الروبوت الجديد رباعي الأرجل وقادر على أداء حركات متعددة.. ويمكنه القفز 60 سم في الهواء بما يقارب 20 ضِعفًا من طول جسمه
محمد منصور
في عالم الروبوتات، كانت الكائنات
الصغيرة مثل الحشرات مصدرًا للإلهام؛ إذ لدى هذه المخلوقات الصغيرة مآثر مذهلة من
القوة والتحمل بالنسبة لحجمها، ولطالما أثارت فكرة إنشاء روبوتات بحجم الحشرة
اهتمام العلماء والمهندسين.
ومع ذلك، فإن تقليص حجم الروبوتات
إلى حجم الحشرات يمثل مجموعةً فريدةً من التحديات تتعلق في المقام الأول بالقيود
المفروضة على تقنيات المحركات الدقيقة، أما الآن فقد ظهر تطور رائد يمكن أن يغير
اللعبة بالكامل.
ووفق دراسة
نشرتها دورية "ساينس" (Science)،
قام فريق من المهندسين الميكانيكيين في جامعة كورنيل الأمريكية بتصميم وبناء روبوت
صغير يعمل بمحرك احتراق يُشبه ذلك المستخدم في السيارات.
على مدى العقود العديدة الماضية، قام
علماء الروبوتات بتصميم وبناء روبوتات أصغر حجمًا؛ بهدف إيجاد تصميم يمكن استخدامه
لمجموعة متنوعة من الأغراض الفريدة، وتم تشغيل معظم الروبوتات تقريبًا بواسطة
البطاريات.
ولكن مع استمرار تقلص حجم هذه
الروبوتات، يصبح من الصعب على نحوٍ متزايد تزويدها بالطاقة باستخدام تكنولوجيا
البطاريات، وفي هذا الجهد الجديد، لجأ الباحثون إلى تقنية قديمة حلًّا لتلك
المشكلة من خلال استخدام محرك الاحتراق الداخلي.
يستغل محرك الاحتراق الداخلي قوة
الانفجار المتحكم فيه ويوظفه لدفع جزء متحرك، مثل المكبس في محرك السيارة، وتخلق الانفجارات
المتكررة قوةً مستمرةً تتيح للسيارة التحرك على الطريق، وفي هذا البحث الجديد، وجد
فريق البحث طريقةً لصنع محرك احتراق صغير باستخدام بخار الميثان والأكسجين بدلًا من
البنزين، واستخدمه لتشغيل روبوت صغير.
يقول "روبرت شيفرد" -الباحث
في كلية سيبلي للهندسة الميكانيكية وهندسة الفضاء الجوي بجامعة كورنيل الأمريكية،
والمؤلف الرئيسي للدراسة- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": صنعنا في
السابق محركات مطاطية يمكنها احتمال عمليات الاحتراق دون أن تتمزق، ويمكن تصنيع
هذه المحركات المطاطية بكل بساطة، لذلك قررنا تجربتها على نطاق أصغر.
ويضيف: يُمكن أن يحل تقليص المحركات مشكلة
الآلات التي تحتاج إلى طاقة عالية على نطاقات صغيرة، وفي الوقت الحاضر، فإن التغليف
المستخدم للبطاريات يجعل من الصعب تصغيرها، ولكن هناك بعض التطورات الجيدة التي قد
تجعل ذلك ممكنًا في المستقبل، أما في الوقت الحالي، فإن نظام الطاقة لدينا يتيح للروبوتات
الصغيرة أن تكون أسرع وأقوى من أي وقت مضى.
لإنشاء هذه المحركات المصغرة، انطلق
الباحثون في رحلة بدأت ببناء غرفة احتراق صغيرة مزودة بعامل إشعال قادر على إحداث
انفجار، وكانت النتائج مذهلة؛ إذ تشبه حركة المكبس في الجزء العلوي من الحجرة
الطريقة التي يعمل بها مكبس المحرك، والأمر اللافت للنظر هو أن هذا المكبس الصغير
يمكن أن يمارس قوة مذهلة تبلغ 9.5 نيوتن.
لكن الابتكار لم يتوقف عند هذا الحد؛
إذ صمم الباحثون أيضًا مضخةً تعمل بسلاسة
مع جهاز الإشعال، وسمح هذا الإعداد المبتكر للمكبس بتنفيذ حركات سريعة، والتحرك إلى
أعلى وإلى أسفل بمعدل مذهل 100 مرة في الثانية، وكانت النتيجة محركًا دقيقًا يتمتع
بأداء لا مثيل له في عالم الروبوتات صغيرة الحجم.
بناءً على نجاحهم مع محركات الاحتراق
الصغيرة هذه، قرر الباحثون الارتقاء بابتكارهم إلى المستوى التالي؛ إذ قاموا
بتكرار تصميم المحرك وإنشاء محرك مماثل ثانٍ، ونجح المحرك المجمع الجديد في تشغيل
أقدام وأرجل روبوت صغير على شكل حشرة.
والروبوت الجديد رباعي الأرجل وقادر
على أداء حركات متعددة ويمكنه القفز 60 سم في الهواء، أو ما يقرب من 20 ضِعف طول
جسمه.
والمحرك الجديد مصنوع من بوليمرات
ذات درجة حرارة عالية يمكن طباعتها بتقنية ثلاثية الأبعاد، كما لُصقت عليها من
الخارج أغشية رقيقة من السيليكون، وعند الضغط السريع الناجم عن الغاز الساخن،
تتمدد الأغشية وتضغط أقدام الحشرة على الأرض، مما يؤدي إلى إطلاقها في الهواء.
كما يتيح تصميم المحرك أيضًا درجة
عالية من التحكم، ومن خلال إدارة المقبض بشكل أساسي، يمكن للمشغل ضبط سرعة الإشعال
وتكراره، أو تغيير تغذية الوقود في الوقت الفعلي، مما يؤدي إلى إطلاق نطاق
ديناميكي من الاستجابات.
يقول "شيبرد": يمكن
استخدام كميات تقدر بـ"ميكرو لترات" صغيرة من الغازات القابلة للاحتراق
في انفجارات صغيرة الحجم في المحركات المطاطية البسيطة، ويمكن لهذه الحركات القوية
أن تقود الآلات الصغيرة بسرعة، وتسمح لها بحمل أحمال أكبر بكثير من وزنها.
يتصور الباحثون ربط مزيد من المحركات
معًا في صفائف متوازية حتى يتمكنوا من إنتاج مفاصل دقيقة جدًّا وقوية جدًّا على
النطاق الكلي، ويخطط الفريق أيضًا لمواصلة العمل على إنشاء نسخ إضافية، لكن تحقيق
هذا الهدف سيحتاج إلى التحول من الوقود الغازي إلى الوقود السائل الذي يمكن
للروبوت حمله على متنه، إلى جانب إلكترونيات أصغر.
ويُمكن استخدام ذلك النوع من
الروبوتات في البحث والإنقاذ، والاستكشاف، والرصد البيئي، والمراقبة، والملاحة في
البيئات القاسية.
ويرى "شيبرد" أن مستقبل
هذا الابتكار ليس بالضرورة في تصميم الروبوتات التي تُشبه الحشرات، مضيفًا: لقد
أنشأنا محركًا صغيرًا وقويًّا يسهل تصنيعه، وتوسيع نطاق هذه المحركات سيسمح بتشغيل
قوة عالية وسرعة عالية قد تُمكِّن الروبوتات الكبيرة من الجري والقفز.
تواصل معنا: