اكتشف
"بلال سالم" الديناصور "هابيل" ورسم صورة حية لجحيم عاشته
الديناصورات في الواحات البحرية بمصر قبل 95 مليون عام
هاني زايد
على بُعد حوالي
45 كيلومترًا من العاصمة المصرية القاهرة، تقع قرية "كفر الحمام"
التابعة لمدينة بنها، تلك المدينة التي أنجبت الدكتور يحيى المشد الذي لقي مصرعه في
ظروف غامضة بأحد فنادق العاصمة الفرنسية "باريس" في يونيو من عام 1980، ويُعد
أحد أشهر علماء الفيزياء النووية على مر التاريخ.
في تلك
القرية الهادئة، التي لا يزيد سكانها على بضعة آلاف يعمل معظمهم في الزراعة، كان
ميلاد بلال سالم، الحاصل على درجة الماجستير من جامعة أوهايو الأمريكية والمدرس المساعد
بقسم الجيولوجيا في كلية العلوم بجامعة بنها، والباحث في مركز جامعة المنصورة
للحفريات الفقارية وعضو فريق "سلام لاب".
في طفولته،
عشق "سالم" التراث المصري والآثار الفرعونية، وتولدت لديه رغبة كبيرة في
التعرف على تاريخ الأرض، ثم التشريح، وعند التحاقه بالمرحلة الإعدادية، بدأ دراسة
محتوى بسيط عن الحفريات وأنواعها، وقتها لم يكن يعلم أن الحفريات تجمع بين البيولوجيا والتاريخ، وفي
الثانوية العامة، درس مادة البيولوجيا
وزاد شغفه واستمتاعه بدراسة الحفريات.
الجيولوجيا التاريخية
يقول
"سالم" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": التحقت بكلية العلوم
في جامعة بنها، وتخصصت في قسم الجيولوجيا، كانت أول مادة درستها في الجامعة هي
"الجيولوجيا التاريخية"، التي تحكي تاريخ الأرض وتمثل الحفريات جزءًا مهمًّا
فيها، تعرفت على الحفريات الفقارية والحفريات اللافقارية التي تختص بالكائنات التي
ليس لها عمود فقاري مثل القواقع والأصداف، التقيت الدكتور جمال القط أستاذ الطبقات
والحفريات في كلية العلوم بجامعة بنها والمتخصص في مجال الحفريات اللافقارية، بدأت
أتردد على مكتبه وأتناقش معه كثيرًا حول الحفريات اللافقارية، كان ذلك عام 2014، وفي
العام نفسه لفت انتباهي دراسة نشرتها دورية ساينس حول حفرية ديناصور عُثر
عليها في المغرب، كما نشرت مجلة ناشيونال جيوجرافيك في نسختها العربية في أكتوبر
2014 ملفًّا حول الديناصورات العربية ومنها ديناصور المغرب، وعندما قرأت هذا
الملف، أيقنت أن حبي للبيولوجي والتاريخ قادني إلى حب الحفريات، وأن حبي للحفريات بدأ
يقودني إلى حب الحفريات الفقارية.
إجابة صادمة
يضيف
"سالم": في السنة الثانية من دراستي الجامعية، بدأت أسأل أساتذتي عن
الحفريات الفقارية، وكانت الإجابة الصادمة بأنه لا يوجد عالِم متخصص في الحفريات
الفقارية في مصر، وقتها كان الأستاذ الدكتور هشام سلام -مؤسس مركز جامعة المنصورة
للحفريات الفقارية- في مهمة علمية خارج مصر، ولم يكن هناك كثيرون يعلمون أن هناك باحثًا
مصريًّا متخصصًا في الحفريات الفقارية، حصلت على تدريب في جامعة المنصورة بعد
انتهاء العام الجامعي الثاني، وهناك كان لقائي الأول مع "سلام" الذي دعاني
إلى مكتبه وكان حريصًا على تلقِّي كل أسئلتي حول الحفريات الفقارية، وأخبرني بأنهم
يقومون بتدريبات ورحلات علمية، ومنذ ذلك الوقت، وتحديدًا في شهر يونيو من عام
2017، وأنا أتابع "سلام" وتوجيهاته حول الحفريات الفقارية وحب الأركوصورات
التي تشمل الديناصورات والتماسيح والزواحف الطائرة.
سلام لاب
في 2018،
أنهى "سالم" دراسته الجامعية، وكان الأول على دفعته، وتدرب في "سلام
لاب" لمدة 6 أشهر، ورغم تعيينه في الجامعة وقضائه الخدمة العسكرية، إلا أنه كان
حريصًا على لقاء "سلام" الذي بدأ يُسند إليه دراسة بعض العينات، وأصبح بمنزلة
مشرفه العلمي والأكاديمي.
يقول
"سالم": عندما سجلت الماجستير في كلية العلوم بجامعة بنها، كان "سلام"
داعمًا لي، وكان المشرف الرئيسي الذي يوجهني في المشروع الذي بدأت العمل عليه في
الواحات البحرية والديناصورات المصرية، وبفضل توجيهه نشرت عددًا من الملخصات
البحثية في المؤتمرات العلمية، إضافةً إلى عدد من الأبحاث حتى قبل حصولي على درجة
الماجستير، لقد اهتم "سلام" بحفريات الواحات البحرية ونظَّم رحلات
استكشافية إلى هذه المنطقة بدايةً من 2012، ما أسهم في اكتشاف العديد من الحفريات.
بيئة هادئة
ينتمي
"سالم" إلى أسرة متوسطة الحال، وأدى والداه دورًا كبيرًا في اهتمامه بالعلم،
وكانا حريصَين على توفير الكتب التي تساعده في دراسته وفي الحصول على ترتيب متقدم
بين قرنائه.
يقول
"سالم": نشأت في قرية "كفر الحمام"، وهي قرية هادئة، سكانها -ومنهم
جدي- من المزارعين، منحتني تلك البيئة الهادئة فرصة تحصيل العلم بعيدًا عن
المشتتات.
لا ينفي
"سالم" وجود العديد من المعوِّقات التي تواجه شباب العلماء في الدول
النامية، لكنه في الوقت ذاته يرى أن الحكومة المصرية وفرت مؤخرًا مزيدًا من الدعم
فيما يتعلق بالبعثات العلمية، وأنه "لو تم التوسع بشكل أكبر في مجالات تقديم
الدعم لشباب الباحثين المصريين، فإن البحث العلمي في مصر سيصبح في مكان آخر".
الديناصور هابيل
ذاع صيت
"سالم" على المستوى العالمي في يونيو من عام 2022، بفضل مشاركته في
اكتشاف "الديناصور هابيل"، الذي يعود تاريخه إلى 95 مليون عام، وينتمي
إلى عائلة الأبيليسوريد (Abelisauridae) التي اكتشفها العالِم الأرجنتيني "روبرتوا هابيل" في القرن
الماضي.
يقول
"سالم": أحفورة الديناصور هابيل هي أقدم أحفورة معروفة لفصيلة الديناصورات
"أبيليسوريد" آكلة اللحوم في قارة أفريقيا، وهذا الاكتشاف يقدم أدلة على
التنوع البيولوجي للديناصورات خلال العصر الطباشيري في مصر وشمال أفريقيا.
ويتابع: في
القرن الماضي، كانت الواحات البحرية تُسمى بأرض الديناصورات في أفريقيا؛ لأنه بدايةً
من عام 1916 وحتى عام 1936 تم استخراج وتسمية أربعة ديناصورات من الواحات البحرية
بفضل جهود عالِم الحفريات الألماني إرنست سترومر، ثلاثة من تلك الديناصورات آكلة
للحوم هي "سبينوصورس" و"كاركارودونتوصورس" و"بحرياصورس"
الذي يعني ديناصور الواحات البحرية، وديناصور واحد آكل للعشب هو "إيجيبتوصورس"
وتعني السحلية المصرية.
يقول
"سالم": بالرغم من شهرة الواحات البحرية بمحتواها الحفري الغني لوجود
هياكل لأكثر الديناصورات شهرةً في العالم، إلا أنه لم يتم تسجيل أي ديناصور ينتمي إلى
عائلة ديناصورات هابيل من الواحات البحرية حتى اكتشاف حفرية الديناصور هابيل في
2016؛ إذ تم اكتشافها في إحدى الرحلات الحقلية المشتركة بين "مركز جامعة
المنصورة للحفريات الفقارية" و"سلام لاب" وعلماء من وزارة البيئة
في الواحات البحرية عام 2016، وعند التحاقي بمركز "سلام لاب" عام 2019، أوكل
إليَّ الدكتور هشام سلام دراسة عينة هذا الديناصور كجزء من درجة الماجستير الخاصة
بي في مصر "آنذاك"، وبدأت العمل على هذه الحفريات، وأهمية الديناصور
هابيل أنه تم كمشروع مصري، وعلى الرغم من أنه تم التعاون فيما يتعلق بنشر الورقة العلمية مع علماء أجانب، إلا أنه كان مشروعًا مصريًّا
خالصًا، بما في ذلك تمويل المشروع.
جحيم الواحات البحرية
يقول
"سالم": من الناحية العلمية، فإن الديناصور هابيل هو الديناصور الرابع
من الديناصورات الآكلة للحوم التي تم اكتشافها في الواحات البحرية، ما يؤكد أن الواحات البحرية كان فيها أربعة ديناصورات
آكلة للحوم مقارنةً باثنين من الديناصورات الآكلة للعشب (أحدهما اكتشفه إرنست
سترومر أوائل القرن الحالي والآخر اكتُشف عام 2001 بتعاون مصري أمريكي مشترك)، وهي
نسبة كبيرة نطلق عليها "معضلة سترومر" ويقصد بها "ازدياد
الديناصورات الآكلة للحوم مقابل الديناصورات آكلة العشب".
وتكشف
الدراسة أن الواحات البحرية كانت منذ 95 مليون سنة عبارة عن جحيم بالنسبة
للديناصورات آكلة العشب، لك أن تتخيل وجود أربعة ديناصورات شرسة آكلة للحوم تتقاتل
فيما بينها للحصول على فريسة ممثلة في الديناصورات آكلة العشب أو أحد الديناصورات
الآكلة للحوم.
ويضيف: ينتمي
الديناصور هابيل إلى عائلة "أبيليسوريد" التي كانت منتشرةً فيما يُعرف بقارات
"جندوانا"، وهي أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وأستراليا، والقارة القطبية
الجنوبية، وشبه القارة الهندية، وهي قارات كانت مجتمعةً معًا وتسمى قارة جندوانا، وهي القارة العظمى التي انفصلت قبل حوالي
180 مليون سنة، وهذه هي المرة الأولى التي يتم اكتشاف مثل هذه الديناصورات في
الجزء الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا، صحيح أنه تم اكتشاف ديناصور من العائلة نفسها
في المغرب من قبل، لكن ذلك تم إرجاعه إلى فرضية ظهرت عام 2015 تُرجع حدوث ذلك إلى وجود
بحر كان يفصل بين شرق وغرب أفريقيا في هذه الفترة الزمنية، ما جعل ديناصورات مثل
الديناصور هابيل عاجزةً عن الهجرة، وهو ما يدحضه البحث الخاص بنا، الذي يؤكد وجود هذه
الديناصورات وانتشارها في شمال قارة أفريقيا.
ويتابع: يكشف
الديناصور هابيل أسرارًا مهمةً عن الحياة السحيقة في الواحات البحرية بتسجيلها
لديناصور مفترس متوسط الحجم يقدر طوله بنحو 6 أمتار، وهو الأوسط حجمًا بين أبناء
عشيرته من ديناصورات الواحات البحرية.
تواصل معنا: