الإيرادات اللازمة لضمان استدامة الخدمة على المدى الطويل، ولاستثمار ما يكفي من الأموال في تشغيل منظومة المياه، وصيانتها وإحلالها عند الحاجة.
في مراجعته الثانية شهر أغسطس عام 2021، أشار صندوق النقد الدولي إلى أنَّ عجز الميزانية التشغيلية لسلطة مياه الأردن زاد إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، في حين زاد عجز ميزانية شركات المياه والصرف الصحي الثلاث إلى 0.4%، وفي العام ذاته، بلغت خسائر السلطة والشركات الثلاث مجتمعةً 520 مليون دولار أمريكي (372 مليون دينار أردني)، وبلغ الدين التراكمي لقطاع المياه أكثر من 3.5 مليارات دولار أمريكي (2.5 مليار دينار أردني)، وتتحمل حكومة الأردن هذه العجوزات المالية ومدفوعات سداد الديون في صورة حِزم دعم نقدي سنوية، وأيضًا من خلال تحويل مسؤولية الديون إلى ذمتها، مما يفاقم الظروف الاقتصادية المأزومة للبلد.
لذا، أولًا ينبغي لقطاع المياه الأردني أن يتعامل مع الخسائر التي يتكبدها على مستوى منظومته بأكملها نتيجة إمدادات المياه غير المدرة للإيرادات، أي تلك التي تفقدها المنظومة قبل الوصول إلى المستهلك، من خلال التسريبات مثلًا، أو السرقة، أو عدم الدقة في قياس الاستهلاك؛ إذ يُقدر أنَّ نحو 50% من إجمالي إمدادات المياه على مستوى البلديات لا تُقاس بالعدادات، ولا يُحصِّل القطاع تكلفة استهلاكها (تقريبًا 245 مليون متر مكعب سنويًّا)، وهي نسبة كبيرة للغاية قياسًا على المعايير الدولية؛ فعلى سبيل المقارنة، نحو 10% من إمدادات المياه في ألمانيا لا تُدِر الإيرادات، وتبلغ هذه النسبة 27% في حالة المغرب.
المشكلة الثانية هي ارتفاع تكاليف الكهرباء، التي مثَّلت 44% من إجمالي النفقات التشغيلية لقطاع المياه في عام 2020؛ فتوفير المياه على مستوى البلديات يستحوذ على الحصة الكبرى من استهلاك الكهرباء في الأردن، إذ يبلغ 15% من إجمالي الاستهلاك الوطني، وقد زاد استهلاك الكهرباء بنسبة 37% بين عامي 2010 و2018، بسبب تشغيل بنية تحتية جديدة للمياه والصرف الصحي، وكان الهدف الرئيسي من تلك الخطوة هو تلبية ارتفاع الطلب على المياه في أنحاء البلد بسبب تدفُّق اللاجئين من سوريا؛ إذ ارتفع الطلب بنسبة 21%، علاوةً على ذلك، كان لإصلاح قطاع الكهرباء بالغ الأثر على قطاع المياه؛ إذ ارتفعت تعريفة استهلاك الكهرباء المستخدمة في توفير المياه بنسبة 333% بين عامي 2010 و2018.
ثالثًا، ليست هناك عقود أداء مُبرمة حاليًّا بين الشركات الثلاث والحكومة، وبالتالي لا توجد عقود توضح مستويات الكفاءة المتوقعة من الشركات الثلاث، أو معايير الكفاءة المنتظَر منها اتباعها، هذا إلى جانب أنَّ التكاليف الداخلية المرتبطة بتوزيع المياه لا يُفصَح عنها، مثل تكاليف صيانة الأنابيب، واستهلاك الكهرباء، والنفقات العامة، والعمالة، والمصاريف الإدارية، كما أنَّ التدابير الرقابية غير كافية دون توافُر أدوات تنظيمية متطورة، وبالإضافة إلى هذا، لم يتغير نموذج الأعمال التقليدي المتمثل في تولِّي الشركات لجميع الأنشطة والعمليات بنفسها، ولا يستفيد هذا النموذج من انخفاض كلفة التعاقدات الخارجية، وحتى الآن، لم تُشرك شركات المياه والصرف الصحي القطاع الخاص في إدارة خدماتها، من أجل تحسين أدائها وكفاءتها.
من ناحيةٍ أخرى، ينبغي لقطاع المياه الأردني أن يدرس مسألة إدارة الأصول، إذ إنَّ تزايُد القيود المالية يُجبر سلطة مياه الأردن وشركات المياه والصرف الصحي على إدارة قاعدة أصول أكبر بموارد أقل؛ فقطاع المياه حرَّكته في جهوده المستهدفات الوطنية والعالمية الطموحة، التي ركَّزت على الاستحواذ على الأصول مثل شبكات المياه والصرف الصحي، ومحطات المعالجة والتحلية، وأنظمة إعادة تدوير مياه الصرف، لكن في حالة امتلاك قاعدةٍ أضخم من الأصول، يجب توفير مخصصاتٍ مالية سنوية لتشغيل وصيانة وإحلال مختلِف المكونات على مدار دورة حياة الأصول، المشكلة أنَّه لا توجد إستراتيجية طويلة الأمد للاستثمارات التشغيلية، كما أنَّه لا بد من جمع تمويلٍ للحفاظ على مستويات الأداء واستقرار الخدمة، مع خفض مخاطر تعطُّلها، وإذا لم تُوفَّر الميزانيات التشغيلية الضرورية، فقد يتعطل تقديم الخدمة جزئيًّا، وهو ما يمكن أن تترتب عليه تبِعات وخيمة تتعلق باستقرارها.
الحلول الممكنة
الخطوة الأولى لإصلاح هذا الوضع ربما تكون تقليل خسائر المياه غير المُدِرَّة للإيرادات، عن طريق إبرام عقود أداء مع الشركات، مع السماح للقطاع الخاص ببث الحيوية في القطاع، وضخ الأموال التي يحتاج إليها بشدة، من شأن هذا النموذج أن يُوجِد نظامًا للحوافز، يُشجِّع القطاع الخاص على ضخ الأموال، وتحقيق أفضل نتائج ممكنة بأقل تكلفة، وهذا النموذج سيوزع أيضًا المخاطر على كلٍّ من القطاعين العام والخاص على نحوٍ مناسبٍ للظروف، ومن شأن عقود الأداء أيضًا أن تزيد بسرعة من كمية التدفقات النقدية، وإمدادات المياه.
كما سيستفيد قطاع المياه من تحسين كفاءة الطاقة، ومن استخدام الطاقة المتجددة في المرافق الكبرى، لخفض تكاليف استهلاك الكهرباء، وينبغي تشجيع التنسيق بين قطاعي المياه والطاقة على نحوٍ أفضل ومستوياتٍ أرفع، من أجل الاستفادة من اعتماد بعضهما على بعض، صور هذا التنسيق يمكن أن تشمل زيادة إمكانية توقُّع تعريفات الكهرباء، ومراعاة القيود المالية التي تُكبِّل قطاع المياه، وتوفير الطاقة المتجددة لقطاع المياه بتعريفاتٍ قابلة للتوقع بدرجةٍ أكبر، بالإضافة إلى تطبيق تعريفة طاقة خارج أوقات ذروة الاستهلاك تختلف عن تلك المطبقة في وقت الذروة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى أدواتٍ تنظيمية من أجل متابعة شركات المياه والصرف الصحي، وتعويض غياب عامل المنافسة، فلطالما عملت هذه الشركات دون إشرافٍ وافٍ، مما أدى إلى غياب الكفاءة والفاعلية، وينبغي للحكومة ألَّا تواصل دعم قطاع المياه بغض النظر عن ذلك القصور؛ فتحفيز تطورات الأداء ومكافأتها ستتيح زيادة الكفاءة ووصول آثار ذلك تباعًا إلى المستهلكين، بل إلى الحكومة أيضًا، واستخدام هذه الأدوات التنظيمية -مثل المقارنة المعيارية والمنافسة المعيارية والمراجعات المقارنة- سيتيح إجراء مقارنةٍ بين بيانات مدخلات أعمال تلك الشركات ومخرجاتها، لوضع علاقاتٍ توضح مدى تغيُّر تكاليف الإنتاج مع معدلاته.
وختامًا، كي نُطلق إمكانيات الاستثمارات الخاصة في إدارة العمليات التشغيلية للأصول، وكي نسد عجز التمويل المطلوب للتشغيل والصيانة، لا بد من تغيير نظام الملكية العامة لشركات المياه والصرف الصحي إلى نظام ملكية مختلط، والحصول على استثماراتٍ من أسواق التمويل الخاصة من شأنه أن يُحسِّن من كفاءة أنظمة المياه في البلديات، وأن يُحسِّن كذلك من استدامتها، واستقرارها المالي.
ولا بد لحكومة الأردن أن تتابع أداء قطاع المياه، وأن تُطبِّق أجندة إصلاح جديدة، فيها إجراءات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، تتسم بوضوحها وقابليتها للقياس، وذلك من أجل تحسين موقفها المالي، هذا سيتطلب إعداد خطة للاستدامة المالية وتنفيذها لتوجيه جهود الإصلاح في قطاع المياه، عن طريق الحد من أوجه القصور في المنظومة، وزيادة إيرادات المياه، لتحسين قدرة قطاع البلديات على استرداد التكاليف.
doi:10.1038/nmiddleeast.2022.37
إياد الدحيات هو الأمين العام السابق لسلطة مياه الأردن، والأمين العام السابق لوزارة المياه والريّ الأردنية بين عامي 2016 و2019، يتمتع إياد بأكثر من 20 عامًا من الخبرة في وضع إستراتيجيات المياه وسياساتها، وفي الإدارة المتكاملة لموارد المياه، وفي الاستدامة المالية واسترداد التكاليف، وفي التأقلم مع آثار التغيّر المناخي والحد منها، وفي كفاءة استهلاك الطاقة والطاقة المتجددة، كما تولَّى إياد إدارة أكثر من 50 مشروعًا لتحسين الخدمات الأساسية وتعزيز الكفاءة التشغيلية للمرافق في قطاع المياه، وبلغت القيمة الإجمالية لهذه المشروعات مليار دولار أمريكي، كما تولى منصب مدير البرامج والمستشار الفني الأول لدعم حكومة الأردن في تنفيذ الإطار الجديد للشراكة بين القطاعين العام والخاص في إدارة الاستثمارات العامة.
حاليًّا، يشغل إياد منصب مدير العمليات في مجموعة "أرابتك جردانة" ، وهي مؤسسة استشارات هندسية أردنية رائدة، كما شارك إياد مؤخرًا في المجموعة المعنية بقطاع المياه ضمن الورشة الاقتصادية الوطنية للفترة 2022-2033، والتي كان عنوانها "الانطلاق نحو المستقبل: تحرير الإمكانيات لتحديث الاقتصاد"، يحمل إياد درجة الماجستير في إدارة الأعمال، ودرجة الماجستير في إدارة المياه والبيئة من المملكة المتحدة، بالإضافة إلى درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة الأردن.
تواصل معنا: