أخبار

"حفريات معرفية" تكشف سمات النفس البشرية

نشرت بتاريخ 10 نوفمبر 2023

يمكن الاستفادة بالقطع الفنية لتتبُّع التغيرات النفسية عبر التاريخ

محمد منصور

يمكن تفسير القطع الأثرية الثقافية من الماضي على أنها حفريات معرفية
يمكن تفسير القطع الأثرية الثقافية من الماضي على أنها حفريات معرفية
Trends in Cognitive Sciences/Baumard et al Enlarge image
تختلف السمات النفسية من شخصٍ إلى آخر، ومن مجموعة سكانية إلى أخرى، وقد قام علماء النفس منذ فترة طويلة بقياس هذه الاختلافات باستخدام استبانات ومقاييس وملحوظات موحدة للسلوك الفردي، ولكن ماذا عن الماضي؟

 

تقول دراسة جديدة إن معرفة تفضيلات وسمات الأشخاص الذين عاشوا في الماضي البعيد ممكنة.

 

فقد سلط علماء النفس -في دراسة منشورة في دورية "تريندز إن كوجنتيف ساينسز" (Trends in Cognitive Sciences)- الضوء على حقيقة أن القطع الأثرية الثقافية -كالكتب والأفلام والملابس والصور- تعكس جزئيًّا التفضيلات الفردية.

 

فعلى سبيل المثال، يميل الأفراد الفضوليون إلى تفضيل الكتب والأفلام التي تحتوي على عوالم خيالية يمكنهم استكشافها، أما الأفراد الذين يعُدُّون الحب بُعدًا أساسيًّا للحياة فيقضون وقتًا أطول في قراءة ومشاهدة الكتب والأفلام الكوميدية الرومانسية.

 

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة "نيكولاس بومارد"، وهو باحث في جامعة باريس للعلوم والآداب: "إن التحف الثقافية تعكس جزئيًّا السمات النفسية للأفراد الذين أنتجوها أو استهلكوها".

 

يضيف "بومارد" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يمكن تفسير القطع الأثرية الثقافية من الماضي على أنها حفريات معرفية؛ إذ إنها تمثل البصمات المعرفية للسمات النفسية التي تخص أشخاصًا لم يعودوا موجودين، ويمكن الاستفادة منها لتتبُّع التغيرات النفسية البعيدة عبر التاريخ.

 

يقول "بومارد": يسهل التنقيب في النصوص التاريخية لقياس المشاعر والسمات الشخصية، وتتيح خوارزميات اكتشاف الوجه الاستخراج الآلي للتعبيرات العاطفية من الرسومات، كما يتيح الاستخراج التلقائي للمعلومات اللحنية من المقطوعات الموسيقية والتسجيلات الصوتية قياس المحتوى العاطفي للأغاني.

 

في تلك الدراسة، دمج الباحثون التكنولوجيا المتطورة ومجموعات البيانات الثقافية الرقمية لزيادة القدرة على تحديد الأبعاد النفسية المختلفة وتوصيفها عبر فترات تاريخية مختلفة، وتعرفوا على الخصائص النفسية لمجتمعات عاشت في إنجلترا وفرنسا قبل مئات السنوات.

 

تخبرنا اللوحات المرسومة لسكان ذلك الزمن كثيرًا عن تفضيلات السكان، فالصورة الشخصية -مثل الصورة الفوتوغرافية أو السيلفي اليوم- تتيح للمرء التحكم في الانطباع الذي يريد أن يعطيه للآخرين، ومن خلالها يمكن لأي شخص أن يختار أن يبدو شابًّا أو كبيرًا في السن، أو أن يكون طبيعيًّا أو أن يُخفي الخصائص الجسدية مثل الندبات.

 

يقول "بومارد": تكشف الصور المرسومة الطريقة التي يريد أن يُنظر بها إلى الشخص الذي طلب الصورة، خذ على سبيل المثال الصورة الشهيرة لهنري الثامن التي رسمها فنان عصر النهضة الألماني هولباين، والتي يُصور فيها هنري الثامن في موقف مسيطر، ينضح بالسلطة الملكية والثقة، مع الملابس الفخمة والأقمشة الفاخرة، مما يدل على مكانته كحاكم قوي.

 

إذ ما قارنَّا نوع الصور التي يُفضلها الحكام بصور العصر الحالي، فسيظهر أمامنا نقيضًا، ففي عام 2023، سيكون من غير المتصور أن يقف تشارلز الثالث -الملك الحالي للمملكة المتحدة- بطريقة تؤكد على الهيمنة الجسدية أو الرفاهية، وبدلًا من ذلك، تم تصوير تشارلز الثالث بشكل عام على أنه مبتسم وغير مسيطر، وبالتالي فإن صور تشارلز الثالث وهنري الثامن تخبرنا بشكل غير مباشر شيئًا عن درجة الهيمنة والاستبداد التي اعتبرها رعاياهم مقبولة.

 

يفتح استخدام التكنولوجيا في تحليل الصور والقطع التاريخية طريقةً جديدةً لتفسير التغيرات في التاريخ، فعلى سبيل المثال، أظهرت التطورات الحديثة أن الظروف المادية تتنبأ بتفضيلات الناس، فعندما تكون الظروف المعيشية أفضل، تميل تفضيلات الناس إلى أن تصبح أكثر توجُّهًا نحو المستقبل، مع مستويات أعلى من الترابُط الزوجي، والاستثمار الأبوي، والاستكشاف، والثقة الاجتماعية تجاه غير الأقارب، وفق "بومارد".

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.234