الحمل يسبب بعضًا من الأنماط فوق الجينية المُرصودة
في الحمض النووي لدى كبار السن.
صايمة صديق
لا ينحصر الشبه بين الحمل وعملية تقدم العمر في
الأوجاع والآلام التي تُختبر في كلتا المرحلتين. فنمو طفل داخل الرحم يؤدي إلى تغيرات في توزيع واسمات
كيميائية محددة بالحمض النووي لدى المرأة الحامل، أي إلى تغيرات بيولوجية على
شاكلة السمات المميزة لتقدم العمر.
غير أنه مؤخرًا أظهرت دراسة
أن هذه الأنماط الكيميائية تعود إلى نقطة سابقة لها بعد عدة أشهر من الولادة. وهذا
الاكتشاف تدعمه نتائج أبحاث سابقة أُجريت على الفئران، ونتائج أولية لأبحاث أُجريت
على البشر2.
ولا عجب في أن الحمل له أثر موهِن
للصحة، غير أن ارتداد هذا الأثر وبطلانه كان "إلى حد ما مفاجئًا"، بحسب
ما يفيد كيران أودونِل، اختصاصي الصحة للفترة المحيطة بالولادة من جامعة ييِل في
مدينة نيو هايفن بولاية كونيتيكيت الأمريكية، وهو مؤلف مشارك في هذه الدراسة التي
نُشرت في الثاني والعشرين من مارس الماضي في دورية «سِل ميتابوليزم» Cell Metabolism.
حمض نووي شائخ
تُسمى هذه الواسمات
الكيميائية التي تناولتها الدراسة بالتحليل "مجموعات الميثيل"، وتضاف إلى
الحمض النووي في عملية تُسمى المثيَلة. وهذه الواسمات هي من السمات فوق الجينومية المُميزة
للحمض النووي، وتعمل على تُغيير النشاط الجيني دون إبدال الترميز الجيني. ويُمكن من
أنماط المثيَلة الاستدلال على "العمر البيولوجي" للمرء، وهو عمر يعكس
الإجهاد الفسيولوجي الذي يتعرض له المرء بمرور الزمن. وهذا العمر، وجدت دراسات أنه
أفضل من العمر الزمني؛ كمؤشر تنبؤي يمكن من خلاله توقع المشكلات الصحية مثل أمراض القلب
الوعائية الدموية3 والخرف4.
فبعكس العمر الزمني، "يتسم
العمر البيولوجي ببعض المرونة، فهو مؤشر صحة مرن، يمكن أن يشهد ارتفاعًا أو
انخفاضًا"، بتعبير فاديم جلاديشيف العالم المتخصص في الطب الحيوي من كلية هارفارد للطب في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس
الأمريكية، والذي نشر مع فريقه العام الماضي دراسة في دورية «سِل ميتابوليزم»2،
رصدت انخفاض العمر البيولوجي بعد الحمل في إناث الفئران، وأشارت إلى احتمالية أن
يكون للولادة تأثير مماثل بين إناث البشر، إذ تضاءل العمر البيولوجي للفئران في
الدراسة بانتهاء عدة عوامل إجهاد أخرى للجسم بخلاف الحمل.
تأثير السمنة
أكدت الدراسة الحديثة أيضًا
ما توصل إليه جلاديشيف وفريقه البحثي من أن تقدم العمر البيولوجي ينعكس مساره ولكن
ليس بالدرجة نفسها لدى جميع النساء الحوامل. فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة أودونِل
وفريقه البحثي أن من يصنفن بأنهن على أعتاب السمنة قبل الحمل تنخفض أعمارهن
البيولوجية في الأشهر الثلاثة التالية على الولادة بدرجة أقل مقارنة بنظرائهن
اللاتي يُصنفن على أنهم ذوات وزن "طبيعي" قبل الحمل. وفي الوقت نفسه، ينخفض
العمر البيولوجي أكثر بين من يقتصرن في إرضاع أطفالهم على الرضاعة الطبيعية مقارنة
بمن ترضعن أطفالهن ببديل اصطناعي أو تستخدمن مزيجًا بين هذا وذاك.
وبوجه عام، بعد الولادة، كان
العمر البيولوجي لدى بعض المشاركات في الدراسة أقل مقارنة بما كان عليه في أوائل
الحمل، وهو ما أكدته يوسين سوه، اختصاصية بيولوجيا الشيخوخة التي لم تشارك في
الدراسة من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، معقبة على ذلك بقولها" كان هذا
مما وجدته لافتًا".
أما قبل الحمل، فتجدر الإشارة،
إلى أن الباحثين في الدراسة، لم يعمدوا إلى قياس العمر البيولوجي للمشاركات خلال
تلك الفترة. من هنا، يقول أودونِل: "لا يمكننا أن نزعم أن هذه النتائج تنم عن
تأثير مجدد للشباب"، رغم أن البيانات توحي بذلك. ولهذا، يتطلع أودونِل إلى
متابعة الحالة الصحية للمشاركات في الدراسة مستقبلًا.
لا
داع للقلق
يرى
بعض الباحثين أنه من الصعب تأويل نتائج دراستي جلاديشيف وأودونِل. فمن ناحية، لا
شك أن أنماط المًثيلة تتغير خلال الحمل، لكن من ناحية أخرى، "سنكون مخطئين
إذا افترضنا أن الحمل هو عملية شيخوخة متسارعة"، بتعبير دينا دوبال، العالمة
المتخصصة في الطب والشيخوخة من جامعة كاليفورنيا في ولاية سان فرانسيسكو الأمريكية،
وهي ترى أن المثيًلة المرصودة خلال الحمل قد لا تُعد من العلامات المميزة للشيخوخة،
فلعلها – على النقيض- عملية تقف وراء التغيرات الكاسحة التي يتحتم على الجسم
المرور بها لدعم نمو جنين، ومن أمثلة هذه التغيرات تبدُل التعبير الجيني.
أما
سوه، فلا تجزم بصحة هذا الرأي، إذ تقول: "لا تزال المثيًلة من أقوى المؤشرات
على الشيخوخة البيولوجية".
ويرى
أودونِل أنه من الأهمية بمكان أن ننظر في مدى صحة وصف عملية بيولوجية قابلة
للارتداد كتلك بأنها من "الشيخوخة" في شيء. ويضيف: "في وقت نبدأ
فيه في التركيز على مرحلة الحمل بوصفها حقلًا جديدًا لأبحاث الشيخوخة، قد نحتاج
إلى تطوير تعابير ومصطلحات جديدة لهذا السياق ".
وختامًا،
نفيد بأن العلماء يرون أنه لا ينبغي التخوف من أي تقدم للعمر البيولوجي لعلاقة
بالحمل، وهو ما يوضحه جلاديشيف قائلًا: "نتحدث عن تغييرات تمس عامين أو ثلاثة
أعوام تقريبًا من العمر".
وتوضح
دوبال أن الحمل لا ينبغي تصويره على أنه مشكلة بيولوجية، حتى لمن لا تتعافين
تمامًا من آثاره من خلال إرضاع أطفالهم برضاعة طبيعية، قائلة: "رغم أن مزايا
الرضاعة الطبيعية عديدة، فانعدامها ليس بالمورط في ورطة خطيرة".
تحديثات
وتصحيحات
توضيح
نُشر في الخامس والعشرين من مارس 2024: حُدث هذا المقال لاستعراض أفكار دينا دوبال
عن عملية المثيَلة بصورة أوضح.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.110
References
1. Pham, H. et
al. Cell Metab. https://doi.org/10.1016/j.cmet.2024.02.016
(2024).
2. Poganik,
J.R. et al. Cell Metab. 35, 807–820.e5
(2023).
3. Samani,
N. J. & van der Harst, P. Heart 94, 537–539 (2008).
تواصل معنا: