مطالب علمية بتيسير الوصول إلى الحواسيب الفائقة حول العالم لبناء نماذج أفضل لكوكب لأرض
نشرت بتاريخ 24 يوليو 2023
علماء المناخ المؤيّدون لتأسيس شبكة من مراكز النمذجة التي تعمل بأحدث
التقنيات يأملون في أن تساعد فكرتهم شيئًا فشيئًا على دحض الشكوك المثارة بخصوص آثار
الاحتباس الحراري
جيف توليفسون
ما السرعة التي
سترتفع بها درجة حرارة الكرة الأرضية؟ وما الذي سيعنيه ذلك لكوكب الأرض؟ هذان
هما السؤالان اللذان يطرحان نفسيهما. وللإجابة عنهما، أمضى الباحثون عقودًا في
بناء نماذج مناخية عالمية متزايدة
التعقيد، ولكن القوة الحوسبية اللازمة لخلق هذه النماذج قد أصبحت أعظم من القوة
الحوسبية المتاحة.
واليوم، تنادي مجموعة
من العلماء بتنفيذ حلٍّ طموح لمواجهة هذه المشكلة، يتلخَّص في تأسيس ما يُسمَّى بشبكة
«المحركات التصورية لكوكب الأرض» (EVE)، وهي شبكة من مراكز النمذجة التي تعمل
بأحدث التقنيات وتتيح لمئات من العلماء العاملين بها الاستعانة بأحدث الحواسيب الفائقة
في تشغيل نماذج مناخية ذات دقة فائقة وبأقصى طاقة حوسبية ممكنة. وقد بدأ تشغيل بعض
النماذج المشابهة بالفعل، مما قاد كثيرًا من
الباحثين إلى الاعتقاد بأن الاعتماد على مثل هذه النماذج قد يرفع من جودة التوقعات
المناخية بصورة ملحوظة.
وفي هذا الصدد، يقول
بيورن ستيفنز، مدير معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية بمدينة هامبورج في ألمانيا وأحد
مناصري تأسيس شبكة «المحركات التصورية لكوكب الأرض»: "قد يبدو من كلامي أنني شخص
حالم، ولعلني كذلك، ولكن قضية تغير المناخ مشكلة عالمية قد دخلت في منعطف حرج يستدعي
تضافر الجهود الدولية للخروج منه". ويستطرد قائلًا: "ما ينقصنا هو وضع استراتيجية
منسَّقة لطرح واحدة من أعقد المشكلات البشرية على مجموعة من أكبر أجهزة الحوسبة
الفائقة".
وكان مناصرو فكرة
المحركات قد أزاحوا الستار عن فكرتهم رسميًا خلال قمة المناخ التي عُقدت في برلين
الأسبوع الماضي، وتنعقد آمالهم في الوقت الراهن على عرضها على قادة الحكومات في أثناء
مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ المقرر عقده بدبي في وقت لاحق من هذا
العام. ومع ذلك، فليس ثمة إجماع بشأن الفكرة بعد، حتى بين صفوف علماء المناخ؛ إذ يشكّك
بعض الباحثين في تكلفة الفكرة وقابليتها للتطبيق ومردودها العلمي.
يقول جافين شميت،
الذي يترأَّس فريق النمذجة المناخية التابع لوكالة ناسا في معهد جودارد لدراسات الفضاء
بنيويورك: "ينطوي هذا الطرح على كثير من الأفكار الجيدة، ويمكن أن يكون
الحديث عن هذه الأفكار باعثًا على الحماس". ويضيف: "ولكن، في نهاية
المطاف، لا أعتقد أن هذا هو السبيل الأمثل للمضي قُدمًا".
محاكاة كوكب الأرض
تصنع عمليات المحاكاة
المناخية نموذجًا للظروف داخل "خلايا" شبكة ثلاثية الأبعاد ملفوفة حول نسخة
افتراضية من كوكب الأرض ومقترنة على الأغلب بنماذج منفصلة تحاكي مكونات من الكوكب،
مثل المحيطات والصفائح الجليدية. ويجري تشغيل عديد من تلك النماذج باستخدام شبكة يتراوح
متوسط طول الضلع الواحد لخلاياها بين 50 و100 كيلومتر، غير أن فِرقًا بحثية كثيرة حول
العالم تعمل حاليًا على ابتكار نماذج أعلى دقة بخلايا شبكية يبلغ طول ضلعها كيلومترًا
واحدًا فقط إن لم يكن أقل.
وقد بيَّنت الدراسات
بالفعل أن النماذج الأعلى دقة بإمكانها إنتاج عمليات محاكاة أكثر واقعية للسُحب
ودوامات المحيطات وغيرها من الظواهر. ويأمل عديدٌ من الباحثين أن تساعد هذه
النماذج على إيجاد إجابات عن التساؤلات الأساسية المطروحة بخصوص مدى توغّل ظاهرة الاحتباس
الحراري، إضافةً إلى تقديم تفاصيل عن دور السُحب والغبار وتلوث الهواء في هذا
الاحتباس.
ويحظى بعض علماء
المناخ الآن بإمكانية الوصول إلى الحواسيب الفائقة القادرة على إجراء تريليونات أبل وكوادريليونات من
العمليات في الثانية، لكن تشغيل النماذج عالية الدقة على هذه الأجهزة لا يزال أمرًا
مُكلِّفًا، فضلًا عن كونه يستغرق وقتًا طويلًا.
قوة مقياس إكسا
يسعى داعمو فكرة المحركات إلى حلِّ هذه المعادلة الصعبة بإنشاء
ما بين ثلاثة إلى خمسة مراكز نمذجة، على أن يكون كلٌ منها مجهّزًا بأحدث جيل من الحواسيب
الفائقة وأسرعها على مستوى العالم. تعمل هذه الحواسيب على "مقياس إكسا"،
ما يُمكِّنها من تنفيذ كوينتليون (أي مليون تريليون، أو 1018) عملية في
الثانية. ومن المزمع أن يتراوح عدد العلماء العاملين بهذه المراكز بين 200 و300
عالِم، كما تُقدَّر الميزانية السنوية لكل مركز منها بنحو 300 مليون يورو (أي 330
مليون دولار أمريكي)، لتتراوح التكلفة الإجمالية لشبكة المراكز بين 10 و15 مليار يورو
خلال 10 سنوات.
ومن المزمع كذلك أن
تنتج هذه المراكز بيانات متاحة مجانًا ليسهل على الباحثين الآخرين الاطّلاع عليها وتمثيلها
بصريًا واستخدامها في أبحاثهم. وفي الوقت نفسه، يقول المؤيدون إن مراكز «المحركات التصورية لكوكب الأرض» ستساعد على إضفاء طابع ديمقراطي على علوم المناخ من
خلال إشراك باحثين من دول الجنوب العالمي في هذا المجال. وتعليقًا على هذا، يقول
ستيفنز: "بإمكان مجال النمذجة المناخية أن يكون أكثر من مجرد ساحة يلهو فيها ويهيمن
عليها "الرجال المهووسون ببريق الآلات" من سكان الدول الغنية"، ويردف
قائلًا: "بإمكان المجال أن يسعنا معًا".
ويُذكر أن هذه الأفكار
تُختَبر الآن بالفعل على نطاق واسع ولأول مرة في أوروبا، إذ ضخّت المفوضية
الأوروبية استثمارًا مبدئيًّا بقيمة 150 مليون يورو في مبادرة تسمى»
ديستنيشن
إيرث» Destination Earth. ويعكف العلماء المسؤولون عن المشروع حاليًا
على استحداث نماذج وأدوات عالية الدقة تسمح للعلماء باستخدام البيانات وتمثيلها
بصريًا بسهولة.
الخلاف بشأن «المحركات
التصورية لكوكب الأرض»
يتساءل بعضهم إذا
ما كانت هذه الجهود ستؤتي ثمارها، وحجتهم في ذلك أن زيادة دقة النماذج المناخية
ليست حلًا شاملًا لجميع مسائل علوم المناخ. يقول شميت إن العلماء تعلَّموا من
تجارب سابقة أن الاختلافات بين النماذج من شأنها طرح رؤى جديدة بخصوص الآليات الفعلية
التي يعمل بها العالم على أرض الواقع. ومن هذا المنطلق، أعرب شميت وآخرون عن قلقهم
من أن «المحركات التصورية لكوكب الأرض» ستصيب مجال النمذجة بالمركزية في
نهاية المطاف، فضلًا عن أنها قد تستمدّ الخبرة العلمية من مراكز النمذجة القائمة
بالفعل، خلال الفترة الأولى من إطلاقها على الأقل، بدلًا من إشراك علماء جُدد
والاستفادة من تنوّع خبراتهم.
وتقول روبي ليونج،
عالِمة المناخ في المختبر الوطني شمال غرب المحيط الهادئ بمدينة ريتشلاند في ولاية
واشنطن، إن علماء المناخ يسعون لتجربة مجموعة واسعة من الأفكار التي تهدف إلى تحسين
النماذج، ومن ثمَّ فهي ترى أن "التركيز على نهج واحد وعدد محدود من المراكز
في المرحلة الراهنة قد يعوق الجهود الأخرى ويحدّ من الاستفادة مما تنطوي عليه تلك
الجهود من إمكانات".
أما بيتر باور،
الذي ترأَّس» ديستنيشن إيرث» في المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية
متوسطة المدى بمدينة بون بألمانيا، فقد صرَّح -قبل تقاعده هذا الشهر- بأن المخاوف المثارة
بخصوص الأمر مبالغٌ فيها، نافيًا الفكرة القائلة إن «المحركات التصورية لكوكب الأرض» تهدف إلى مركزة المعرفة والجهود العلمية القائمة،
ومؤكدًا أن الهدف الحقيقي منها توفير منصة لإنتاج معرفة وجهود علمية جديدة. وبالمثل،
لا يبالي أنصار هذه المحركات بحجم الميزانية اللازمة لتأسيسها، مستشهدين بالميزانية
السنوية المُقدَّرة بنحو 1.4 مليار فرنك سويسري (أي 1.5 مليار دولار أمريكي) المرصودة
لصالح «سيرن»، وهو مختبر فيزياء الجسيمات الأوروبي الواقع قرب جنيف، ومعلقين بأن الفاتورة
الكارثية للاحتباس الحراري ستكون تكلفتها أكبر بكثير من الميزانية المطروحة.
يقول ستيفنز:
"المبلغ المطروح ليس بهذه الضخامة إذا ما
فكرنا في مشكلة المناخ على نطاق أوسع".
تواصل معنا: