يمثل العرب 5% من سكان العالم.. ويتحملون عبئًا كبيرًا من أمراض القلب والأوعية الدموية
محمد السيد علي
منذ
صدور المسوَّدة الأولى لمشروع الجينوم البشري في 2003، تَسارع تطوير التقنيات التي
تسمح بتحليل الجينوم؛ لكشف المزيد عن المتغيرات الجينية المُرتبطة بالأمراض وفي
مقدمتها أمراض القلب، بهدف تطوير طرق جديدة للتشخيص والعلاج.
لكن
نتائج هذه الأبحاث التي يُطلق عليها اسم "دراسات الارتباط على مستوى
الجينوم" (GWAS) تعاني من القصور، وخاصةً عند نقل نتائجها إلى سكان مختلفين أو
مجموعات غير ممثلة، نظرًا لنقص التنوع، واعتماد معظمها على مجموعات من أصول
أوروبية.
وتبحث
تلك الدراسات عن ارتباطات بين أجزاء من الجينوم وأمراض أو خصائص معينة، بحثًا عن
اختلافات جينية شائعة بين المصابين بالمرض والأصحاء.
إحصائيًّا،
أُجريت غالبية تلك الدراسات على سكان أوروبا (52.2٪) وآسيا (20.68٪)، وعلى مستوى
التنوع العرقي للمُدرَجين في الدراسات، فقد كان 78٪ منهم أوروبيين، و10٪ آسيويين،
و2٪ أفارقة، و1٪ من أصول إسبانية، في حين تمثل جميع الأعراق الأخرى أقل من 1%، وفق
دراسة سابقة.
معالجة
القصور
في
محاولة لمعالجة هذا القصور، أعلن باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية
"كاوست"، ومستشفى الملك فيصل التخصصي، بالتعاون مع باحثين بأمريكا
وكوريا الجنوبية، عن تطوير طريقة جديدة تستخدم بيانات "دراسات الارتباط على
مستوى الجينوم" والأدوات الحاسوبية، للتنبؤ بخطر الإصابة بأمراض القلب بدقة
كبيرة بناءً على المعلومات الوراثية.
وأوضح الباحثون
في دراسة نشرتها دورية "نيتشر
كوميونيكيشنز" أنهم طبقوا الطريقة على مجموعات
عربية، لكن سيكون من السهل توسيع نطاقها لتشمل مجموعاتٍ عرقيةً أخرى.
يقول هيرويوكي كوهارا، عالِم
الأبحاث بمركز أبحاث العلوم البيولوجية الحاسوبية بجامعة الملك عبد الله للعلوم
والتقنية، والمشارك في الدراسة: "انتهينا إلى نتيجتين رئيسيتين، أُولاهما تطوير
إطار جديد يستفيد من بيانات دراسات الارتباط على مستوى
الجينوم المتاحة للعامة لبناء إستراتيجية جديدة تعزز دقة التنبؤ بالأمراض عبر
دراسة مجموعات سكانية جديدة".
يضيف
"كوهارا" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": بالنسبة للنتيجة الأخرى،
وجدنا أن دقة نماذج التنبؤ بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى العرب -الذين لا
يُمثَّلون بصورة كافية ببيانات دراسات الارتباط على مستوى الجينوم العالمية- زادت
باستخدام إطارنا الجديد.
العرب
ودراسات الجينوم
يمثل
العرب 5% من سكان العالم، ويتحملون عبئًا كبيرًا من أمراض القلب والأوعية الدموية،
إلا أن الفائدة السريرية لدراسات دراسات الارتباط على مستوى الجينوم لا تزال غير
مدروسة بالنسبة للعرب.
وتعود
أهمية إجراء تلك الدراسات على العرب إلى سببين: أولهما أنهم يمثلون مجموعة عرقية
كبيرة ومتنوعة، تسكن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والآخر معاناتهم من عبء
كبير لأمراض القلب والسكري والسمنة.
راقب
الفريق مجموعةً تمثل 28 قبيلة من العرب الأصليين من السعودية تبلغ 5399 مريضًا
يتلقون العلاج من أمراض القلب بأنحاء مناطق المملكة، بالإضافة إلى 1017 مشاركًا آخرين
كمجموعة مرجعية.
واستفاد
الباحثون من بيانات دراسات الارتباط على مستوى الجينوم الحديثة والأساليب الحسابية
الجديدة لتحسين النتائج الجينية لأمراض القلب، عبر رصد الأنماط الجينية لـ10 سمات
رئيسية لاستقلاب القلب هي مرض الشريان التاجي، والسكري من النوع الثاني، واعتلال
عضلة القلب، ومستوى كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة، وكوليسترول البروتين
الدهني عالي الكثافة، والدهون الثلاثية، وضغط الدم الانقباضي، وضغط الدم
الانبساطي، ومؤشر كتلة الجسم، والطول.
أربع خطوات
طور
الباحثون إطار عمل مكونًا من أربع خطوات، هي: استخلاص درجات المخاطر المتعددة،
وتقسيم السكان إلى مجموعات تدريب وتحقق من الصحة، وتحديد النسب المئوية للمخاطر
الجينية بناءً على مجموعة سكانية مرجعية، وتحديد الأفراد المتطابقين مع الأجداد في
البنوك الحيوية الكبيرة الأخرى.
يقول
أحمد بنداري، أستاذ أمراض القلب والأوعية الدموية المساعد بكلية الطب بجامعة بنها
في مصر: نجحت الدراسة في تحسين تقييمات الجينات المتعددة للعرب الأصليين للعديد من
سمات استقلاب القلب، وتُظهر هذه الدرجات المحسَّنة تحسُّنًا كبيرًا في الأداء
مقارنةً بالتقييمات المشتقة من أوروبا، وهو إنجاز كبير نظرًا لغياب بيانات
الدراسات الجينومية الواسعة والكبيرة للعرب.
وأضاف
"بنداري" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تقدم نتائج الدراسة
رؤى قيِّمة حول تطوير وتطبيق التقييمات متعددة الجينات لأمراض القلب لدى السكان
العرب الأصليين، وهو أمر ضروري لتحديد الأفراد الأكثر تعرضًا للخطر وإرشاد إستراتيجيات
الرعاية الصحية الشخصية، لكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد صحة هذه النتائج
واستكشاف آثارها الأوسع على الرعاية في مجموعات سكانية متنوعة.
آثار
محددة
ووفق
"كوهارا"، أثبت النهج الجديد أن نتيجة الوراثة متعددة الجينات كانت
مستقلة عن عوامل الخطر التقليدية لمرض الشريان التاجي، وهذا يعني أن فائدتها لا
تقتصر على تقييم صافي خطر الإصابة بمرض الشريان التاجي فقط، بل تساعد أيضًا في
تحديد الأفراد الذين سيطورون شكلًا حادًّا من مرض الشريان التاجي في المستقبل.
وأضاف:
على عكس عوامل الخطر التقليدية لأمراض القلب، التي تعتمد إلى حدٍّ كبير على العمر
ونمط الحياة، يظل الخطر الجيني كما هو منذ يوم ولادتك، وبالتالي يمكن تحديد الأفراد
المعرضين لخطر كبير للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في وقت مبكر من الحياة،
وقبل أن تظهر عليهم أي أعراض.
ويأمل
الباحثون أن يساعد ذلك على التوصل إلى إستراتيجيات تدخُّل شخصية للمرضى يمكن أن
تقلل من خطر الإصابة بالمرض من خلال تغيير أنماط حياتهم.
من جهتها،
تؤكد إنجي عاصم أشعت -أستاذ الوراثة الإكلينيكية المساعد بالمركز القومي للبحوث في
مصر- أن التشخيص الوراثي المبكر للمرض والتدخل المبكر بالعلاج المناسب من أهم
الوسائل لتقليل نسب الإصابة بأمراض القلب.
تضيف
"عاصم" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": النهج الذي طوره
الباحثون يمكن أن يساعد على التوصل إلى نتائج أكثر دقةً فيما يتعلق بالتشخيص
المبكر لأمراض القلب الوراثية لدى العرب، وفي مقدمتها أمراض الشرايين التاجية التي
تؤدي إلى الموت المفاجئ للشباب نتيجة السكتة القلبية، بالإضافة إلى تضخم عضلة
القلب.
وتتابع:
هذا النهج يساعد الأطباء على وضع إستراتيجية تدخُّل مبكرة للوقاية تعتمد على
ممارسة الرياضة والتحكم في الوزن، واتباع نظام غذائي صحي، بالإضافة إلى الشق الطبي
المتمثل في تناول بعض الأدوية وإجراء التحاليل الطبية الدورية للحد من مخاطر تلك
الأمراض.
تواصل معنا: