أربعة مخاطر تهدد مصايد مصر السمكية على البحر المتوسط
نشرت بتاريخ 7 أكتوبر 2023
يحتوي
البحر المتوسط على 4 إلى 18% من الأنواع البحرية المعروفة في العالم.. وتوصيات بضرورة
حمايته من صيد الزريعة ومصادر التلوث البحري
محمد السعيد
تتعرض
مصايد الأسماك المصرية على ساحل البحر المتوسط لعدد من المخاطر التي تحد من تطورها
وتتسبب في تدهور النظام البيئي وموائل الأسماك، ما يجعلها بحاجة إلى إدارة أفضل
لضمان الصحة العامة للموارد البحرية الحية في البحر المتوسط، وفق دراسة نشرتها مجلة
"أوشن آند كوستال ماناجمنت" (Ocean and Coastal
Management).
ووفق
الدراسة، فقد قام فريق بحثي تابع لـ"مبادرة البحر من حولنا" في جامعة "بريتيش
كولومبيا" الكندية، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري
في مصر، بإعادة بناء مصايد الأسماك البحرية في مصر على البحر المتوسط في الفترة ما
بين عام 1920 وحتى 2019، ووجدوا أدلة على أربعة عوامل رئيسية تتسبب في تدهور مصايد
الأسماك المصرية على المتوسط.
وحدد
الباحثون تغيُّر المناخ، وإنشاء قناة السويس، والتلوث، والصيد الجائر، بوصفها
العوامل الرئيسية المؤدية إلى تدهور المصايد، ولم تتناول الدراسة التلوث بتوسع، مضيفةً
أن "الاستغلال المفرط للأسماك في المناطق القريبة من الشاطئ دفع الصيادين إلى
الذهاب أبعد وأعمق، واللجوء على نحوٍ متزايد إلى الأنواع الأدنى في السلسلة
الغذائية".
انتعاش
وتراجُع
يحتوي
البحر المتوسط على نسبة تتراوح بين 4 إلى 18% من الأنواع
البحرية المعروفة في العالم، وهو ما يجعله من أهم مناطق التنوع الحيوي، خاصةً أن
مساحته لا تزيد على 0.8٪ من محيطات العالم، وتبلغ حصة مصر حوالي ألفي كم من سواحل
البحر المتوسط تمتد من الحدود المصرية-الفلسطينية في الشرق إلى الحدود
المصرية-الليبية غربًا.
تقول "ميريام
خلف الله"، باحثة ما بعد الدكتوراة في جامعة "بريتيش كولومبيا"،
والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، والمؤلفة الرئيسية
للدراسة: إن 3.8 ملايين طن من الأسماك واللافقاريات جرى استخراجها من المصايد
المصرية على البحر المتوسط في الفترة من عام 1920 إلى عام 2019.
تضيف "ميريام"
في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": نظرًا لوفرة البيانات المصرية عن مصايد
البحر المتوسط على مدار 100 عام، أجرينا الدراسة على هذا المقياس، لقد حددنا فترات
ذروة كبيرة في المصايد تليها انخفاضات حادة ناجمة عن أحداث خارجية مختلفة وزيادة
ضغط الصيد.
وتتابع:
شهدت المصايد المصرية على المتوسط حالةً من الانتعاش في فترة الحرب العالمية
الثانية وحتى ستينيات القرن الماضي ليبدأ التراجُع عقب إنشاء السد العالي في أسوان؛
إذ حجز إنشاء السد كمياتٍ ضخمةً من المياه أمامه في بحيرة السد، لكن البحيرة لم
تخزن المياه فقط، بل حجزت أيضًا الرواسب والمغذيات التي كان النهر يجلبها معه من
منابعه، كما تسبب السد في حرمان الأسماك من هذه المخصبات الطبيعية التي كانت تنساب
إلى البحر مع تدفقات المياه في موسم الفيضان، لكن المياه الناتجة عن الصرف الزراعي
في الدلتا والغنية بالمخصبات الطبيعية والصناعية مثل الأسمدة، ربما أسهمت في تعويض
الأثر السلبي الذي أحدثه السد العالي على غذاء الأسماك.
في
أواخر الثمانينيات، عادت مصايد الأسماك إلى مستويات ما قبل السد، وأسهمت الأسمدة
المنصرفة مع مياه الصرف الزراعي في إثراء المياه المحيطة بها وتغذية نمو سمك السردين
ومجموعات الأسماك الأخرى، لكن في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تراجعت المصايد
مرةً أخرى.
استنتج
المؤلفون أن الانتعاشة التي أدت إلى ظهور الأسماك منذ عقدين سابقين كانت انتعاشةً عابرة،
موضحين أن "مصايد سمك السردين كانت الأكثر تضررًا؛ إذ انخفضت من 30% من المصايد
التجارية في الفترة بين عام 1950 إلى عام 1965 إلى أقل من 4% في عام 1968، كما حدث
انخفاض في حصيلة عملية الصيد بنسبة 50% تقريبًا بين عامي 2011 و2019، على الرغم من
ضغوط الصيد المتزايدة.
هجرة
الأنواع الغازية
افتُتحت
قناة السويس للملاحة البحرية في 17 نوفمبر من عام 1869، ومنذ افتتاحها كانت
البحيرات المرة في الأصل أكثر ملوحةً من البحر المتوسط والبحر الأحمر، مما حد من
حركة الأنواع، لكن ذلك لم يمنع أكثر من 400 نوع من الحيوانات غير الأصلية من دخول البحر
المتوسط، بما في ذلك أكثر من 100 نوع من الأسماك البحرية من البحر الأحمر.
وفق الدراسة،
مثلت قناة السويس ممرًّا لعبور بعض الأنواع البحرية من بيئة البحر الأحمر إلى بيئة
البحر المتوسط، وهو ما تقول الباحثة إنه يتسبب في مشكلات بيئية، ويمثل تهديدًا للتنوع
الأحيائي والموائل الطبيعية للأنواع، ومن ثم يحدث خلل في التوازن البيئي في البيئة
المضيفة، أي المتوسط.
تقول "ميريام":
تغيُّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة فاقم من هذه المشكلة؛ إذ تتكيف الكائنات
الوافدة من البحر الأحمر بشكل أسرع مع بيئة البحر المتوسط الجديدة؛ نظرًا لاعتيادها
على الحرارة المرتفعة، ويتوقع أن يؤدي ارتفاع درجة حرارة البحر المتوسط إلى جعل
الظروف أكثر ملاءمةً لانتقال الأنواع من البحر الأحمر، وهو ما يؤثر في النهاية على
سلسلة الغذاء في المتوسط؛ إذ تتغذى الكائنات الغازية على الكائنات المقيمة، في
سلوك يهدد سلامة الموائل.
تؤيد
دراسة سابقة نشرتها دورية "نيتشر إيكولوجي أند إيفولوشن" في عام
2020 ما ذهبت إليه "ميريام" وزملاؤها؛ إذ كشفت الدراسة أن التوسعات
الأخيرة لقناة السويس أدت إلى تسريع انتقال الكائنات البحرية غير المحلية من البحر
الأحمر إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس.
وحذرت
الدراسة التي أجراها فريق بحثي بنمي من أنه "في حال استمرت حركة الأنواع
البحرية الغازية، فستكون هناك فرصة كبيرة لانتقال أنواع تتسبب في حدوث عواقب بيئية
غير محمودة، وأن توسيع قناة بنما وتوسعة قناة السويس لتشمل قناة جديدة بطول 35 كيلومترًا
في عام 2015 أدى إلى تدفُّق المياه المتزايد وإضعاف تأثير البحيرات المرة، وانتقلت
ثمانية أنواع جديدة من الأسماك من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط".
تغير
المناخ
يقول أحمد
دياب، الأستاذ المساعد بمعهد بحوث الأسماك في مركز البحوث الزراعية بمصر: يعتبر
شرق البحر المتوسط أحد المواقع التي ترتفع فيها درجات الحرارة بشكل أسرع بسبب تغير
المناخ، وبالتالي فإن الظروف المناخية شرق البحر المتوسط مثالية للعديد من أنواع
البحر الأحمر؛ لتقارب الظروف المناخية بين البيئتين.
يضيف
"دياب" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": إن التوسعات التي
شهدتها قناة السويس في عام 2015 أدت إلى زوال الحاجز الطبيعي الذي نشأ عن الاختلاف
في الملوحة، ومن ثم أصبح من اليسير على الأنواع الانتقال من البحر الأحمر إلى
المتوسط.
ويتابع:
تُعد السمكة النفاخة من الأنواع الدخيلة الغريبة التي دخلت إلى الجزء الجنوبي من
سواحل حوض المتوسط، وهي من الأسماك اللاحمة التي تعيش على افتراس عدد كبير من
الأنواع البحرية مثل الأخطبوط وصغار الأسماك، وتُعد من الأنواع العدوانية
والقاسية، وهي قادرة على تقطيع شباك الصيد وابتلاع القطع المعدنية.
في المقابل
يهوِّن محمود حنفي -أستاذ البيئة البحرية في جامعة قناة السويس- من تأثيرات توسيع
قناة السويس على انتقال الأنواع بين البحرين الأحمر والمتوسط، مضيفًا في تصريحات لـ"نيتشر
ميدل إيست": الهجرة أمر طبيعي، خاصةً مع تغيُّر المناخ والاحترار العالمي
الذي يتسبب في هجرة الأنواع البحرية من الجنوب إلى الشمال، وبعض الأنواع -مثل
قناديل البحر- مصدرها المحيط الأطلنطي وليس قناة السويس.
الصيد
الجائر
رغم
الإشكاليات المرتبطة بتغير المناخ، وهجرة الأنواع عبر قناة السويس، إلا أن أكبر
التهديدات على النظام البيئي البحري هو الصيد الجائر الذي يستنزف الأنواع إلى درجة
تجعل من الصعب تعويض الفاقد في الأسماك، ويُعد الصيد الجائر في مصر -كما في بلدان
متوسطية أخرى- مشكلةً من الصعب تتبُّع آثارها ومستوياتها.
تقول
"ميريام": هناك العديد من أمثلة الصيد الجائر، مثل الصيد في منطقة لا
يجب الصيد فيها أو استخدام أداة للصيد لا يجب استخدامها، الإفراط في الصيد في
منطقة محددة يعوق الأسماك المتبقية من التكاثر وبالتالي تعويض حصيلة الصيد، فضلًا عن
صيد الأسماك الصغيرة، وحتى إن بعض الأنواع الغازية -المنتقلة من البحر الأحمر
إلى المتوسط- التي تم اكتشافها حديثًا يبدو أنها تتعرض للصيد الجائر.
وتتابع:
أحد مخاطر الصيد الجائر أيضًا هو تهديد سلسلة الغذاء البحرية، بمعنى صيد الأسماك
التي يتغذى عليها نوع آخر من الأسماك، ومن ثم يتعرض المفترس لمخاطر عدم توافر
الغذاء؛ إذ إن صيد "الزريعة" بهدف الاستزراع السمكي من أخطر المشكلات
التي تواجه مصايد البحر المتوسط.
صيد الزريعة
يوضح
"حنفي" أن صيد الزريعة جريمة، مضيفًا: يحدث ذلك في مصر -بالأساس- عند
بواغيز البحيرات الشمالية مثل المنزلة والبرلس، فبعد حدوث عملية التكاثر، تتجه
الأسماك الصغيرة نحو البواغيز لدخول البحيرات التي تتوافر فيها المغذيات الطبيعية،
وتمثل هذه البواغيز أحد أبرز مواقع صيد الزريعة، ويجب تطبيق نظام الصيد
المستدام الذي يراعي سلامة النظام البيئي البحري وتجدُّده، ومواجهة صيد الزريعة،
ووقف مصادر التلوث التي تصب في البحر المتوسط وتتسبب في نفوق الأسماك وتهديد التنوع
الحيوي.
بدورها
ترى "ميريام" ضرورة تنظيم الصيد التجاري ومراقبته، واستخدام أدوات جديدة
لتقدير حجم مخزونات الأسماك في المصايد مثل "أداة تقدير المخزون"،
بالإضافة إلى مراقبة كمية الأسماك التي يتم صيدها، وتسهيل عمليات اتخاذ القرار
بهذا الشأن.
وتقول:
يجب منع الصيد بطريقة الجر القاعي؛ لخطورته على الثروة السمكية
والتنوع الحيوي في البحر المتوسط، ويُقصد بالجر القاعي الصيد بشباك يتراوح طولها
بين 70 مترًا و200 متر، وتتسم فتحاتها بالضيق الشديد، لدرجة أنها تبتلع كل ما يقع
في طريقها من كائنات وأسماك.
تواصل معنا: