يُلقب "الزواوي" بـ"محارب البكتيريا الخارقة".. وعشِق علم الأحياء الدقيقة بسبب مجهر صغير أهداه إليه والده في طفولته
هاني زايد
لا ينسى العالِم السعودي حسام
الزواوي تلك اللحظة التي أهداه فيها والده مجهرًا كان من المفترض أن يستخدمه في
ممارسة هواية تربية النحل.
تعلق قلب "الزواوي" البالغ
من العمر آنذاك سبع سنوات بهذا المجهر، الذي سرعان ما فتح أمامه عالمًا فريدًا
للاهتمام بعلم الأحياء الدقيقة.
يقول "الزواوي" في تصريحات
لـ"نيتشر ميدل إيست": في طفولتي أهداني والدي مجهرًا صغيرًا يستمد ضوءه
من شمعة، واستخدمت هذا المجهر للمرة الأولى لمشاهدة نملة تحت المجهر، أظهر منظر
النملة المكبر تحت عدسة المجهر تفاصيل دقيقة لا تُرى بالعين المجردة، ما جعلني
أؤمن بأن هناك عالمًا خفيًّا كبيرًا لا يمكننا رؤيته بأعيننا المجردة، وهو عالم
الأحياء الدقيقة.
لم يكن اهتمام "الزواوي"
بعلم الأحياء الدقيقة وعالم الأمراض المعدية صدفة، وإنما يرجع إلى طبيعة النشأة في
مرحلة الطفولة ومرحلة ما قبل الدراسة؛ فقد نشأ في مدينة ريفية بإحدى ضواحي مكة
المكرمة، وبدأ اهتمامه بالعلوم منذ مرحلة المدرسة؛ إذ انضم" إلى النوادي
العلمية بالمدرسة مدفوعًا باهتمام المعلمين بـ"العلماء الصغار"، وهو
المصطلح المستخدم بأفراد النوادي العلمية.
و"الزواوي" هو أستاذ
الميكروبات الطبية المشارك بكلية الطب بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم
الصحية بالحرس الوطني بالرياض في المملكة العربية السعودية، وزميل أبحاث شرفي
بمركز الأبحاث السريرية بجامعة كوينزلاند الأسترالية.
بعد حصوله على الشهادة الثانوية، التحق
"الزواوي" بكلية العلوم بجامعة "أم القرى"، وتخصص في علم الأحياء
الدقيقة، وتعرف على الميكروبات المسببة لأمراض عدة معدية، والبكتيريا المقاومة
للمضادات الحيوية.
نقطة تحول
بعد تخرجه، التحق "الزواوي"
بالعمل في جامعة "طيبة" بالمدينة المنورة، وهو ما اعتُبر "نقطة
تحول بارزة في تاريخه العلمي والعملي"؛ إذ أجرى دراسته الأولى حول مدى انتشار
الميكروبات في ملابس الأطباء وفريق التمريض، وأهمها "المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين" "إم آر إس آي"، التي تُصيب المترددين على المستشفيات
وأماكن الرعاية الصحية مثل دور المسنين ومراكز الغسيل الكلوي، وترتبط بالعلميات
الجراحية والأجهزة الطبية مثل الأنابيب الوريدية والمفاصل الاصطناعية.
وبعدها انتقل إلى أستراليا، وحصل على
درجة الماجستير في علم الأحياء الدقيقة السريرية من جامعة "جريفيث"،
وركزت أبحاثه على العدوى المكتسبة في المستشفيات، والبكتيريا المقاوِمة للمضادات
الحيوية.
يقول "الزواوي"
لـ"نيتشر ميدل إيست": شاهدت كثيرًا من القصص المؤسفة التي راح ضحيتها أشخاص
تعرضوا لعدوى شديدة سببها الميكروبات المقاومة للمضادات
الحيوية التي كان يصعب علاجها.
ويضيف: والدتي كانت بطلة إحدى أهم
القصص التي دفعتني إلى تسخير جهودي لمحاولة الإسهام في حل هذه المشكلة العالمية، كانت
أمي تعاني من التهابات متكررة في المسالك البولية، وعلمت أنها مصابة بعدوى بكتيرية
مقاومة للمضادات الحيوية يصعب علاجها، كنت -آنذاك- في بداية سنوات دراستي للدكتوراة،
ومنذ ذلك الحين وأنا أخوض معارك لا تنتهي ضد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
محارب البكتيريا الخارقة
حصل "الزواوي" على درجة الدكتوراة
في علم الأحياء الدقيقة السريرية والأمراض المعدية من جامعة كوينزلاند، وهو أحد
أهم علماء علم الأحياء الدقيقة والأمراض المعدية حول العالم، ويتركز عمله على
مراقبة ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية وانتشارها، وتطوير اختبارات
لتحديد الأمراض المعدية وسرعة التعامل معها، ويوصف بـ"محارب البكتيريا
الخارقة".
يقول "الزواوي": مصطلح
البكتيريا الخارقة هو مصطلح شعبوي يعبر عن الحالة التطورية التي تحدث لكثير
من الميكروبات من خلال الطفرات الجينية التي قد تجعلها مقاوِمةً للمضادات الحيوية،
ولأن المضادات الحيوية هي عقاقير مهمة وقوية أثرت على حياة البشرية إيجابًا من
خلال التحكم في كثير من الأمراض المعدية التي كانت تفتك بالبشرية قديمًا، فإن
مقاومة الميكروبات لها تعتبر قدرةً خارقة، ولكنها قدرة سلبية بطبيعة الحال.
تصف مجلة "تايم" الأمريكية
إنجازات "الزواوي" في تقرير ترجمته "الملحقية الثقافية
السعودية في أستراليا" بـ"إنجازات عملت على تطوير اختبار تشخيصي سريع
يُستخدم للكشف عن الالتهابات البكتيرية في فترة تتراوح بين ثلاث إلى أربع ساعات
فقط للكشف عن أي جراثيم خارقة، بخلاف الاختبار المعمول به حاليًّا والذي يستغرق في
المتوسط ثلاثة أيام، وبالتالي أدى عمله إلى تسهيل تقديم العلاج".
وهي الإنجازات التي أهلت "الزواوي"
للحصول على جائزة رولكس للمبادرات الطموحة، التي تُمنح لخمسة أشخاص كل عامين لجهودهم
الملموسة في مواجهة التحديات العالمية الكبرى لتحسين الحياة وحماية كوكب الأرض.
ومن إنجازاته -أيضًا- تأسيس شبكة لمراقبة
مقاومة مضادات الميكروبات في دول مجلس التعاون الخليجي، وتبادُل البيانات والعينات
حول هذه البكتيريا من خلال شبكة تعاونية من المستشفيات في دول الخليج (البحرين، والكويت،
وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات).
وتكتسب تلك الإنجازات أهميةً خاصةً في
المنطقة العربية التي تُعد "من المناطق الأكثر تأثرًا بالجراثيم الخارقة في
العالم بسبب الوصفات الطبية الخطأ وارتفاع أعداد اللاجئين من مناطق النزاعات
والاضطرابات في الشرق الأوسط، والاستخدام غير المسوَّغ للمضادات الحيوية، والتي أسهمت
جميعها في انتشار البكتيريا الخارقة في المنطقة".
مواصلة العمل
يقول "الزواوي": على
المستوى العالمي، تتطلب مواجهة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تخصيص فِرق استقصاء
وبائي لتتبُّع ومعرفة مدى انتشار البكتيريا الخارقة، وبالنسبة للمنطقة العربية،
نحتاج إلى شبكة من الباحثين لدراسة الأنواع المختلفة من البكتيريا المقاومة
للمضادات الحيوية في المستشفيات العربية، ورفع الوعي الصحي لتقليل الاستهلاك الخطأ
للمضادات الحيوية والتحذير من مخاطر البكتيريا الخارقة على صحة الإنسان.
ويمارس "الزواوي" العديد
من الأنشطة الاجتماعية لتشجيع الشباب العرب على دراسة علم الأحياء الدقيقة والتعرف
على عالم الأمراض المعدية، مؤكدًا أنه "يجب الاهتمام بالتواصل العلمي في
العالم العربي لإثراء المحتوى العلمي".
ويقول: أحاول الإسهام في إثراء
المحتوى العلمي عن طريق المشاركة في اللقاءات العلمية والزيارات
المدرسية، والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في تبسيط العلوم، ورفع
مستوى الوعي بالأمراض المعدية، وكذلك من خلال الأفلام الوثائقية وآخرها فيلم
الكهف الحاصل على جائزة النخلة الذهبية من مهرجان
الأفلام السعودية لفئة الأفلام الوثائقية، ويتناول رحلة عالِم سعودي وآخر إيطالي
إلى أحد الكهوف الخطيرة في إيطاليا لإجراء بحث علمي عن الأحياء الدقيقة فيه.
تواصل معنا: