الفقر والعنف
والتدهور المناخي أهم "عوامل الجذب" التي تدفع الأفراد إلى الهجرة غير
الشرعية بـ"وسط البحر المتوسط"
محمد السعيد
في عام
2022، سجلت منظمة الأمم المتحدة أعلى معدل وفيات على طول طرق الهجرة عبر منطقة
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أوروبا ومناطق أخرى؛ إذ رصدت أكثر من 3700 حالة وفاة فيما وصفته
بـ"رحلات الموت من سواحل البحر المتوسط في شمال أفريقيا".
وذهب
البعض إلى أن "وجود قوارب البحث والإنقاذ ساعد على تصاعد تدفق المهاجرين
الذين يصلون إلى الشواطئ الأوروبية، وشجع على مزيد من محاولات العبور بغض النظر عن
الخطر الحقيقي لعبور البحر المتوسط، وأن المهربين يستغلون وجود قوارب الإنقاذ في
تقليل تكاليف عملياتهم، سواء من حيث نوع القوارب المستخدمة أو المعدات
الأخرى".
لكن دراسة جديدة نشرتها
دورية "ساينتفك ريبورتس" انتهت إلى أن "عمليات البحث والإنقاذ
للقوارب التي تحمل مهاجرين غير نظاميين عبر المنطقة الواقعة وسط البحر المتوسط (التي
تضم دولًا مثل ليبيا وتونس ومالطا وإيطاليا) لم تؤثر بالسلب أو الإيجاب على معدل
محاولات الهجرة غير النظامية من شمال إفريقيا إلى جنوب أوروبا في الفترة بين عامي
2011 و2020، وأن أسبابًا أخرى هي التي أثرت على زيادة محاولات العبور وزيادة خطر
وفاة المهاجرين".
أجرى
المؤلفون عمليات محاكاة باستخدام نموذج لتحديد العوامل التي تنبأت بشكل أفضل
بالتغيرات في عدد عمليات العبور التي لوحظت خلال هذه الفترة، وتضمنت العوامل التي
تم تقييمها عدد عمليات البحث والإنقاذ، وأسعار صرف العملات، وأسعار السلع الدولية،
ومعدلات البطالة، والطقس، والعنف، وتدفق الحركة الجوية بين البلدان الأفريقية وشرق
الأوسطية والأوروبية.
تضيف
"سانشيز": عوامل الجذب هي سمات هيكلية ومجتمعية توفر حوافز للأشخاص
للهجرة إما إلى منطقة معينة أو خارجها، وهناك عوامل أخرى غير قوارب الإنقاذ هي
التي أثرت على محاولات العبور عبر وسط المتوسط، فعلى سبيل المثال، أثرت المشاركة
المتزايدة لخفر السواحل الليبي بالفعل على معدلات محاولات الهجرة غير النظامية، لكن
ذلك جاء على حساب الظروف المعيشية للمهاجرين في ليبيا، وفق تقارير مختلفة عن
انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث هناك.
للوصول
إلى النتائج، استخدم المؤلفون بيانات عن حركة العبور، ونهج النمذجة التنبئية للسلاسل
الزمنية المعروف باسم "نموذج السلاسل الزمنية الهيكلي"، جنبًا
إلى جنب مع منهجية الاستدلال السببي، كما استعان الباحثون بالفترة التي تسبق تدخل
حرس الحدود وفرق الإنقاذ، والتي استخدموها لبناء نموذج تنبئي، ثم قارنوا تنبؤاتهم
بمستوى تدفق الهجرة المرصود في طريق وسط البحر المتوسط، في فترة ما بعد التدخل.
وتؤكد
الدراسة أن "إنقاذ الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر هذا الطريق
في سفن غير صالحة للإبحار أصبح قضيةً مثيرةً للجدل للغاية في سياسة الهجرة في
الاتحاد الأوروبي، والتي تستند إلى دراسة عوامل عدة مثل المهاجرين والمهربين
ونشطاء المنظمات غير الحكومية وصانعي السياسات والأكاديميين ووسائل الإعلام".
وأوضحت
الدراسة أنه "على الرغم من الانخفاض الملحوظ في عدد المهاجرين غير النظاميين
بعد منتصف عام 2017، إلا أن الوضع الإنساني الحرج الذي يواجهه المهاجرون المحتملون
في ليبيا -وهي نقطة انطلاق رئيسية عبر البحر المتوسط- لا يزال بلا هوادة".
وردًّا
على سؤال لـ"نيتشر ميدل إيست" حول العوامل التي تتحكم في محاولات العبور
أو تؤثر في معدلاتها، قالت "سانشيز": هناك تفاعل معقد للغاية بين عدد من
العوامل، مثل النزاعات المسلحة والحروب في بلدان الأصل، والأزمات الاقتصادية،
والاضطهاد السياسي، وتغير المناخ، وظروف العمل.
تضيف
"سانشيز": في دراستنا، لا نحاول تحديد العوامل المهمة، أو العوامل
الأكثر أهمية؛ إذ تتطلب مثل هذه المهمة دراسة مستقلة، والعوامل العديدة التي
نأخذها في الاعتبار في نموذجنا هي العوامل التنبئية، التي تختلف تمامًا عن العوامل
التفسيرية.
وتتابع:
النتائج التي توصلنا إليها يمكن أن تبصِّر عموم الناس بأهمية البحث والإنقاذ لحفظ
الأرواح، والعواقب الوخيمة لجلب المزيد من المهاجرين في المستقبل، ونأمل أن تسهم
الدراسة في تعزيز منظور آخر للهجرة، منظور يدرك أن التنقل البشري هو وظيفة لعدة
عوامل متفاعلة أكثر صلة بكثير من وجود قوارب البحث والإنقاذ من عدمه.
تواصل معنا: