إدارة
المخاطر وحدها لا تكفي لمواجهة أخطار التغير المناخي
نشرت بتاريخ 22 يناير 2023
كشف تحليل للفيضانات وموجات الجفاف التي تضرب الموقع نفسه مرتين عن أن
الاعتماد على إدارة المخاطر وحدها لا يقلل من تأثير ظواهر المناخ المتطرفة.
بيث تيلمان، وهالي إيكن
يبدو أن الفيضانات وموجات الجفاف تحدث الآن بوتيرة
متزايدة وبشدة متصاعدة، مما يُثقل كاهل المجتمعات ويستنزف قدرتها على الاستعداد
لهذه الأحداث المتطرفة من خلال التنبؤ بها، والتكيّف الفعال معها. لكم نودّ لو نصدق
أننا نتعلم من كل كارثة تقع، وأننا أصبحنا بذلك أقدر على التكيّف، وأكثر استعدادًا
للتعامل مع الكارثة المقبلة. ولكن هل هذا هو الوضع حقًا؟ في دراسة نُشرت على صفحات
دورية Nature،
تدرس هايدي كرايبيش، ومعها فريق من الباحثين، 45 موقعًا شهدت مرتين فيضانًا أو
موجة جفاف شديدة، بهدف تحديد ما إذا كانت استراتيجيات إدارة المخاطر تنجح بشكل
كامل في خفض أثر الكارثة المقبلة، أم لا. خلُص الباحثون من دراستهم إلى أن القدرة
على التكيّف محدودة دائمًا تقريبًا، وأن أثر الحدث الثاني لا ينخفض بفعل
استراتيجيات إدارة المخاطر، عندما يكون الحدث الثاني المناخي أشدَّ وأعنف من
الأول.
بمعاونة فريق من الباحثين يتألف من 91 باحثًا من مختلف
أنحاء العالم، وثَّقت كرايبيش 26 زوجًا من أحداث الفيضانات، و19 زوجًا من أحداث
الجفاف التي وقعت بين عامي 1947 و2019، على أن يكون كل زوج من الأحداث قد وقع في
المنطقة نفسها. ثم قارن الباحثون كلا الحدثين في كل زوج من أزواج الأحداث من زوايا
عدة: شدّة الخطر المناخي، وحجم الضرر الناجم (سواءٌ وقع الضرر على الأشخاص أو
الممتلكات)، وقابلية السكان للتأثر به (لقياس
قدرتهم على تجاوز الكارثة)، واستراتيجيات إدارة المخاطر المعمول بها (مثل أنظمة
الإنذار المبكر، والخزانات المائية، وتشييد السدود الحاجزة)، وأثر الحادثة
المناخية (الوفيات والضرر الاقتصادي). وهذه الجهود المكثفة التي بذلها الباحثون
لتوثيق كل زوج من الحوادث المناخية، وتصنيفها تبعًا لهذه العوامل، أثمرت عن مجموعة
بيانات قيّمة حول التغير الحاصل في آثار الفيضانات والجفاف على مدار الزمن؛ وهذه
البيانات متوفرة الآن للعموم من أجل إجراء المزيد من التحليلات. ولضمان الموثوقية،
تولى العديد من العلماء تصنيف كل حدث من الأحداث، باشتراك العلماء المطلعين على
ظروف المنطقة في كل حالة.
تظهر الدراسة التي أنجزها فريق الباحثين أن أثر حدث
الجفاف أو الفيضان الثاني كان أخفّ من أثر الحدث الأول في أول 20 حالة، من بين 45
حالة. ولكن في جميع هذه الحالات العشرين، ما عدا حالتين، لم يكن الخطر المناخي
الثاني أشدّ من الأول، بل وتراجعت قابلية السكان للتأثر به. أما في الحالات التي
كان أثر الحدث الثاني فيها أشدّ من الأول، وعددها 13 حالة، فقد شهدت 12 حالة زيادة
في تعرّض السكان للضرر بالنسبة للحدث الأول، على الرغم من تراجع قابليتهم للتأثر،
وحدوث تحسينات في إدارة المخاطر في العديد من الحالات. وفي الحالات المتبقية،
وعددها 12 حالة، كان أثر الحدثين متساويًا.
لعل أكثر ما يبعث على القلق في نتائج الدراسة هو أن
أثر حدث الجفاف أو الفيضان الثاني كان أشدّ من أثر الحدث الأول في جميع الحالات – عدا
اثنتين – حيث كان الحدث الأكثر تطرفًا بغض النظر عن حجم جهود إدارة المخاطر التي
بُذلت، أو نسبة الانخفاض أو التراجع في مدى تعرض السكان للضرر، وقابليتهم للتأثر.
وتشير النتائج ضمنًا إلى أن الاستثمارات في إدارة المخاطر والتخفيف من القابلية
للتأثر عقب حدث متطرف ربما لا تجعل المجتمع متكيفًا بشكلٍ كافٍ لخفض المخاطر التي
تكتنفها الأحداث اللاحقة غير المتوقعة، والتي تتزايد وتيرها في ظل تغيّر المناخ.
جدير بالذكر أن التعرض للضرر والقابلية للتأثر عاملان
مرتبطان ارتباطًا وثيقًا2. فمن الثابت بالأدلة أن الشرائح السكانية
المعرضة لموجات الجفاف والفيضانات – غالبًا بفعل الضرورة، وكملاذ أخير وبسبب عدم
توافر خيار آخر لهم – تكون لديها أيضًا قابلية للتأثر بشكل خاص بهذه الأحداث3
(الشكل 1). وهذا يعني أن الاستثمار في إدارة المخاطر وحدها (عن طريق تحسين أنظمة
الإنذار المبكر من الفيضانات، على سبيل المثال) لن يخفض بشكل جوهري من عدد الوفيات
التي تقع من جرَّاء الفيضانات والضرر الناجم عنها إذا واصل الناس الاستقرار في
السهول الفيضية. أضف إلى ذلك أنه يمكن أن تنشأ نتائج عكسية عن إدارة خطر الفيضانات
عن طريق تشييد السدود الحاجزة، أو خطر الجفاف عن طريق التوسع في البنية التحتية
للري، لأن هذه التطوّرات ستحفّز الناس على الاستقرار في السهول الفيضية لبدء
الأنشطة الزراعية الجديدة في المناطق المعرّضة للجفاف.
كما اكتشفت كرايبيش وزملاؤها أن خفض مستوى قابلية
التأثر بالجفاف، من خلال تحسين أنظمة الإنذار المبكر وتقديم المساعدات، لا يساهم
بالضرورة في الحدّ من أثر الجفاف، خلافًا لما يحدث في حالة الفيضانات. وهذه
النتائج تتطابق مع النتائج التي خلصت إليها دراسة سابقة عن القابلية للتأثر
بالجفاف في سيارا بالبرازيل، حيث توصل الباحثون إلى أن سياسات إدارة الجفاف يمكن
أن تخلق عوامل مثبِّطة، تسهم في عزوف السكان عن التكيّف مع الكوارث4.
علاوةً على ذلك، إذا لم يحصل مالكو الأراضي على حوافز للاستثمارات الخاصة في إدارة
المخاطر، فإن تحسين استراتيجيات إدارة المخاطر على المستوى المؤسسي سيكون أقل
فاعلية5.
وللأسف، تتزايد معدلات التعرّض للضرر، ولا سيما لضرر
الفيضانات6، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التوجه إلى زيادات مستقبلية في
الوفيات والخسائر نتيجةً للإغراق7. وهذا يعني أن أثر هذه الأخطار
المناخية سيزيد إذا لم نتدخل بشكل مباشر لعلاج المحركات الاجتماعية والاقتصادية
التي تعرّض المناطق المأهولة بالبشر، وما يتصل بها أنشطة بشرية، للضرر، بغض النظر
عما إذا كان التغيّر المناخي يزيد من عدد الأخطار المناخية.
ورغم أن كرايبيش ورفاقها ركزوا على الحالات التي تمكن
فيها السكان من التكيّف بعد وقوع الكارثة، فإن دراسة منشورة في وقت سابق، شملت
بيانات من 549 مدينة، أظهرت أن الكوارث لا تحفّز عملية التكيّف الحضري8.
وفي الواقع، لا توجد سوى أدلة بسيطة على أن مفعول التكيّف يمكن أن يزيد على مجرد
إجراءات تصاعدية لخفض الخطر بشكل واقعي9. فالتكيّف الفعّال والمستدام
يستلزم أن نواجه الظروف الاجتماعية والاقتصادية الكامنة وراء الاختلافات في التعرض
للضرر والقابلية للتاثر10. فعلى سبيل المثال، أدت الممارسة التمييزية،
المعروفة بالخط الأحمر، حيث تُسحب الخدمات المالية من مجتمعات الملونين في
الولايات المتحدة – بما ينطوي عليه ذلك من استبعاد متعمَّد من الاستفادة من خدمات
الاستثمار الرأسمالي – إلى وجود بنية تحتية غير مواتية لاحتواء أثر الفيضانات في
هذه المجتمعات، وزاد من تعرضها للكوارث (انظر: go.nature.com/3cpp3mz).
كما أن العنصرية تشكّل الأساس لغياب العدالة الملاحَظ
في عمليات التعافي من أثر الفيضانات في مناطق أخرى من الولايات المتحدة، بما في
ذلك وادي ريو
جراندي فالي في جنوب تكساس، حيث أجبر الاستبعاد من أموال الإغاثة الفيدرالية
المقيمين على اللجوء إلى القروض باهظة الفوائد، التي لم تؤدِّ سوى إلى تفاقم
مستويات فقرهم11. واستراتيجيات التكيّف التي من شأنها التخفيف من أثر
الكوارث في ظل تغيّر المناخ يجب أن تتناول العمليات السياسية التي تحفّز أنماط
التنمية12 وعمليات التعافي التي ترسّخ القابلية للتأثر والتعرّض للضرر.
إذا كان من الضروري خفض مستوى التعرض للضرر، فمن
الضروري كذلك مراعاة الإنصاف في إدارة الجهود المبذولة على هذا الصعيد. وإن لم يكن
بد من نقل الأهالي، فيجب توفير الرعاية اللازمة لمن يقع عليهم الاختيار للانتقال،
والنظر في كيفية تحقيق ذلك على النحو الملائم. فإعادة توطين الأهالي الذين أصبحت
سبل كسب عيشهم غير مجدية، نتيجةً لتكرار وقوع أحداث الفيضانات أو الجفاف، وهي
الممارسة المعروفة باسم "الانسحاب المُدار"، يمكن أن تتم بشكل مخطط، وتتم
بمشاركة المقيمين الذين قد يُضطرون إلى الانتقال، ويُستعان على ذلك بتصميمات
مُحكمة13. أما الانسحاب غير المُدار – أو الهجرة المناخية القسرية –
فيمكن أن تديم القابلية للتأثر وعدم المساواة. ويوجد دائمًا خطر كامن في أن أوجه
عدم المساواة الاجتماعية القائمة بالفعل يمكن أن تتكرر وتتعزز من خلال استراتيجيات
التكيّف. ومن أجل مواجهة هذه التحديات، فالحاجة هنا ليست إلى إدارة المخاطر وإنما
إلى تحوُّل شامل؛ وهي الفكرة التي يتبناها عدد متنام من الناشطين والباحثين في
مجال عدالة المناخ14، وكذلك اعتمدتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية
بتغير المناخ (IPCC) في تقريرها الصادر هذا العام بشأن آثار تغير المناخ والتكيّف معه
وقابلية التأثر به15.
تسلط الدراسة التي أعدَّتها كرايبيش وزملاؤها الضوء
على بعض الأفكار التي يمكن أن تشكِّل المضمون المقترح لبرنامج أعمال التكيّف
التحوّلي. بدايةً، توجد حاجة ماسة إلى علاج أوجُه غياب العدالة التي تزيد من
قابلية التأثر بالأحداث المناخية والتعرض لها. فيجب على المسؤولين عن إدارة
المخاطر أن يذهبوا إلى ما هو أبعد من مجرد استخلاص الدروس من السابق؛ عليهم أن
يرتقبوا احتمالات قدوم مستقبل حافل بالأخطار المناخية المتزايدة، ويتكيّفوا معه. والأمر
الذي لا شك فيه أن المنهجيات التحوّلية للتكيّف مع الأحداث المناخية ستكون حافلة
بالسياسات، ومعقدة، ويستغرق إعدادها وقتًا طويلًا. وفي إطار مواجهة الحواجز
الاجتماعية والمالية لهذه الاستراتيجية التكيّفية والتغلب عليها، يجب أن نقرّ
أيضًا بما في جهود التكيُّف من نقائص، ونحسن إدارة توزيع الضرر الذي لا يمكن
تفاديه، ليكون توزيعًا أكثر إنصافًا، من خلال تعزيز القدرة على التكيّف في ظل
التغير المناخي.
لقد طُرحت حزمة من الإجراءات – بدءًا من بسط نطاق
الوصول إلى التأمين المناخي16، وحتى تمويل الدعم للدول النامية التي
تُمنى بخسائر وأضرار غير قابلة للإصلاح17 – للتعامل مع نقائص الاستراتيجية
التكيّفية. ومع ذلك، لم يكن صندوق تعويضات الخسائر والأضرار مشمولًا في جدول
الأعمال الرسمي لمؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرين المعني بتغير المناخ، الذي عُقد
في مدينة شرم الشيخ المصرية في شهر نوفمبر من عام 2022، وهو المنتدى الأبرز
لاتفاقيات الحوكمة العالمية بشأن التغير المناخي (انظر go.nature.com/32dmura). وهكذا، فإن الدراسة التي بين أيدينا تضيف إلى الأدلة المتنامية
على الحاجة الفورية إلى تبني المسارات التكيّفية التحوّلية. والآمال معقودة على أن
هذه الأدلة المتنامية سوف تتمخض في القريب عن الإقرار بحقيقة باتت جليَّةً لا مزيد
عليه: هي أن الأخطار المناخية غير المسبوقة لا بُد أن تقابَل باستراتيجية تكيفية
غير مسبوقة كذلك.
بيث تيلمان: باحثة بكلية الجغرافيا والتنمية
والبيئة، جامعة أريزونا، بمدينة تكسون، أريزونا 85719، الولايات المتحدة
الأمريكية.
هالي إيكن: باحثة بكلية الاستدامة بجامعة ولاية
أريزونا، بمدينة تمبي، أريزونا 85287، الولايات المتحدة الأمريكية.
البريد
الإلكتروني:
btellman@arizona.edu
hallie.eakin@asu.edu
يصرح المؤلفان بعدم وجود أي تضارب في المصالح.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.10
1. Kreibich,
H. et al. Nature 608, 80–86 (2022).
2. Ishtiaque,
A., Estoque, R. C., Eakin, H., Parajuli, J. & Rabby, Y. W. J. Environ.
Mgmt 303, 114246 (2022).
3. Thomas,
K. et al. WIREs Clim. Change 10, e565 (2019).
4. Nelson,
D. R. & Finan, T. J. Am. Anthropol. 111, 302–316 (2009).
5. Nelson,
D. R., Lemos, M. C., Eakin, H. & Lo, Y.-J. Environ. Res. Lett. 11,
094011 (2016).
6. Tellman,
B. et al. Nature 596, 80–86 (2021).
7. Wing,
O. E. J. et al. Nature Clim. Change 12, 156–162 (2022).
8. Nohrstedt,
D., Hileman, J., Mazzoleni, M., Di Baldassarre, G. & Parker, C.
F. Nature Commun. 13, 3360 (2022).
9. Berrang-Ford,
L. et al. Nature Clim. Change 11, 989–1000 (2021).
10. Eriksen,
S. et al. World Dev. 141, 105383 (2021).
11. Belury,
L. Geogr. Rev. https://doi.org/10.1080/00167428.20 22.2061858 (2022).
12. Eakin,
H. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 114, 186–189 (2017).
13. Ajibade,
I. J. & Siders, A. R. (eds) Global Views on Climate Relocation and
Social Justice: Navigating Retreat (Routledge, 2021).
14. Newell,
P., Srivastava, S., Naess, L. O., Torres Contreras, G. A. &
Price, R. WIREs Clim. Change 12, e733 (2021).
15. IPCC.
Climate Change 2022: Impacts, Adaptation, and Vulnerability. Working Group
II Contribution to the IPCC Sixth Assessment Report (eds Pörtner,
H.-O. et al.) (Cambridge Univ. Press, 2022).
16. Surminski,
S., Bouwer, L. M. & Linnerooth-Bayer, J. Nature Clim. Change 6,
333–334 (2016).
17. Huq,
S., Roberts, E. & Fenton, A. Nature Clim. Change 3, 947–949
(2013).
تواصل معنا: