ثمة مركَّب أيضي، يُسمى Lac-Phe، يرتبط بشعور الحرقة في العضلات الذي تحفزه ممارسة الرياضة. وها قد ثبت أن هذا الجزيء يقلل تناولَ الطعام بعد بذل الفئران وخيول السباق والبشر جهدًا بدنيًا، كما يؤدي إلى إنقاص الفئران البدينة وزنها.
تاهانبي كيم، وسكوت إم. ستيرنسون
يمكن أن تعزز جلساتُ التمارينِ الرياضيةِ الطويلةُ فقدانَ الوزن، شريطة ألا يُعوَّضَ استهلاكُ الطاقةِ بتناول الطعام في وقتٍ لاحق. وفي دراسة نُشرت على صفحات دورية Nature في يونيو 2022، تتناول الباحثة فيرونيكا لي وزملاؤها1 عن منتجٍ أيضي يُطْلَقُ أثناء أداء التمارين الرياضية، فيثبّط الشهيةَ لدى الفئران. تمهد النتائجُ التي توصل إليها المؤلفون طريقًا لفهمٍ أفضل للنتائج الفسيولوجية لأداء التمارين الرياضية.
اتَّبعت لي وفريقها استراتيجيةً تُعْرَف باسم المقاربة الأيضية غير المتحيزة لتحديد الجزيئات التي تزداد في الدوران الدموي بعد التمارين الكثيفة، سواءٌ لدى الفئران أو خيول السباق أو البشر. اكتشفَتْ الباحثون أن مركَّبًا بعينه من المركبات الأيضية، هو المركَّب Lac-Phe، قد زاد زيادةً كبيرة في كل نوع، وهذا يتوافق مع دراسةٍ سابقةٍ أُجريَتْ على البشر2. المركب Lac-Phe ناجمٌ عن ارتباط اللاكتات بالفينيل آلانين: الأول هو منتجٌ أيضي ثانوي للتمرين الشاق، وهو المسؤول عن الإحساس بالحرقة في العضلات المُجْهَدَة إجهادًا كبيرًا، أما الأخير فهو حمضٌ أميني أساسي.
فحَصَتْ المجموعة البحثية تأثيرات Lac-Phe الأيضية والسلوكية لدى الفئران التي خضعت لحمية غذائية غنية بالدهون. حقنوا الفئران التي أصبحت بدينةً بعد إخضاعها للحمية الغذائية (DIO) بجرعاتٍ من Lac-Phe أعلى من الجرعات الفسيولوجية، مما ثبّط تناولها الطعامَ لمدة 12 ساعةً على الأقل. أثبتت لي ورفاقها أنّ إعطاءَ الفئرانِ التي بدت بدينةً بعد إخضاعها لهذه الحمية الغذائية لعشرة أيامٍ أدى إلى انخفاض مقدار ما تتناوله يوميًّا من الغذاء، ومن ثم انخفاض وزنِ الجسم. ومردُّ ذلك، بصفةٍ أساسية، إلى انخفاض كمية الأنسجة الدهنية. في المقابل، لم يؤثر أيٌّ من اللاكتات أو فينيل الألانين منفردَين في الشهية، ولم يُغيّر إعطاء Lac-Phe سلوكَ التغذية لدى الفئران النحيلة الموضوعة على حمية غذائية منخفضة الدهون. توضح هذه النتائج أن زيادة Lac-Phe في الدوران الدموي تثبّط التغذية في الفئران التي جُعِلَتْ بدينةً بوضعها على نظامٍ غذائي غني بالدهون.
أكدت لي وزملاؤها نتيجةً سابقةً2 تشير إلى أنّ Lac-Phe يَنْتُجُ عن الإنزيم Carnosine dipeptidase 2 (CNDP2)؛ فقد أثبتوا أنّ إنتاج Lac-Phe بواسطة CNDP2 يعتمدُ على توفّر اللاكتات، وهو ما يتوافق مع حقيقةٍ مفادها أن المركب الأيضي ينتج عن أداء التمارين الرياضية. ولاحظ الباحثون أن الفئران التي جُعِلَتْ بدينةً باستخدام النظام الغذائي، وعُدّلَتْ جينيًا لتكون منقوصةً من CNDP2 لم تُنظّم بالزيادة إنتاج Lac-Phe استجابةً للتمرين. كما لاحظوا أن الحيواناتِ الطافرةَ قليلةَ النشاط لم تَظهر عليها أي فروقٍ ذات دلالةٍ إحصائيةٍ مهمةٍ في استهلاك الطعام ووزن الجسم مقارنةً بالمجموعة الضابطة. وفي هذا إشارة إلى أنّه لا حاجة إلى CNDP2 فيما يتعلّق بطاقة الصيانة الأساسية.
أخيرًا، درست لي وفريقها تأثير التمارين الرياضية في وزن الجسم لدى الفئران التي أُطْعِمَتْ غذاءً غنيًا بالدهون ووضِعَتْ في الوقت نفسه على نظامٍ يومي للتمارين الرياضية. حافظت حيوانات المجموعة الضابطة التي خضعت لهذا النظام على وزنٍ ثابتٍ. أما الفئران المنقوصة من CNDP2 فأظهرَت زيادةً في الشهية والوزن، لأنها أكلَت أكثر لتلبي زيادة استهلاكها للطاقة، ولأنها كانت تتغذى على نظامٍ غذائي يعزز البدانة. استنتج العلماء من ذلك أن إنتاج Lac-Phe بوساطة CNDP2 هو عمليةٌ تعتمد على التمرين وتحفّز فقدان الوزن لدى الفئران التي تتغذى على طعامٍ غني بالدهون (انظر الشكل 1).
مُفاد هذه النتائج أن ثمة صلةً بين إنتاج Lac-Phe وتثبيط الشهية وفقدان دهون الجسم. ومع ذلك، لم يُكْتَشَفْ المسار الفسيولوجي الذي يعمل Lac-Phe بواسطته. وذكرت لي وزملاؤها أنّ CNDP2 يُعبَّرُ عنه في عدة أنواعٍ من الخلايا في الفئران، وتوجد مستوياتٌ عاليةٌ منه بصورةٍ خاصةٍ في الخلايا الظهارية التي تبطن أعضاء الجسم وفي الخلايا المناعية. وهناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من البحث لتحديد ما إذا كانت هذه الأنواع من الخلايا أو غيرها مسؤولةً عن التخليق الحيوي لحزيء Lac-Phe المُحَرَّض بالتمرين.
ومما يثير الاهتمام أن جزيء Lac-Phe يثبط تناول الطعام لمدة 12 ساعة؛ ذلك لأنّ هذا المركب الأيضي يجول في الدم مدةً تقلُّ عن ساعةٍ واحدة بعد التمرين. وهذا يشير إلى أنّ لجزيء Lac-Phe تأثيراتٍ طويلة المدى في مسارات الإشارات التي تعدّل سلوك التغذية. لا يزال يتعين علينا تحديد البروتين المُسْتَقْبِل لجزيء Lac-Phe وأنواع الخلايا التي يُعَبَّر فيها عن هذا المُسْتَقْبِل.
ومن الأمور الجديرة بالنظر، التفاعل المحتمل لجزيء Lac-Phe، سواءٌ أكان تفاعلًا مباشرًا أم غير مباشرٍ، مع العصبونات التي تتحكم في سلوكيات الطعام. تؤثر الدارات العصبية في الشهية بواسطة ثلاث عملياتٍ متميزةٍ على الأقل3: نظام استشعار الطاقة الذي يصون وظائفَ الجسم الطبيعية؛ وداراتُ الشبع شديدة الحساسية للضغوط الفسيولوجية؛ ومسارات الشهية التي توجهها المكافأة. وربما كان تعديل أيّ من هذه المسارات متسقًا مع البيانات المذكورة. وإذا كان جزيء Lac-Phe يثبط الشهية بصورةٍ انتقائيةٍ لدى الفئران التي تُخضَع لنظامٍ غذائي غني بالدهون، فإن ذلك يمكن أن يترك بصمته على تناول الطعام الذي توجهه المتعة، لكنّ هذا لا يزال قيد الدرس.
على أن جزيء Lac-Phe ليس الجزيء الوحيد الناتج عن التمرين الذي يثبّط الشهية. فعامل تمايُز النمو 15 والببتيد تيروزين-تيروزين والببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 جميعها تثبِّط تناول الطعام، ويرتفع منسوبها في الجسم البشري بعد بذل جهدٍ4-6. ولهذه الجزيئات وظائف أيضيةٌ أخرى، إذ تؤثر في صرف الطاقة وحساسية الإنسولين ومستويات السكر في الدم. وقد أدى تعاطي الفئران جزيء Lac-Phe على الدوام إلى تحسين عملية نقل الجلوكوز من الدم إلى الأنسجة لدى الفئران التي أخُضعَت لنظام غذائي أفضى بها إلى البدانة، إلا أنّ لي وفريقها يعتقدون أنّ هذا كان نتيجةً غير مباشرةٍ لفقدان الوزن. ومن هنا فسوف ينصرف اهتمام العلماء إلى تقييم ما إذا كان جزيء Lac-Phe ذا تأثيرٍ مباشرٍ في امتصاص الأنسجة للجلوكوز؛ وهو الأمر الذي من شأنه أن يدلَّ على وجود أدوارٍ أخرى للمركب الأيضي، بخلاف تثبيط الشهية، مثل المشاركة المحتملة في استخدام المغذيات أثناء التمرين.
أظهرت بعض الدراسات الإكلينيكية أن هذا الجزيء يُثبِّط شهية الرجال، لكن الأدلة التي تدعم هذه الظاهرة لدى النساء قليلة6-9. والحق أن لي وفريقها قصروا دراستهم على ذكور الفئران دون الإناث، ولذا يُنتظر من الأبحاث المستقبلية دراسة تأثير جزيء Lac-Phe في الإناث. وبصورةٍ عامةٍ، سيكون من المهم أيضًا فحص علاقة مستويات جزيء Lac-Phe في بلازما الدم أثناء التمرين بتثبيط الشهية وبفقدانِ الوزن. هل يمكن أن تؤثر مستويات هذا الجزيء في البلازما في مدى فعالية التمارين الرياضية في تعزيز فقدان الوزن؟
غنيٌّ عن البيان أن الدور التكيفي التطوري لتثبيط الشهية المحفَّز بممارسة الرياضة من الأمور التي تلقى اهتمامًا واسعًا. يذهب أحد التفسيرات إلى أن الجهد الشاق الذي درسته لي بمعاونة زملائها هو من النوع الذي يشير إلى وجود ضغوطٍ تهدد البقاء الآني على قيد الحياة، فيترتب على ذلك تراجُع أهمية الحصول على الطاقة، لأنها ضروريةٌ فقط للبقاء على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، من الأفضل ألا ينشغل الشخص بالجوع عن محاولة الهرب من حيوان مفترس.
يمثل اكتشاف لي وزملائها نقطة انطلاقٍ نحو استكشاف المسارات الجزيئية لفقدان الوزن المُحفَّز بالتمارين الرياضية لدى الفئران البدينة. إضافةً إلى ذلك، إذا ثَبَتَ وجود دورٍ لإشارات جزيء Lac-Phe في تنظيم الشهية ووزن الجسم لدى البشر، فمعنى ذلك أن زيادة مستويات هذا الجزيء في بلازما الدم إثر أداء الرجال تمارين رياضية سوف تدل على إمكانية تحسين القدرة على تعامل الأشخاص مع مشكلة الوزن الزائد. لكن تجدر الإشارة إلى أن العديد من العوامل – منها الأكل بدافع المشاركة الاجتماعية، وسهولة الحصول على الأطعمة الشهيّة ذات السعرات الحرارية العالية، يمكن أن تُبْطِلَ فعالية أي إجراء منفرد. وفي النهاية، فإن اتباع استراتيجيات متعددة الجوانب، تجمع بين إجراءات مختلفة، هو على الأرجح أفضل طريق لعلاج البدانة، بغض النظر عمّا إذا كانت نتائج هذه الدراسة تنسحبُ على البشر، أم لا.
تاهانبي كيم وسكوت إم. ستيرنسون هما من معهد هوارد هيوز الطبي، قسم علوم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، لا جولا، كاليفورنيا 92093، الولايات المتحدة الأمريكية. البريد الإلكتروني: ssternson@health.ucsd.edu
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.218
1. Li, V. L. et al. Nature 606, 785–790 (2022).
2. Jansen, R. S. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 112, 6601–6606 (2015).
3. Sternson, S. M. & Eiselt, A. K. Annu. Rev. Physiol. 79, 401–423 (2017).
4. Kleinert, M. et al. Mol. Metab. 9, 187–191 (2018).
5. Stensel, D. Ann. Nutr. Metab. 57 (Suppl. 2), 36–42 (2010).
6. Howe, S. M., Hand, T. M. & Manore, M. Nutrients 6, 4935–4960 (2014).
7. Pomerleau, M., Imbeault, P., Parker, T. & Doucet, E. Am. J. Clin. Nutr. 80, 1230–1236 (2004).
8. Hagobian, T. A. et al. Exerc. Sport Sci. Rev. 38, 25–30 (2010).
9. Douglas, J. A. et al. Int. J. Obes. 41, 1737–1744 (2017).
تواصل معنا: