نشرت بتاريخ 9 يوليو 2023
يرى باحثون ضرورة لوضع خطة تقي الدول الاستغلال مع توفُر الاستعداد العالمي لمنع تفشي الجوائح القادمة.
النتائج التي توصلت إليها مختبرات في بلدان مثل البرازيل كانت بمثابة نظام إنذار مبكر دق ناقوس الخطر تحذيرًا من ظهور سلالات متحورة من فيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2، من خلال الوقوف على التسلسل الجيني لهذه السلالات.
Credit: Douglas Magno/AFP via Getty
دارت في الأسبوع الثالث من شهر يونيو الماضي مفاوضات لمناقشة المسودة
النهائية لـ"اتفاقية للتصدي للجوائح"، يُرام منها صوغ اتفاق عالمي لتحديد
أمثل الطرق لمواجهة الجوائح مستقبلًا. وقد كان الوصول إلى طريقة لتقديم تعويض منصف
للدول نظير جهودها في نشر بيانات التسلسلات الجينومية الفيروسية من ضمن البنود مثار
الخلاف في صوغ المسودة.
ففي أثناء جائحة فيروس «كوفيد–19» COVID-19، عكف باحثون من دول كالبرازيل وجنوب إفريقيا والهند على رصد تحورات
فيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2 عن كثب، عن طريق تعيين التسلسل الجيني للفيروس في
العينات التي تُجمع من المصابين به. وفي الخطوة التالية، عمدوا إلى تحميل ما
توصلوا إليه من بيانات حول تلك التسلسلات الجينية للفيروس على منصات مشاركة
البيانات عبر الإنترنت، وهو ما أتاح تطوير عدة لقاحات مضادة له. بيد أنه على الرغم
من ذلك، تأخر حصول كثير من تلك الدول التي أسهمت بمعلومات عن تلك التسلسلات على
اللقاحات مقارنة بغيرها، إن تسنى لها الحصول على هذه المعلومات من الأساس.
وهذه الفجوة كفيلة بأن تخلق وضعًا تقرر فيه الدول التي تضربها الفاشيات أن
تستأثر بما تتحصل عليه من معلومات، وهو ما قد تترتب عليه كوارث وبيلة على مستوى
العالم. من هنا، يرى باحثون ومسؤولون ضرورة إرساء نظام منصف لتبادل المعلومات وتشاركها
لكبح جماح أي جائحات مستقبلية على جناح السرعة.
وتتعلق الآمال على صوغ "اتفاق للتصدي للجوائح" يُولد من رحمه
نظام كهذا، لكنّ المفاوضات أظهرت أنه سيكون من الصعب على الدول الاتفاق على ملامح
هذا النظام. وفي هذا الصدد، تقول سويري مون، الباحثة في شؤون السياسات الصحية
العالمية من المعهد العالي بجنيف في سويسرا، "التوصل لاتفاق ممكن، لأن
البلدان كافة تتطلع إلى إرساء نظام تشارك معلومات موثوق به، غير أن طرق التفاصيل
ليس باليسير".
إشكالية جدلية تواجه الصحة العالمية
ثمة سابقة تنذر باحتمالية عزوف الدول عن مشاركة ما تتحصل عليه من بيانات
فيروسية مجانًا. ففي عام 2007، على سبيل المثال، امتنعت إندونيسيا عن مشاركة
بيانات عيناتها من فيروس إنفلونزا الطيور «إتش5إن1» H5N1 مع منظمة
الصحة العالمية التي بدورها ترصد فاشيات الإنفلونزا على مستوى العالم وتقدم
التوصيات حيال إعداد اللقاحات. حينها، كانت إندونيسيا تواجه العدد الأكبر من
فاشيات فيروس أنفلونزا الطيور «إتش5إن1» بين البشر.
وقد عمد البلد إلى اتخاذ هذا القرار بعدما أبدت إحدى شركات الأدوية في
أستراليا اعتزامها استخدام إحدى عينات الفيروس التي وفرتها إندونيسيا لتطوير لقاح لفيروس
«إتش5إن1». ومن المحتمل أن إندونيسيا، وهي دولة متوسطة الدخل، واجهت صعوبة في تحمل
تكلفة اللقاح. ومن ثم، حجبت ما توفره من عينات احتجاجًا على ما عدته نظامًا غير عادل.
وأدت هذه الإشكالية الجدلية في نهاية المطاف إلى وضع إطار عمل التأهب لمواجهة
جائحات الإنفلونزا، والذي تمثل في توجيهات حددتها منظمة الصحة العالمية، تضع
القواعد الأساسية لمشاركة المعلومات نظير الحصول على اللقاحات وغيرها من المزايا، لكن
القواعد التي أقرتها الدول في هذا السياق في عام 2011 تسري فقط فيما يتصل بفاشيات
فيروسات الأنفلونزا.
ونظريًا، يخضع الوصول إلى المعلومات حول الفيروسات الأخرى في الوقت الحالي لـ«اتفاقية التنوع البيولوجي» Convention on Biological Diversity، وهي اتفاقية وقعت عليها 196 دولة لحماية النباتات والحيوانات في
العالم. وفي عام 2010، أضيف «بروتوكول ناجويا» Nagoya Protocol، وهو اتفاق مكمل لاتفاقية التنوع البيولوجي، وبموجب ما ينص عليه،
يتوجب على أي شركة أو باحث يعتزم استخدام موارد البيانات الجينية، بما في ذلك
العينات الفيروسية، التي توفرها دولة
ما، أن يحصل على موافقة تلك الدولة، والتوصل إلى اتفاق ينظم الطريقة التي قد تتبعها
الأطراف المعنية فيه عند تشارك أي ثمار محتملة من تلك الموارد.
إلا أن تلك الاتفاقيات لا تنظم تشارك المعلومات، بما في ذلك المعلومات
المتعلقة بالجينومات الفيروسية، ولم تضع حدًا للممارسات غير المنصفة في الحصول على
المزايا خلال جائحة فيروس «كوفيد–19». فعلى سبيل المثال، لم يتلق سوى ما يقرب من
40% من سكان جنوب إفريقيا تطعيمات مضادة لفيروس «كوفيد–19»، على الرغم من الدور
الذي لعبه البلد في تنبيه العالم إلى انتشار سلالات متحورة من الفيروس، مثل
السلالة المتحورة «أوميكرون» Omicron، والسلالة المتحورة «بيتا» Beta.
ومن ثم، يرى متخصصون في شؤون الصحة العامة أن الإشراف على تشارك المزايا من البيانات الجينومية الفيروسية يجب أن يُسند إلى منظمة
الصحة العالمية، باعتبارها منظمة تضع الصحة العامة نصب اهتمامها. ومن هنا، تكرس مسودة
المنظمة لاتفاق للتصدي للجوائح في صورتها الأخيرة مادة كاملة لهذا الغرض، بهدف حسم
هذا الدور.
وتُعد هذه المسودة "حدثًا جللًا"، فهي، تهدف إلى إدراج مسببات
الأمراض، وتحديدًا تلك التي قد تندلع على آثارها الجوائح، في قلب إطار عمل يركز
على الصحة العامة وليس التنوع البيولوجي، على حد تعبير آمبر هارتمان شولتز، رئيسة
قسم سياسات العلوم في معهد لايبنيتز التابع لـ«المنظمة الألمانية لعينات الكائنات
الحية الدقيقة ومزارع الخلايا» (DSMZ)، الذي يحتفظ بعينات من كائنات حية دقيقة ومزارع خلايا في براونشفايج،
ألمانيا.
مفاوضات عسيرة
غير أنه لابد من تخطي عدد من العقبات كي تنظم اتفاقية التصدي للجوائح مزايا تشارك المعلومات
حول مسببات الأمراض.
فيرى بيير دو بليسيه، أحد كبار ممثلي الوفد الإفريقي في المفاوضات فيما
يتعلق بالموارد الجينية من ويندهوك، ناميبيا، أن عديدًا من الدول منخفضة ومتوسطة
الدخل يُتوقع أن تميل إلى خلو الاتفاق من أي إلزام قانوني، فيما يتعلق بالنهوض بجهود
رصد تحسبًا لاحتمالية ظهور أي مسببات أمراض، وفيما يتعلق بإتاحة المعلومات التي
تتوفر لديها دوليًا. وهو ما يلفت إليه بقوله: " تُعد حماية الحق السيادي في
التحكم في مشاركة الموارد الجينية، مع عدم التنازل عن هذا الحق دون الحصول – على
الأقل - على مزايا ملموسة، قضية شاغلة لنا جميعًا".
على طرف النقيض، صرحت شركات أدوية أن مثل هذه الاتفاقيات التي بموجبها يتعين
على الشركات إبرام صفقات مع الدول في خضم تفشي أزمة تبطئ خطى تطوير العلاجات
واللقاحات. كما أنها تؤدي إلى "تسييس صريح لعملية تشارك المعلومات حول مسببات
الأمراض"، بتعبير توماس كويني، المدير العام لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات منتجي
الأدوية» (IFPMA)، ومقره في
جنيف.
وقد تقدمت شتى الأطراف في المشكلة بحلول مقترحة. فمثلًا، على سبيل الحل،
اقترحت مجموعة من الدول الإفريقية خلال مفاوضات اتفاقية التنوع البيولوجي إيداع 1%
من مبيعات التجزئة من منتجات كاللقاحات ومعدات التشخيص المُطورة باستخدام بيانات
تسلسلات جينومية فيروسية في صندوق عالمي. وحول ذلك، يقول دو بليسيه: "فلنستعين
بهذا التمويل لدعم جهود الحفاظ على التنوع الحيوي، واستدامة الموارد البيئية وبناء
القدرات ونقل التقنيات". فمثلًا، قد تستعين الدول منخفضة ومتوسطة الدخل بهذا
التمويل لتتمتع بجاهزية أفضل تمكنها من إجراء عمليات رصد أحداث الانتشار الفيروسي.
ومن جانب آخر، تقدمت شركات الأدوية بحل آخر. فيقول كويني: "بتأمل ما
ترتب على الجائحة من عواقب، أبدت الشركات استعدادها لتخصيص جزء من إنتاجها [من
اللقاحات وغيرها من المنتجات] للتوزيع مباشرة وفورًا عبر المؤسسات الدولية على السكان
في الدول النامية". وقد تقدم الاتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأدوية بهذا الحل
رسميًا في هيئة مقترح أُطلق عليه «إعلان برلين». وفي المقابل، تتطلع شركات المستحضرات
الدوائية إلى ضمان مشاركة "فورية وبلا عراقيل" للمعلومات من قبل
الحكومات المشاركة في الاتفاقية.
الخطوات التالية
يبقى النظر في الحل الذي سيؤخذ به في اتفاقية التصدي للجوائح. فحاليًا تتدارس
المفاوضات إمكانية تبني أساليب تحفز على مشاركة المعلومات حول مسببات الأمراض، على
سبيل المثال، من خلال ضمان عمليات التوزيع لنسبة معينة من المنتجات المرتبطة بمواجهة الجوائح في الدول
منخفضة ومتوسطة الدخل. وأمام اللجنة
الدولية المسؤولة عن صياغة المسودة أقل من عام للتوصل إلى موافقة بالإجماع، وتقديم
نسخة نهائية للتصويت عليها من قبل الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية في اجتماع
المنظمة التالي المقرر انعقاده في مايو من عام 2024.
ولا يزال البعض يعلق آمالًا في أن تعرب وثيقة الاتفاقية عن التزام قوي تجاه
الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. ويقول سالم عبدول كريم عالم الأوبئة، مدير مركز
برنامج بحوث الإيدز في جنوب إفريقيا، ومقره ديربان، إنه إذا لم تبد الدول
استعدادًا لتشارك المعلومات، "فببساطة، لن يملك العالم نظام إنذار مبكر لمنع
تفشي أي جائحة مستقبلية".
تواصل معنا: