يمكن تحويل النظم البيئية القاحلة إلى أنظمة فعالة لالتقاط الكربون مع تحسين صحة التربة وتعزيز كفاءة التمثيل الضوئي
محمد السعيد
أكدت
دراسة حديثة ضرورة استخدام تقنيات أسر الكميات المفرطة من الكربون المنبعث بالفعل
في الغلاف الجوي وتخزينها، بالإضافة إلى بذل الجهود لخفض مستويات ثاني أكسيد
الكربون في الغلاف الجوي، ويعتقد خبراء أن إنشاء أحواض "تحت أرضية"
لاحتجاز الكربون في الصحاري يمكن أن يكون أحد الحلول الجيدة للتخفيف من الاحترار
العالمي وآثاره.
ووفق الدراسة التي ضمت باحثين
من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في السعودية، ونشرتها دورية "تريندز
إن بلانت ساينس" (Trends in Plant Science)، يرى
فريق من علماء النبات أن "الأراضي القاحلة مثل الصحاري يمكن أن تكون أحد
الحلول لقضية احتجاز الكربون؛ إذ يمكننا تحويل النظم البيئية القاحلة إلى أنظمة
فعالة لالتقاط الكربون، مع تحسين صحة التربة، وتعزيز كفاءة التمثيل الضوئي".
ويشير
الباحثون إلى أنه "حتى لو تمكنَّا من خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإن
التأثيرات المناخية الناجمة عن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون ستظل غير قابلة للإصلاح
لمدة ألف عام على الأقل، ما لم نتمكن من عزل ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي".
يقول
"هيريبرت هيرت" -أستاذ علوم
النبات بقسم العلوم والهندسة البيولوجية والبيئية في جامعة الملك عبد الله للعلوم
والتقنية، وقائد فريق البحث في الدراسة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست":
إن تقنية أسر الكربون واحتجازه يمكن أن تكون أحد أفضل الحلول في استعادة وظائف
النظام البيئي في الصحاري، ومن ثم زراعتها وإعادتها إلى الخضرة مع الحفاظ -في
الوقت ذاته- على الأراضي الزراعية الموجودة من قبل.
وتُعد تقنية
أسر الكربون واحتجازه إحدى "التقنيات سلبية الانبعاثات" (NETs)، التي تعمل على إزالة غازات الدفيئة من الغلاف الجوي، وفي حالة
ثاني أكسيد الكربون، يجري أسره عن طريق التفاعلات الكيميائية، وتعزيز تجوية
المعادن، وتعني التجوية عملية تفتُّت الصخور والتربة
والمعادن وتحلُّلها على سطح الأرض أو قربه بواسطة العوامل الجوية السائدة دون نقل
الفتات من مكانه.
في
الدراسة الجديدة، استخدم الباحثون نباتات الأراضي القاحلة التي تنتج الأوكسالات،
وهي أيونات تحتوي على الكربون والأكسجين؛ إذ يمكن لبعض النباتات الصحراوية تحويل
الأوكسالات إلى ماء خلال أوقات الجفاف، كما يعتمد بعض ميكروبات التربة على هذه
الأوكسالات كمصدر وحيد للكربون، وبذلك تفرز جزيئات الكربونات في التربة.
وتتحلل
الكربونات عادةً بسرعة، ولكن إذا تمت زراعة هذه الأنظمة الميكروبية النباتية في
تربة قلوية وغنية بالكالسيوم، فإن الكربونات تتفاعل مع الكالسيوم لتكوين رواسب من
كربونات الكالسيوم، ويتم ترسيب بعض الكربون الناتج عن هذه الأوكسالات تحت الأرض
على شكل رواسب كربون عندما تنمو النباتات المؤكسدة في ظل ظروف معينة، وهذه هي
الآلية التي يسعى المؤلفون إلى استغلالها لعزل الكربون.
يقول "هيرت":
الأراضي الجافة هي أحد الحلول الواعدة لاحتجاز الكربون دون الإضرار بالأراضي
الزراعية، وتقترح الدراسة عزل واحدة من كل ست عشرة ذرة كربون مثبتة بعملية التمثيل
الضوئي التي تقوم بها النباتات الصحراوية التي تتكيف مع الظروف المناخية القاسية.
يضيف
"هيرت": جرت مناقشة للعديد من تقنيات احتجاز الكربون، وأنا أوافق على أن
الكثير منها يثير كثيرًا من الشك حول جدواه؛ فعلى سبيل المثال، يبدو تحويل
المحاصيل إلى نباتات ذات جذور أكبر فكرةً جيدة، ولكن السؤال المطروح دائمًا هو:
كيف سيؤثر ذلك على الإنتاجية؟ وما مدى سرعة وضع هذه الأفكار في أصناف النخبة دون
الإخلال بالأمن الغذائي؟
ويتابع:
يتم حصاد المحاصيل كل عام، مما يؤدي إلى إطلاق كثير من الكربون على شكل ثاني أكسيد
الكربون مرةً أخرى، وأرى أن الحلول التي لا تمس الأراضي الزراعية وإنتاج الغذاء
ستكون لها ميزة كبيرة.
ويؤكد الباحث
أن هذه التقنية المقترحة لن تتداخل مع إنتاج الغذاء، بل يمكنها بدلًا من ذلك زيادة
خصوبة التربة واستعادة الغطاء النباتي في الأراضي المتدهورة بطريقة مستدامة، كما
يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في جميع البلدان القاحلة تقريبًا في جميع أنحاء
العالم من المكسيك إلى شمال أفريقيا وعبر آسيا حتى الصين، وفق قوله.
تواصل معنا: