CC BY-SA 4.0
Enlarge image
كشفت
دراسة
حديثة نُشرت في دورية "نيتشر" عن الديناميكيات البيئية والفيروسية وراء
النشاط العالمي المكثف لنوع فرعي من أنفلونزا الطيور شديدة الإمراض المعروفة باسم H5N1.
وتشير الدراسة إلى أن الفرع الجديد من أنفلونزا الطيور -الذي يُسبب
وفيات جماعية للطيور حول العالم والمعروف باسم H5N1
2.3.4.4b - تطور في مصر، وصرح الدكتور "رابح
الشيشيني" -المؤلف المشارك في الدراسة والباحث في علوم الفيروسات بالمركز
القومي للبحوث في مصر- بأن ذلك حدث لأسباب عدة، من ضمنها عدم وجود لقاحات فعالة
لأنواع أنفلونزا الطيور المنتشرة.
فمنذ حوالي عامين، اشتدت حدة فيروس أنفلونزا الطيور شديد الإمراض على
مستوى العالم، مما تسبب في وفيات جماعية للطيور البرية والدواجن، إلى جانب حالات
العدوى العرضية في الثدييات، ومع ذلك، فإن العوامل البيئية والفيروسية المحددة
التي توجه إستراتيجيات التخفيف المستقبلية لا تزال غير واضحة.
من خلال استخدام التقنيات الجينومية،
كشف البحث الجديد عن تحولات في أصول عودة ظهور فيروس H5N1،
كما كشف عن تغييرات جوهرية في بيئة الفيروس وتطوره.
ظهور أنفلونزا الطيور في مصر
تبدأ القصة -كما يقول "الشيشيني" في تصريحاته لـ "نيتشر
ميدل إيست"- في عام 2005، في ذلك العام ظهرت أنفلونزا الطيور في مصر عن طريق
عدوى من الطيور المهاجرة القادمة على ما يبدو من الصين، "كان النوع الفرعي
المصابة به الطيور المصرية هو H5N1 2.2 "،
وأعلنت مصر الوباء في عام 2006، حين "قضى ذلك النوع الشرس على العديد من
المزارع وأصاب نحو 359 إنسانًا".
بدأت مصر في تطعيم الدواجن باللقاحات المضادة لذلك النوع الفرعي من
فيروس أنفلونزا الطيور، لكنه بات -بشكلٍ ما- متوطنًا داخل الأراضي المصرية حتى
العام 2017، حين أصيبت الدواجن والطيور البرية بنوع فرعي آخر من فيروس أنفلونزا
الطيور يُسمى H5N8،
يقول "الشيشيني": إن ذلك النوع ظل متوطنًا في مصر "حتى عام
2021".
ومنذ عام 2021 وحتى الآن، عاد النوع الفرعي
2.3.4.4b H5N1
للظهور مرةً أخرى بكثافة، ليس في مصر فحسب، بل في جميع أنحاء العالم، لكنه عاد
بشكلٍ جديد. كان الغرض الرئيسي من تلك الدراسة هو معرفة أصول عملية
تبادُل الجينات التي أدت إلى ظهور ذلك النوع الجديد، وفق الشيشيني.
تبادل الجينات والسلالات الجديدة
حين يُصاب العائل الواحد بنوعين فرعيين من الفيروسات، يُمكن حدوث
عملية تُعرف باسم تبادل الجينات، تمتزج المادة الوراثية لسلالتين مختلفتين من
الفيروس -غالبًا من النوع نفسه- لتكوين سلالة جديدة تجمع بين خصائص كلا الفيروسين
الأصليين، هذه العملية شائعة في الفيروسات ذات الجينومات المجزأة، مثل فيروس
الأنفلونزا.
تحتوي فيروسات الأنفلونزا على جينوم مجزأ، مما يعني أن مادتها
الوراثية موجودة كأجزاء متعددة ومنفصلة بدلًا من شريط واحد مستمر من المادة
الوراثية، وعندما تصيب سلالتان مختلفتان من فيروسات الأنفلونزا الخلية المضيفة نفسها،
يمكن للجينومات المجزأة أن تختلط وتتبادل المواد الوراثية، يمكن أن يحدث هذا في كلٍّ
من الإنسان والحيوان، خاصةً عندما تنتشر سلالات مختلفة من الفيروس.
وفي أثناء إعادة الترتيب، يمكن أن تتحد أجزاء من سلالة واحدة مع
أجزاء من سلالة أخرى، وينتج عن ذلك سلالات فيروسية جديدة قد تكون لها خصائص متغيرة
ليس لدى البشر أو الحيوانات سوى القليل من المناعة المسبقة ضدها.
وهذا الخلط الجيني يمكن أن يؤدي إلى ظهور نوع فرعي جديد قادر على
التسبب في جائحة عالمية "وإصابة عائل جديد لم يكن ليصيبه ذلك الفيروس على
الإطلاق"، هذا ما حدث بالفعل مع النوع الفرعي الجديد المنتشر حاليًّا حول
العالم، لكن ظلت البؤرة التي انتشر منها
ذلك الفيروس على وجه التحديد مجهولةً للعلماء، حتى كشفت الدراسة الجديدة أن بؤرة
ذلك النوع أفريقيا، وتحديدًا مصر.
تطور الفيروسات ومحاولات احتوائها
يقول "الشيشيني": إن البيانات الجينية للفيروس المنتشر حول
العالم من النوع H5N1
تشير إلى أنه ناجمٌ عن عملية تبادل الجينات بين السلالة الفرعية H5N8
الموجودة في مصر منذ عام 2017 وحتى عام 2021 وسلالات
أنفلونزا الطيور منخفضة الضراوة في الطيور البرية والمنزلية في أثناء الانتشار
العالمي.
وانتقلت السلالة الفرعية -أو الزمرة التصنيفية- لذلك الفيروس عن طريق
الطيور المهاجرة إلى أوروبا ومنها إلى بقية العالم.
يُعد فهم هذه الفروع أمرًا بالغ الأهمية لرصد انتشار الفيروس وتطوره،
وتطوير اللقاحات، ووضع إستراتيجيات لإدارة تفشِّي المرض واحتوائه، وفق قول
"ريتشارد ويبي"، عالِم الفيروسات بمستشفى "سانت جود" والذي
يدرس التفاعلات بين المضيف والفيروسات منذ سنوات طوال.
ويقول "ويبي"، الذي شارك في الدراسة: إن العديد من حالات
تفشي أنفلونزا الطيور تبدأ في الدواجن، لكن انتشار المرض إلى الطيور البرية يؤدي
إلى انتشار المرض إلى مناطق أكبر، مما يخلق تحديًا عالميًّا يصعب إدارته،
"لذلك نحاول على الدوام معرفة أصل الفيروس وبؤرة انتشاره في محاولة لاحتوائه
قبل أن يُسبب ذلك التحدي الذي يصعب مواجهته".
من الصين وكمبوديا وفيتنام إلى أقصى الغرب في أمريكا الشمالية
وأمريكا الجنوبية، ينتشر فيروس H5N1
مُسببًا مراضةً قد تصل إلى حد الجائحة، يقول "الشيشيني": إن الفيروس
أصاب عددًا من البشر في مجموعة من الدول على رأسها إنجلترا، "ينتقل ذلك
الفيروس من الطيور إلى الإنسان بسهولة كبيرة"، يستطرد الشيشيني.
بعد جائحة كورونا.. هل من جائحة أخرى يُسببها فيروس إنفلونزا الطيور؟
يقول "الشيشيني": إنه حتى الآن، ينتقل الفيروس من الطيور
إلى الإنسان المخالط للطيور، "لكن تتخوف المنظمات العالمية أن يتمكن الفيروس
من عمل تكيف مع جسم الإنسان ويُصبح قادرًا على الانتقال من إنسان إلى إنسان.. في
تلك الحالة سيصبح الأمر كارثيًّا".
لا يحتاج فيروس أنفلونزا الطيور المنتشر في العالم حاليًّا إلا إلى عدد
قليل من الطفرات لكي يتمكن من الانتقال من إنسان إلى آخر، يقول
"الشيشيني": إن ذلك الأمر "وارد الحدوث، ويجب الاستعداد له قبل أن
يستيقظ العالم على كارثة جديدة".
doi:10.1038/nmiddleeast.2023.246