دمج النشاط البدني المُكثّفمع العلاج
الدوائي الحالي قد يحسِّن علاجات الشلل الرعاش ويقلل من الآثار الجانبية للمرض.
محمد السيد علي
يُعد مرض باركنسون أو الشلل الرعاش ثاني أكثر
الأمراض التنكسية العصبية شيوعًا في العالم، يؤدي هذا الاضطراب إلى حدوث تغيرات في
الإدراك والمزاج، بالإضافة إلى أعراضه التقليدية المتمثلة في تباطُؤ الحركة وتيبُّس
العضلات والرُّعاش.
وللأسف، فإن العلاجات الدوائية المتاحة ضد المرض تسيطر
فقط على الأعراض؛ إذ لم يتم -حتى اليوم- إثبات فاعلية أي دواء معدل للمرض، وتشير
الدراسات السريرية إلى أن النشاط البدني المُكثّف يحسِّن الوظائف الحركية لدى مرضى
باركنسون في مراحله المبكرة، لكن الآليات الكامنة وراء هذه التأثيرات المفيدة لم
تتضح بالكامل حتى الآن.
من هنا، تأتي أهمية الدراسة التي أجراها باحثون بقيادة علماء أعصاب من كلية
الطب بجامعة القلب المقدس الكاثوليكية ومستشفى جيميللي الجامعي في العاصمة
الإيطالية روما، ونشرتها دورية "ساينس أدفانسز"؛ إذ أعلن الباحثون
أنهم توصلوا إلى الآليات الكامنة وراء التأثيرات الوقائية العصبية للنشاط البدني
على خلايا الدماغ.
أظهرت دراسات أن النشاط البدني المكثف يرتبط
بزيادة إنتاج عامل النمو الحاسم الذي يسمى "عامل التغذية العصبية المشتق من
الدماغ"، وهو جزيء رئيسي يشارك في التغيرات
المتعلقة بالتعلم والذاكرة، وترتبط التغييرات في التعبير الجيني عن هذا الجزيء بكلٍّ
من الشيخوخة الطبيعية والمرضية وكذلك الأمراض النفسية، لا سيما في الهياكل المهمة
لعمليات الذاكرة مثل الحُصين والمناطق المجاورة له.
للوصول إلى نتائج الدراسة، أجرى الباحثون تجربةً على
مجموعة من فئران التجارب المصابة بباركنسون في مراحله المبكرة، وأخضعوهم لبروتوكول
تدريب على جهاز المشي لمدة 4 أسابيع، وأثبتوا لأول مرة كيف يحدد "عامل
التغذية العصبية المشتق من الدماغ" الآثار المفيدة للنشاط البدني في الدماغ.
وجد الباحثون أن التأثير الرئيسي للتدريب اليومي على
جهاز المشي كان الحد من انتشار تكتلات بروتين "ألفا سينوكلين" المرضية،
الذي يُعد أحد المكونات الرئيسية لـ"أجسام ليوي"، وهي
كُتل من تجمعات بروتينية تمثل الصفة المُميزة لمرض الشلل الرعاش.
وأوضح الباحثون أن التأثير الوقائي للنشاط البدني
يرتبط ببقاء الخلايا العصبية التي تطلق الناقل العصبي الدوبامين وما يترتب على ذلك
من قدرة الخلايا العصبية على التعبير عن شكل من أشكال اللدونة المعتمدة على
الدوبامين، وهي الجوانب التي أضعفها المرض.
نتيجةً لذلك، وجد الباحثون أن الحيوانات المريضة
بباركنسون التي تمارس تدريبًا مُكثفًا حافظت على التحكم الحركي والتعلم البصري
المكاني، اللذَين يعتمدان على نشاط المادة السوداء.
كما وجد علماء الأعصاب أيضًا أن عامل التغذية
العصبية المشتق من الدماغ، الذي تزداد مستوياته مع التمارين المُكثفة، يتفاعل مع
مستقبل "إن إم دي إيه" NMDA، وهو أحد أصناف مستقبلات الغلوتامات التي تؤدي دورًا أساسيًّا في
التعلُّم والذاكرة، وهذا التفاعل يُمكّن الخلايا العصبية من الاستجابة بكفاءة
للمنبهات، مع تأثيرات تستمر إلى ما بعد ممارسة التمرين.
يقول باولو كالابريسي، أستاذ طب الأعصاب في جامعة
القلب المقدس الكاثوليكية، والمشارك في الدراسة: عند الإصابة بمرض باركنسون، تنخفض
مستويات الناقل العصبي الدوبامين في مناطق الدماغ التي تشارك في التحكم بالحركات
الإرادية، وباستخدام نموذج تجريبي يُعاني من تراكم تكتلات بروتين ألفا سينوكلين في
الدماغ مع فقدان اللدونة المشبكية في الخلايا العصبية المخطط لها، قمنا بوصف آلية
جديدة تقوم على تحسين وظائف الخلايا العصبية بواسطة التمارين الرياضية.
يضيف "كالابريسي" في تصريحات
لـ"نيتشر ميدل إيست": أظهرت نتائجنا أن الأداء الحركي والمعرفي المُحسّن
لدى الحيوانات النشطة يرتبط بمستويات متزايدة من عامل التغذية العصبية المشتق من
الدماغ.
وحول أهمية النتائج، اعتبر أن الدراسة تُقدّم رؤى
مهمة ودعمًا تجريبيًّا لمفهوم أن التمارين الهوائية (مثل التزلج والسباحة وركوب
الدراجات وصعود السلم) يمكن أن تُخفّف من أعراض باركنسون وتُبطئ تقدم المرض، مضيفًا:
يمكن دمج هذا النهج غير الدوائي مع العلاج الدوائي الحالي لتحسين علاجات الشلل
الرعاش وربما لتقليل الآثار الجانبية أيضًا.
وحول الخطوات التالية، يقول
"كالابريسي": يشارك فريقنا البحثي حاليًّا في التجارب قبل السريرية
لمعرفة ما إذا كان من شأن التمارين المكثفة تحديد علامات جديدة لمراقبة تطور مرض
الشلل الرعاش، وبخصوص التجارب السريرية على البشر، فإن الفريق يجمع الأدلة حاليًّا
حول الآثار المفيدة بالنسبة لمرضى باركنسون الذين يخضعون لبروتوكول تدريب مُكثّف.
تواصل معنا: