يعمل "المعري" أستاذًا مشاركًا في علوم الفضاء والكواكب والأرض بجامعة خليفة.. وإنجازاته في علم المذنبات سبب رئيسي وراء إطلاق اسمه على كويكب "المعري 357148".
هاني زايد
في طفولته، تعلم العالِم المصري
الدكتور محمد رامي المعري من والده الطبيب البشري أن "يدرس ما يحب"،
وعلمته والدته تحمُّل تبِعات اختياراته بعيدًا عن أي ضغوط اجتماعية، وأهداه جده
السلسلة الكاملة من مجلة "المعرفة".
طفولة أسهمت بشدة في زيادة شغفه
بالأحجار والصخور والديناصورات، وشقت طريقه باتجاه رسم جدارية علمية ترصد علوم
الفضاء والفيزياء الفلكية والكواكب!
يعمل "المعري" في الوقت الحالي
أستاذًا مشاركًا في قسم علم الكواكب وعلوم الأرض، ومديرًا لمركز علوم الفضاء
والكواكب في جامعة خليفة في أبو ظبي بالإمارات، ويرتكز عمله على استخدام تقنيات
الاستشعار عن بُعد في دراسة أسطح أجسام المجموعة الشمسية والعوامل الجيولوجية
والفيزيائية التي تؤثر فيها.
وكان أحد أعضاء الفرق الاستشارية
المتخصصة التي ساعدت في وضعإستراتيجية وكالة الفضاء الأوروبية
المستقبلية للبعثات خلال الفترة الزمنية 2035-2050.
رحالة علمية
تخرج "المعري" في كلية العلوم
بالقاهرة، وحصل على درجتين للماجستير: الأولى في تكنولوجيا الفضاء من جامعة لوليا
التكنولوجية بالسويد، والثانية في علوم الكواكب والفيزياء الفلكية من جامعة تولوز
الفرنسية.
قبل التحاقه بجامعة خليفة، كان
"المعري" عضو هيئة تدريس في جامعة بيركبيك البريطانية لمدة عامين،
وقبلها عمل باحثًا زائرًا في جامعة كولورادو بولدر الأمريكية، وقضى خمسة أعوام باحثًا
لما بعد الدكتوراة في قسم الفيزياء بجامعة بيرن السويسرية من 2011 إلى 2016.
وفي عام 2011، حصل على الدكتوراة من
جامعة جوتنجن الألمانية لأبحاثه في "معهد ماكس بلانك لأبحاث النظام الشمسي"،
عن دراسة الأنظمةالحرمائية القديمة على المريخ باستخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد.
يقول "المعري" في تصريحات
لـ"نيتشر ميدل إيست": كنت شغوفًا منذ الصغر بعلوم الفضاء والجيولوجيا، بدأ
هذا الشغف بالديناصورات، وامتد إلى علوم الجيولوجيا بصورة عامة.
قناعة شخصية
مثل أي طفل، كانت الصورة الذهنية
لرجل الفضاء مصدر إلهام لـ"المعري" في طفولته، واتخذ قرار الالتحاق
بكلية العلوم خلال دراسته الثانوية في عام 1998؛ إذ كانت هناك فقرة في أحد الكتب
الدراسية العلمية تتحدث عن مزج العلوم المختلفة، مثل الكيمياء البيولوجية
وجيولوجيا الكواكب.
يقول "المعري": اتخذت
قراري بدراسة علم يمزج بين علمين، وبعد ذلك أدركت أنه لا يمكنني التخصص في مجال
جيولوجيا الكواكب دون دراسة المجالات الأساسية مثل الكيمياء والفيزياء
والبيولوجيا.
التحق "المعري" بكلية علوم
القاهرة عن قناعة شخصية، رغم أن مجموعه كان يؤهله للالتحاق بكليات أخرى مثل كلية
الصيدلة، ثم بحث عن برنامج للماجستير والدكتوراة مختص بعلوم الفضاء.
وبعد ثلاث سنوات من البحث، تم قبوله
في برنامج للماجستير في علوم الفضاء في أوروبا يدمج بين دراسة العلوم الهندسية
وتكنولوجيا وعلوم الفضاء والفيزياء الفلكية وعلوم الكواكب.
لم يكن هناك ما يمكن تسميته
بـ"القصة الملهمة" في حياة "المعري"، لكن كان لديه هدف سعى
لتحقيقه لنحو 25 عامًا؛ إذ اعتاد قدر كبير من التسلح بالصبر والمثابرة لتعلُّم معلومة
جديدة كل يوم.
واعتاد "المعري" مراجعة
ذاته وتدريب نفسه على اجتياز المصاعب؛ فقد علمته الرياضة أن "كسب سباق واحد
يحتاج إلى تدريب يمتد لمئات الساعات".
لحظة فارقة
على مدى أكثر من 15 عامًا، أسهَم "المعري" في أكثر من 80 بحثًا
علميًّا، وشارك في العديد من المهمات الفضائية لدراسة المريخ والكويكبات الصغيرة
في المجموعة الشمسية، ومنها مشاركته في مهمة "روزيتا"، التي تعني "رشيد"
باللغة العربية.
يقول "المعري": مثلت مهمة
"روزيتا" لحظة فارقة في تاريخ الاستكشاف الفضائي، وتحديدًا فيما يتعلق
بالمذنبات؛ لأنها كانت أول مهمة تسمح بدراسة المذنبات بدقة كبيرة عن طريق التقاط
صور ذات دقة عالية تسمح بدراسة جيولوجيا المذنبات وليس فقط خصائصها الفلكية.
تضمنت مهمة "روزيتا"
الذهاب إلى مذنب 67/ب تشوري شوريموف-جيرازيمنكو، وتتبُّع رحلته حول الشمس وتحول
الجليد الموجود على سطح المذنب -أو بالقرب منه- من الحالة الصلبة إلى الحالة
الغازية مباشرة، ما يؤدي إلى نشاط المذنب.
يضيف "المعري": المهمة
روزيتا كانت أول مركبة تقترب من هذا المذنب وتعمل على دراسته لأكثر من عامين، وهنا
ظهرت الحاجة إلى متخصصين في الجيولوجيا لدراسة التقلبات والتغيرات الجيولوجية
والمورفولوجية التي قد تطرأ على سطح المذنب وجسمه مع اقترابه من الشمس لأنه كان نشطًا.
ويضيف: كنت أحد الجيولوجيين القلائل
الذي شاركوا في المهمة لتحليل بيانات الصور التي تلتقطها كاميرا أوزوريس لسطح
المذنب، ما أسهم في تطور فهمنا لتطور جيولوجيا المذنبات، وكنت أحد رواد دراسة
التغيرات على سطح المذنب ونتج عنها دراسة تناولت تلك التغيرات ونشرتها مجلة
"ساينس" (Science) في عام 2017، وكان
من مهماتي أيضًا إطلاق أسماء مصرية قديمة على المناطق الموجودة على المذنب مثل
منطقة "أمنحتب".
كويكب المعري 357148
الإنجازات العلمية التي حققها
"المعري" -وخاصةً في علم المذنبات- دفعت الاتحاد الفلكي الدولي لإطلاق
اسمه على كويكب في عام 2023.
يقول "المعري": كان ذلك
ثمرة جهود المشروع المشترك بين المرصد الفلكي في بادوفا ومركز الفضاء الألماني
"دي إل آر"، وانتهى إلى اكتشاف العديد من الكويكبات وتسميتها، بما في
ذلك الكويكب المعروف حاليًّا باسم "المعري 357148".
كما شارك في العديد من المهمات
الأخرى، ومنها مهمات دولة الإمارات مثل استكشاف القمر، وحزام الكويكبات، إضافة إلى
أنه أحد أفراد الفريق العلمي للعديد من المهمات الحالية والمستقبلية، مثل مركبة
الاستطلاع المدارية المريخية التابعة لوكالة ناسا، ومركبة تتبُّع الغازات المدارية
التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، وكذلك مهمات "مركبة إكزومارس" ومهمة
"هيرا" التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، ومهمة الإمارات لاستكشاف حزام
الكويكبات.
على الصعيد الشخصي، لا ينسى
"المعري" مساعدة خالته وزوجها له في مرحلة البحث عن برامج للماجستير في
أوروبا، مساعدة تركت أثرها بشدة وجعلته يحمل على عاتقه مساعدة الأجيال الناشئة
ونشر الوعي الثقافي والعلمي بين أوساط الشباب، سواء في أثناء وجوده بأوروبا أو
وجوده حاليًّا في الإمارات.
يقول "المعري": أحرص أيضًا
على إلقاء الندوات والمحاضرات العلمية في المدارس والجامعات في محافظات مصر
المختلفة، وخاصةً بالتعاون مع الجمعية المصرية لعلوم الفلك، خلال زياراتي لمصر، يجب
أن نعمل على تسهيل العلم بتوازن يحفظ المضمون العلمي ويحمي القارئ من الفهم الخطأ
للعلم.
تواصل معنا: