كيف تتبدل طبيعة العواصف الترابية في المنطقة العربية؟
نشرت بتاريخ 6 يوليو 2023
تشهد العواصف
الترابية التي تهب على شبه الجزيرة العربية تغيرات تؤثر تأثيرًا بالغًا على صحة البشر
في تلك البقعة.
بيانكا نوجرادي
يعبث كلٌ من التغير
المناخي وآليات استغلال الأراضي بطبيعة العواصف الرملية والترابية في شبه الجزيرة
العربية ومعدل تواترها. وهو ما لفت إليه خبراء محذرين من عواقب عدم التطرُق كما
ينبغي في عمليات نمذجة التغير المناخي وجهود التصدي له إلى العواقب الصحية المحتملة
لهذه التأثيرات الإقليمية التي تشتد حدتها في المنطقة. وتجدر الإشارة في هذا
السياق، إلى أن منطقة الشرق الأوسط تشكل جزءًا من حزام الغبار العالمي؛ حيث تعيش مجموعات
سكانية بشرية في مناطق تغدو يومًا بعد يوم أكثر متاخمة للنطاقات الصحراوية، وهو ما
يجعل هؤلاء السكان عرضة للرمال والغبار الذي يحمله الغلاف الجوي.
وتختلف العواصف
الترابية فيما بينها وتتباين، وهو ما يرجع إلى تغيُر تركيبها الكيميائي وتفاوُت حجم
الجسيمات المكونة لها باختلاف مصدر الغبار الذي تحمله. كذلك تختلف المشكلات الصحية
الناجمة عن هذه العواصف المتباينة ويتفاوت تأثيرها على صحة الأفراد في المناطق
التي تسلكها هذه العواصف، وهو ما يتضح جليًا في تزايُد انتشار أمراض الجهاز
التنفسي، مثل الربو والحساسية، في بعض مناطق الشرق الأوسط، والتي ربما تكون العواصف
الترابية قد أسهمت في تفشيها.
ويشير علماء
إلى أن ثمة حاجة متزايدة لتعزيز الفهم الإقليمي للتغيرات الطارئة على طبيعة هذه العواصف
الترابية، مع استجابتها لظاهرة التغير المناخي، فضلًا عن ضرورة فهم ماهية الآثار
التي قد تخلفها هذه التغيرات على صحة البشر.
من هنا، تقدمت
عالمتا البيئة، كلير ويليامز، من الجامعة الأمريكية في العاصمة الأمريكية واشنطن،
وفاتن سمارة، من الجامعة الأمريكية في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة،
بإطار عمل لتحليل محتوى العواصف الترابية بدقةٍ أكبر، وذلك بهدف إرشاد الجهود
المبذولة نحو العمل على الحد من الآثار الصحية المحتملة الناجمة عن هذه العواصف.
تعقيبًا على
ذلك، تقول ويليامز إن الأثر الذي يحدثه التغير المناخي على العواصف الرملية
والترابية، وما يتبعه من آثار غير مباشرة على صحة الإنسان لا يشكلان في الوقت الحالي إلا جزءًا ضئيلًا نسبيًا فحسب من
تقارير المناخ العالمية، بما فيها التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية
المعنية بتغير المناخ.
وفي هذا
السياق، تقول ويليامز: "لا يسعنا أن نفترض أن جميع العواصف متماثلة، وأظن أنه
يسهل الوقوع في خطأ تبني افتراض كهذا لدى طرق المسألة على صعيد الكوكب؛ فغالبية
خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يتناولون انبعاثات الغبار
العالمية بالدراسة من منظور كوكبي، فيما نتناولها نحن على المستويين الإقليمي
والمحلي".
وقد طرحت
ويليامز وسمارة نظام تصنيف A-B-C-X لمحتوى العواصف الترابية المُفردة.
وفي هذا
التصنيف، يشير الحرف "A" إلى محتوى الغبار من المُلوِّثات
الناجمة عن الأنشطة البشرية، مثل الجسيمات البلاستيكية الميكروية والجسيمات
النانوية. أما الحرف "B"، فيشير إلى الهباء الجوي من المصادر البيولوجية،
وما فيه من طحالب وبكتيريا وفطريات. ويرمز الحرف "C" إلى الجسيمات الواردة من القشرة
الأرضية، أي الرمال والغبار الموجودين بصورة طبيعية ضمن محتوى العواصف، فيما يشير
الحرف "X"
إلى التفاعلات الكيميائية المحتملة بين هذه العناصر المكونة للعواصف، والتي يمكنها
أن تغير الآثار الناتجة عنها.
وتوضح ويليامز
ذلك قائلةً: "ثمة ارتباط كيميائي يحدث في واقع الأمر بين عوادم الديزل والسموم
الداخلية البكتيرية ومسببات الحساسية"، لافتة إلى أن هذه التفاعلات قد تفضي
إلى ظهور "محفزات حساسية جديدة" تتسم بكونها أقدر على تحفيز ردود
الأفعال التحسسية بين البشر.
ويوضح على
الدوسري، عالم البيئة والنباتات من معهد الكويت للأبحاث العلمية، ومقره دولة
الكويت، والذي لم يشارك في الدراسة، أن العواصف الترابية التي تهب في أرجاء شبه
الجزيرة العربية تمر بتغيرات فعلية نظرًا لاختلاف طبيعة استغلال الأراضي هناك؛ فهي
تُعزَّى في سوريا، على سبيل المثال، إلى الصراع الدائر على أرضها، مضيفًا بتعبيره:
"يوجد العديد من المزارع المهجورة، التي أصبحت تشكل مناطق وبؤرًا تهب منها
العواصف الرملية والترابية"، وهو ما يفضي، على حد ما أفاد به، إلى عواقب
صحية، مشيرًا إلى تفشي حالات الإصابة بحساسية حبوب اللقاح في مناطق لم تعهد هذه
الإصابات قُبلًا؛ وذلك لأن العواصف الترابية تحمل بين طياتها مواد بيولوجية
وتنقلها إلى مناطق جديدة.
تواصل معنا: