تكنولوجيا الـ"كروناجراف" تساعد في حجب ضوء الشمس بنسبة غير مسبوقة.. وتتيح للتلسكوب رؤية كواكب قريبة تدور حولها لم يمكن رؤيتها من قبل.
هاني زايد
هل
نعيش بمفردنا؟ وهل هناك كائنات أخرى تعيش على كواكب مماثلة لكوكب الأرض فى مجموعة شمسية
مماثلة لمجوعتنا الشمسية؟ هل مجموعتنا الشمسية هي الأكثر حظًّا بالحياة وسط مئات
المليارات من المجموعات الشمسية حولنا؟ وهل يمكن تخيُّل تلك اللحظة التي يرى فيها
البشر جزءًا كبيرًا جدًّا من الكون لأول مرة بما يشمل مليارات المجرات وقليلًا من الطاقة
المظلمة؟
تلك
الأسئلة وغيرها ربما باتت أقرب إلى الواقع منها إلى الخيال بعدما نجح فريق بوكالة "ناسا"
مؤخرًا فى أول اختبار ضوئي لتلسكوب "نانسي جراس رومان" استعدادًا لمراحل
انطلاقه إلى الفضاء.
ساعد
على ذلك استخدام تكنولوجيا الـ"كروناجراف" التي يمكنها حجب ضوء الشمس
بنسبة كبيرة مقارنةً بالأجيال السابقة بحيث تتيح رؤية الكواكب القريبة التي تدور حول
الشمس مثل كواكب مماثلة لكوكب المشتري والمريخ عندنا.
ووفق بيان صحفي نشرته
"ناسا"، ستسمح تكنولوجيا "كروناجراف" لـتلسكوب "نانسي جراس
رومان" بأن "يطل على الكون من خلال نظارات شمسية هي الأكثر تطورًا على
الإطلاق"، وهي نظارات يصفها بعض العلماء بـنظارات النجوم، وتشمل أقنعة،
وأجهزة كشف، ومرايا ذاتية الثني، ما يمكِّنها من حجب الوهج الصادر عن النجوم
البعيدة، والكشف عن الكواكب التي تدور حولها.
وهج
ساحق
في
العادة، يكون وهج الشمس ساحقًا، مما يحجب أي فرصة لرؤية الكواكب التي تدور حولها، وتغمر
فوتونات النجم جزيئات الضوء القادمة من الكوكب عندما تصطدم بالتلسكوب.
من هنا
تأتي أهمية الإنجاز الذي أعلنت عنه "ناسا" مؤخرًا، مشيرةً إلى أن
"تقنية كروناجراف الخاصة بتلسكوب نانسي جراس رومان أكملت مراجعةً أوليةً للتصميم
من قِبل وكالة ناسا، واستوفت جميع متطلبات التصميم والجدول الزمني، ويمكنها
الانتقال إلى مرحلة بناء الأجهزة اللازمة للطيران".
وتوضح
"ناسا" في بيانها أن "المرآتين المرنتين داخل جهاز كروناجراف تعتبران
من المكونات الرئيسية، وأن ثني هاتين المرآتين يعوض العيوب والتغيرات الصغيرة في
بصريات التلسكوب، وبالتالي يحسِّن دقة التبايُن خلال التصوير".
يصف
الدكتور أحمد سليمان -الباحث في مختبر الدفع الصاروخي بوكالة الفضاء الأمريكية
ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والذي شارك في فعاليات الاختبار الضوئي- ما أعلنته
ناسا بـ"الإنجاز الكبير لمجهودات استمرت 24 ساعة متواصلة على مدى شهر ونصف
الشهر".
الاقتراب
من الشمس
يقول "سليمان"
في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": سعيد جدًّا بمشاركتي مع فريق تكنولوجيا
كروناجراف كجزء من تليسكوب نانسي جراس رومان، الذي يُعد الجيل الأحدث من تلسكوب
جيمس ويب الفضائي.
ويضيف:
توصلنا إلى قياسات علمية كانوا يتوقعونها من النماذج النظرية، ما يساعدهم على
النظر -بصورة أقرب كثيرًا- إلى الكواكب الخارجية التي تدور داخل أي مجموعة شمسية
حولنا والتي لم نصل إليها من قبل.
يشير
"سليمان" إلى أن حجم الشمس كبير جدًّا مقارنةً بالأرض؛ إذ يمكننا وضع حوالي
مليون و300 ألف أرض على الشمس، والضوء المنبعث من الشمس يحجب رؤية كل الكواكب التي
تدور حوله، ما مثَّل تحدِّيًا كبيرًا للعلماء الذي بحثوا لفترات طويلة جدًّا عن
وسيلة لحجب ضوء الشمس أو تغطيته -فيما يشبه الكسوف- بما يتيح رؤية كل ما يدور داخل
أي مجموعة شمسية حولنا ومعرفة ما إذا كانت هناك كواكب عليها حياة شبيهة بكوكب
الأرض أم لا، وهو الدور الذي تؤديه تكنولوجيا كروناجراف.
ومن
المرجح أن يسجل تلسكوب "نانسي
جراس رومان" رقمًا قياسيًّا جديدًا لأبعد كوكب خارج المجموعة الشمسية، وأن
يرصد مدى إمكانية أن يكون هناك موطن لعوالم تختلف تمامًا عن أكثر من 5500 كوكب
معروف حاليًّا، وفق ما هو منشور على موقع "ناسا".
يقول
"سليمان": خلال رسالتي للحصول على درجة الدكتوراة، حاولت الإجابة عن سؤال
حول كيف بدأ الكون من خلال مرحلة الانفجار العظيم، لكننا الآن نحاول البحث
بالتوازي عما إذا كنا نعيش وحدنا في هذا الكون الكبير ، خاصةً أن هناك مئات
المليارات من المجموعات الشمسية والكواكب الموجودة حولنا والتي لا نعرف عنها شيئًا
ولا نعرف شيئًا عما بداخلها.
تكنولوجيا
الـ"كروناجراف"
تساعد تكنولوجيا
الـ"كروناجراف" في رصد كواكب مماثلة لكوكب الأرض في مجموعة شمسية أخرى
(خارج مجموعتنا الشمسية)، وتوفر هذه التقنية درجة تبايُن تصل إلى 10 أس سالب 10 تقريبًا
بالنسبة للتجارب التي تستهدف اكتشاف الحياة على كواكب شبيهة بكوكب الأرض في مجرة
أخرى خارج مجموعتنا الشمسية.
يقول
"سليمان": أساهم حاليًّا مع فريقي في هذه التكنولوجيا قبل تسليمها
للانطلاق خلال سنوات، إنه شيء ممتع يمنحنا فرصة رؤية ما إذا كانت هناك حياة في
واحدة من مئات المليارات من المجرات التي حولنا، ويعتبر نجاح هذه التكنولوجيا لأول
مرة في الفضاء كجزء من تليسكوب "نانسي جراس رومان" خطوةً عظيمةً للمهمات
العلمية القادمة لاستكشاف الحياة فى الكون بشكل أوسع وأكثر عمقًا.
وسبق
استخدام تكنولوجيا "كروناجراف" مع تلسكوب جيمس ويب الفضائي، لكنها كانت
محدودة الإمكانيات مقارنةً بتكنولوجيا "كروناجراف" المتطورة المستخدمة
مع تلسكوب "نانسي جراس رومان" التي ستساعد فريق "سليمان" على
رؤية الكون بشكل مختلف لأنها يمكنها حجب ضوء الشمس بدقة تبايُن غير مسبوقة وتمكن
العلماء من الاقتراب بصورة أكبر لرؤية الكواكب التي تدور حول أي شمس خارج مجموعتنا
الشمسية.
تجارب مستقبلية
يقول
"سليمان": هناك أيضًا جزء آخر من تلسكوب "نانسي جراس رومان"
بمختبر وكالة ناسا جوداراد سيمكِّننا من دراسة
الطاقة والمادة المظلمة التي تمثل حوالي 96٪ تقريبًا من الكون من
خلال رصد وتصوير جزء كبير جدًّا من الكون، أكبر حوالى 100 مرة مما كان يرصده
تلسكوب جيمس ويب.
ويضيف:
أعتقد أننا سنشاهد خلال سنوات من الآن صورةً كبيرةً من الكون بما فيه من مليارات
المجرات والطاقة المظلمة وأسرار أخرى فى الكون كثقوب سوداء، كل ذلك يمكن أن تراه
فى صورة واحدة، وسنشاهد أيضًا كواكبَ شبيهةً بكوكب المشتري والمريخ عندنا أو أقرب
من ذلك، سيكون ذلك شيئًا مبهرًا جدًّا للبشرية وللعلم.
ويتابع:
بعد نجاحنا فى هذا الاختبار الأول، سنكرر تجاربنا في فبراير ومارس القادمين
لاختبار تقنية "كروناجراف" في بيئة مماثلة للفضاء بالضبط، ومن المتوقع
أن تعطينا نتائج واعدة أفضل، وبعد ذلك، سننقل معدَّة "كروناجراف" من
مكانها الحالي بمختبر الدفع الصاروخي بوكالة ناسا إلى مختبر وكالة ناسا جودارد
بولاية ماريلاند لإلحاقها بتلسكوب "نانسي جراس رومان" قبل انطلاقه إلى الفضاء
خلال السنوات القليلة القادمة.
تواصل معنا: