تُقدم القدرة على تنمية الأعضاء
البشرية داخل الحيوانات حلًّا ثوريًّا لمشكلة نقص الأعضاء.. لكنها تثير العديد من
المخاوف الأخلاقية
محمد منصور
في تقدم ملحوظ يمكن أن يعيد تشكيل
مستقبل زراعة الأعضاء والطب التجديدي، حقق علماء صينيون نجاحًا كبيرًا بعدما نجحوا
في تخليق أجنة خيمرية -هجينة- تحتوي على خلايا بشرية وخنازير، وقاموا بزراعة كُلى
بشرية داخل أمهات الخنازير البديلة.
ويُعد هذا الإنجاز الأول من نوعه
الذي مكَّن الباحثين من زراعة عضو بشري مكتمل التكوين داخل نوع آخر، وهو ما يقربنا
خطوةً واحدةً من حل أزمة نقص الأعضاء العالمية.
وأصبح هذا الإنجاز العلمي ممكنًا من
خلال تقنية رائدة تتضمن دمج الخلايا البشرية والخنازير، فمن خلال الجمع بين هذه
المكونات الخلوية، وضع الباحثون الأساس لتطوير الأعضاء التي يمكن استخدامها
لزراعتها في البشر في المستقبل، وفق دراسة نشرتها دورية "سيل ستيم
سيل" (Cell Stem Cell).
يقول "تشين داي"، الباحث
في معهد "كوانزو" للطب الحيوي، والمؤلف الأول للدراسة: نواجه نقصًا
مزمنًا في الأعضاء التي يتم التبرع بها، ما يؤثر سلبًا على أنظمة الرعاية الصحية
في جميع أنحاء العالم، ويؤدي إلى فقدان عددٍ لا يحصى من الأرواح كل عام بسبب عدم
توافر الأعضاء المناسبة للزراعة.
يضيف "داي" في تصريحات
لـ"نيتشر ميدل إيست": القدرة على تنمية الأعضاء البشرية داخل الحيوانات
تقدم حلًّا ثوريًّا لهذه المشكلة.
وهذه هي المرة الأولى التي يتمكن
فيها العلماء من تنمية عضو بشري صلب داخل نوع آخر، على الرغم من أن الدراسات
السابقة استخدمت أساليب مماثلة لتوليد أنسجة بشرية -مثل الدم أو العضلات الهيكلية-
في الخنازير، وركز الباحثون على الكلى لأنها من أول الأعضاء التي تتطور، كما أنها
أكثر الأعضاء التي يتم زرعها في الطب البشري.
ووفق الدراسة، فقد نجح هذا النهج في
تحسين دمج الخلايا البشرية في الأنسجة المتلقية، وتنمية الأعضاء البشرية في
الخنازير، ويفتح ذلك البحث الباب أمام مستقبل تصبح فيه زراعة الأعضاء أكثر سهولةً
ونجاحًا، كما يشعل الأمل لدى الأفراد الذين ينتظرون عمليات زرع الأعضاء المنقذة
للحياة وأُسرهم، ما يوفر إمكانية العيش حياةً أطول وأكثر صحة.
تضمنت الخطوة الحاسمة الأولى في
العملية إنشاء مكان مناسب داخل جنين الخنزير لضمان ازدهار الخلايا البشرية دون
التنافس مع خلايا الخنزير ذاته، ولفعل ذلك، استخدم الباحثون أداة التحرير الجيني
الثورية "كريسبر" لإجراء هندسة وراثية لجنين خنزير وحيد الخلية، ومن
خلال إزالة اثنين من الجينات الحاسمة لنمو الكلى، مهدوا الطريق أمام الخلايا
البشرية لتزدهر في بيئتها الجديدة، وقد مهد هذا التلاعب المبتكر الطريق للمراحل
اللاحقة من عملهم الرائد.
بعد ذلك، حول الباحثون انتباههم إلى الخلايا
الجذعية
البشرية
متعددة
القدرات، وهي نوع من الخلايا متعددة
الاستخدامات لها القدرة على التطور إلى أي خلية تقريبًا داخل جسم الإنسان، ويمكن
أن تتشعب لإنتاج مزيد من الخلايا الجذعية، ولزيادة توافق هذه الخلايا وتكاملها
داخل جنين الخنزير، أجرى العلماء سلسلةً من التعديلات الجينية التي منعت عملية موت
الخلايا المبرمج مؤقتًا، مما جعل الخلايا أكثر مرونةً وأقل تعرضًا للتدمير الذاتي،
ويضمن هذا النهج المبتكر بقاء الخلايا البشرية وتكاملها داخل جنين الخنزير النامي.
علاوةً على ذلك، حوَّل الباحثون هذه
الخلايا الجذعية إلى خلايا "ساذجة" تشبه إلى حدٍّ كبير الخلايا الجنينية
البشرية المبكرة، وتم تحقيق هذه الخطوة من خلال الزراعة الدقيقة في وسط متخصص،
وكانت هذه الخطوة ضروريةً لنجاح الاندماج بين الخلايا البشرية والخنازير.
ثم عمل الباحثون على تحسين ظروف نمو الخيمرات النامية، فلاستيعاب الاحتياجات
المتباينة لكلٍّ من الخلايا البشرية والخنازير، قام الباحثون بضبط البيئة بدقة من
خلال توفير العناصر الغذائية والإشارات الفريدة المصممة خصوصًا لتلبية المتطلبات
المحددة لكل نوع من أنواع الخلايا، وبذلك ضمنوا التطور المتناغم للكلى المتوافقة
مع البشر داخل أمهات الخنازير البديلة.
وإجمالًا، نقل الباحثون 1820 جنينًا
إلى 13 أمًّا بديلة، وبعد 25 أو 28 يومًا، أنهوا الحمل واستخرجوا الأجنة لتقييم
نجاح الأجنة الخيميرية في إنتاج كلى متوافقة مع البشر.
جمع الباحثون خمسة أجنة خيمرية
لتحليلها (اثنين بعد 25 يومًا وثلاثة بعد 28 يومًا من الزرع)، ووجدوا أن لديهم كلى
طبيعية من الناحية الهيكلية لمرحلة نموهم وتتكون من 50-60٪ من الخلايا البشرية.
وفي عمر 25-28 يومًا، كانت الكلى في
مرحلة الكلية المتوسطة (المرحلة الثانية من نمو الكلى) بعد أن شكلت أنابيب وبراعم
من الخلايا التي ستصبح في النهاية حالبًا يربط الكلية بالمثانة.
وعلى الرغم من أن ذلك البحث خطوة
مهمة ومثيرة للاهتمام، فإن "عمليات زرع الأعضاء هذه لا تزال بعيدةً عنا
لسنوات عديدة"، كما يقول عالِم زراعة الأعضاء في جامعة نيويورك والذي لم
يُشارك في البحث "ماسيمو مانجولا" في تصريحات صحفية.
يضيف "مانجولا": في
الدراسة بعض العيوب، ففي مرحلة التطور المبكر تنمو في الأجنة كلى مؤقتة فقط،
والكلى التي ستُستخدم في عمليات زرع الأعضاء هي نوع مختلف يتشكل لاحقًا.
وفي الوقت الذي يقدم فيه هذا الإنجاز
مجالًا هائلًا لمعالجة أزمة زرع الأعضاء، من المهم تأكيد الاعتبارات الأخلاقية
والتنظيمية واعتبارات السلامة المستمرة التي يجب معالجتها قبل أن يتم تطبيق هذه
التكنولوجيا في البيئات السريرية.
يقول "بول كنوبفلر"، عالِم
بيولوجيا الخلايا الجذعية في جامعة كاليفورنيا، وغير المشارك في الدراسة: "إن
اثنين من الجينات البشرية التي قام الباحثون بتحريرها يمكن أن تسبب السرطان إذا تم
التعبير عنها بشكل مفرط، وهو أمرٌ يجب اختباره في الأعضاء التي نمت في
الخنازير".
تواصل معنا: