مقالات

حصري: تحقيق يكشف زيف نتائج دراسة شهيرة حول التوصيل الفائق

نشرت بتاريخ 24 أبريل 2024

في 124 صفحة، يُفصِّل تقرير هذا التحقيق السري الذي أجرته جامعة روتشستر، وأفصحت عنه ضمن دعوى قضائية، مدى مخالفة رانجا دياس، مؤلف الدراسة، لممارسات النزاهة العلمية.

دان جارِيستو

الطلاب في حرم جامعة روتشِستر بولاية نيويورك الأمريكية
الطلاب في حرم جامعة روتشِستر بولاية نيويورك الأمريكية
Credit: Libby March/Bloomberg via Getty

رانجا دياس، الفيزيائي الذي تتمحور حوله فضيحة لزعمه ابتكار مركبات توصيل فائق عند درجة حرارة الغرفة، عمد إلى فبركة بيانات وتزييفها فضلًا عن ارتكاب سرقات علمية، بحسب ما أسفر عنه تحقيق طَلَبت جامعته إجراءه. وقد عثر فريق الأخبار بدورية Nature على تقرير التحقيق الصادم ضمن مستندات الدعاوى المرفوعة ضد دياس أمام القضاء.

التحقيقَ - الذي استمر لعشرة أشهر واختُتِم في الثامن من فبراير الماضي - أجرته مجموعةٌ مستقلّة من العلماء انتدبتهم جامعة روتشِستر في مدينة نيويورك الأمريكية، وتقصوا 16 ادعاءً موجَّهًا ضد دياس ليخلصوا في جميعها إلى أن الفيزيائي خالف على الأرجح ممارسات النزاهة العلمية. وتحاول الجامعة الآن فصل دياس، وهو عضو هيئة تدريس بعقد ثابت بها، قبل أن ينتهي التعاقد معه بنهاية العام الدراسي 2024-2025.

خرج التقرير الخاص بالتحقيق (طالِع المعلومات التكميلية له في المراجع) ومعه عدة مستندات أخرى إلى النور إثر دعوى قضائية رفعها دياس ضد الجامعة في شهر ديسمبر من العام الماضي. وكان دياس قد تقدم بشكوى إلى الجامعة على خلفية قرارها بإبعاده عن التدريس في شهر أغسطس الماضي، إلا أن الجامعة رفضت الاستماع إلى شكواه على أساس أنها "لا تمت بصلة لمبادئ الحرية الأكاديمية". وتَزْعُم دعوى دياس أن ذلك الرد غير منطقي. وامتنع مُتحدِّث باسم الجامعة عن التعليق على ملابسات الدعاوى القانونية الجارية وعلى الشؤون المتعلقة بطاقم الجامعة، إلى أنه شدد على أن الجامعة "تُدافع بقوة عن إجراءاتها".

كان فريق الأخبار بدورية Nature قد كَشف في شهر مارس الماضي تفاصيل بشأن تحريف دياس لبيانات، بهدف دعم زعمه بتحقيق ظاهرة التوصيل الفائق الفيزيائية عند درجة حرارة الغرفة في ورقتين بحثيتين نُشِرتا في دورية Nature 1،2 ثم سُحبِتا فيما بعد. كذلك كشف الفريق تفاصيل عن تحايل دياس على طلابه كي يظلّوا غير مُلمِّين بتلك البيانات (يجب التنويه إلى أن فريق الأخبار بمؤسسة Nature وفريق دورية Nature مستقلّان تحريريًّا عن بعضهما البعض). وبعد ذلك بفترة وجيزة، نَشرت جريدة «وول ستريت جورنال» Wall Street Journal تقريرًا يفيد بأن التحقيق الذي أُجرِي في الجامعة وجد أدلًة على مخالفات ارتكبها دياس لممارسات النزاهة العلمية.

ومؤخرًا، سنح لفريق الأخبار بدورية Nature أن يكشف تفاصيل ذلك التحقيق. وتبيّن المستندات التي تقدمت بها جامعة روتشِستر إلى محكمة مقاطعة مونرو العليا أن التحقيق أمَرَت بإجرائه مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية (NSF)، وهي إحدى كبرى الجهات الممولة للأبحاث الأكاديمية في الولايات المتحدة وكانت قد منحت دياس عام 2021 منحة «كارير» CAREER المرموقة التي تبلغ قيمتها 790 ألف دولار أمريكي. وقد ظهرت نتائج التحقيق بعد أن رَفَض مكتب المفتش العام للمؤسسة في وقت سابق أن يُدلي لفريق الأخبار بدوريةNature  بتعليقات حولها وحول الإجراءات التي تعتزم المؤسسة القيام بها.

بيد أن التقرير سالف الذكر، والذي جاء في 124 صفحة، أتى ليقدم سردًا مذهلًا لممارسات الخداع التي اقترفها دياس في ورقتيه البحثيّتين المنشورتين في دورية Nature، بجانب ورقتين أخرتين -سُحبتا فيما بعد أيضًا- نُشِرت إحداهما في دورية «كيميكال كوميونيكيشنز» Chemical Communications3 والأخرى في دورية «فيزيكال ريفيو ليترز» Physical Review Letters (PRL)4. وقد زعم دياس في الورقتين المنشورتين في دورية Nature أنه توصل إلى آلية لتحقيق التوصيل الفائق عند درجة حرارة الغرفة (أي لتحقيق انعدام المقاومة الكهربية عند درجات الحرارة المحيطة العادية)، وذلك أولًا في مركب مكوَّن من الكربون والكبريت والهيدروجين (CSH)1، ثم في مركب تبيّن في النهاية أنه يتكون من اللوتيشيوم والهيدروجين (LuH)2.

يأتي التقرير ليختتم سنوات من الادعاءات والتحليلات، ويَعرض توثيقًا ممنهجًا لتضليل دياس المتعمَّد للمؤلفين المشاركين معه في الأوراق البحثية ومحرري الدوريات العلمية والمجتمع العلمي. ووصف متحدث باسم الجامعة التحقيق بإنه "منصف ومتُعمِّقَ" وبأنه خلص إلى النتيجة الصائبة.

لم يَرُد دياس على طلبنا بالتعليق على المسألة، وأخبر محاميه فريق الأخبار بدورية Nature أن يرجعوا إلى المستندات المقدَّمة مع الدعوى، وفي أحدها يقول دياس: "من الضروري أن نُؤكِّد من جديد على صحة الأسس التي يقوم عليها هذا البحث العلمي وعلى سلامته العلمية وسط الانتقادات والاتهامات".

ثلاث تحقيقات سابقة!

حين أمَرَت مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية بإجراء تحقيقٍ لم تكن تلك المرة الأولى التي تتقصى فيها الجامعة احتمالية وجود إشكالات تعتري أبحاث دياس. فبين عامي 2021 و2022 أجرت الجامعة ثلاثة "استقصاءات" مبدئية بخصوص ورقة بحثية منشورة للفيزيائي في دورية Nature حول مركب 1CSH، ويكشف التحقيق عن بعض تفاصيلها الآن. وكان من ضمن النتائج التي أمكن أن يخلص إليها كل من هذه الاستقصاءات ضرورة إجراء تحقيق شامل لتحري عدم ارتكاب مخالفات للنزاهة العلمية إلا أن أيًا من الاستقصاءات الثلاثة لم يخلص إلى ذلك.

أُجري التحقيق الأول بعدما أرسل هورهي هيرش، وهو عالم في نظريات المواد المكثَّفة بجامعة كاليفورنيا بسان دييجو، عدة شكاوى إلى جامعة روتشِستر. وعليه، طلبت الجامعة من مراجع خارجي ومن ثلاثة مراجِعين – لم يُفصح عن هويتهم - من طاقمها  التحقيق في مزاعم هيرش. وتشير المعلومات الواردة في التقرير إلى أن المراجع الخارجي هو مادوري سومايازولو، الفيزيائي بمختبر آرجون الوطني في ليومنت بولاية إلينوي الأمريكية.

ادعى هيرش وجود إشكالات في ما تورده الورقة البحثية من بيانات حول قابلية مركبات بعينها للتأثر بالمجالات المغناطيسية، وهي بيانات شديدة الأهمية في دعم دياس لزعمه بأن مركب CSH يتمتع بالقدرة على التوصيل الفائق عند درجة حرارة الغرفة. واختتم الاستقصاء في التاسع عشر من يناير عام 2022 وخلص إلى أنه "لا توجد أدلة ذات مصداقية تستدعي مواصلة التحقيق".

أما الاستقصاء الثاني فقد حركه ديرك فان دير ماريل رئيس تحرير دورية «فيزيكا سي» Physica C، وهي دورية مختصة بأبحاث التوصيل الفائق، إذ بعث إلى الجامعة بتخوفاته بخصوص بيانات مركب CSH ذاتها، وذلك في العشرين من يناير عام 2022، أي بعد يوم واحد فقط من انتهاء الاستقصاء الأول. فتولى مُراجِع آخر المهمة وخلص في السادس من إبريل من العام نفسه إلى عدم وجود حاجة لإجراء تحقيق رسمي. وراجَع العمل البحثي مُراجِع ثانٍ تبين – استنادًا إلى معلومات تشي بهويته في التقرير - أنه راسِلْ هيملي، وهو فيزيائي من جامعة إلينوي بولاية شيكاجو الأمريكية. ورغم أن المراجِعَيْن لم يؤيدا فكرة فتح تحقيق آخر إلى أنهما أشارا إلى إن الورقة البحثية "توشك أن تكون مضللة نتيجةً لإسقاطها عددًا من التفاصيل" وأوصيا بإضافة ملحق بالأخطاء الواردة بالورقة (وهو ما لم يحدث).

يَذكر تحقيق جامعة روتشستر أن مُراجِعَيْن اثنين -وهما على ما يبدو سومايازولو وهيملي- تعاونا مع دياس في عدة ورقات بحثية من بينها دراسة5 تتناول خواص مركب CSH نُشِرَت عام 2021، وتنص لوائح الجامعة بشأن مخالفات النزاهة الأكاديمية على أنه يجب ألا يشارك في التحقيقات "أي فرد تتضارب مصالحه الشخصية أو المهنية أو المالية مع وقائع التحقيق".

وقد أنكر متحدث باسم مختبر آرجون أن سومايازولو كان من المراجعين في الاستقصاء، لكنه لم يَرَد حين سُئلَ عن سبب إشارة تعليق مُذيِّل في التحقيق إلى تقرير سومايازولو ضمن مراجعة مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية 2020 (CSH)"، كما لم يوضح هيملي إذا ما كان من مراجعي الاستقصاء.

أجرى فريق دوريات Nature تحقيقه الخاص بشأن الورقتين البحثيتين المعنيتين بمركب CSH مستعينًا في ذلك بمراجعين مستقلين، ووجد اثنان منهما أدلة تفيد بأن بيانات التأثر بالمغناطيسية كانت مفبركة على الأرجح. وحين أشارت الدورية إلى أنها ستسحب الورقة البحثية، بالتزامن مع ورود شكوى أخرى من هيرش، قررت الجامعة إجراء استقصاء ثالث. ورغم أن المُراجَع الوحيد الذي عُيِّن لهذا الاستقصاء- وهو ذات المراجع الذي لم تُكشَف هويته من الاستقصاء الثاني- كان بوسعه الاطلاع على نتائج تحقيق دورية Nature، إلا أنه خلص في التاسع عشر من أكتوبر عام 2022 إلى أن أي سمات غريبة في البيانات يُمكن أن تُعزى إلى أسلوب معالجتها وأنه لا حاجة لإجراء تحقيق.

حول ذلك، يقول بيتر أرميتاج، وهو عالم تجريبي في مجال المواد المكثَّفة من جامعة جونز هوبكنز في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية، إن استقصاءات الجامعة "يُتوقع أن تصبح المثال الذي يُعطى عند الحديث عن الأسلوب الخاطئ للقيام بإجراء من هذا النوع".

قيد التحقيق

أرغَمَت مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية في النهاية جامعة روتشِستر على إجراء تحقيق شامل للبت فيما إذا كانت مخالفات للنزاهة العلمية قد ارتُكبت في العمل البحثي. ففي شهر أكتوبر من عام 2022، أرسل جيمس هاملِن، وهو فيزيائي من جامعة فلوريدا في جينزفيل، بمخاوفه التي تخص أبحاث دياس إلى المؤسسة، والتي شملت "وجود فوارق في البيانات لا يُمكن أن تُعزى إلى أسلوب معالجتها"، وهذا وفق رسالة أرسلتها مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية في السادس عشر من شهر مارس عام 2023 إلى ستيفن ديوهيرست الذي كان حينها نائب رئيس الجامعة المؤقت لشؤون البحث العلمي.

وفي غضون أسابيع معدودة، كوَّن ديوهيرست لجنة من ثلاثة فيزيائيين من خارج الجامعة "لضمان أن يحظى هذا التحقيق بمصداقية"، والفيزيائيون الثلاثة هم ماريوس مِيوّه وبيتر سيلييرز، اللذان يعملان في مختبر لورانس ليفرمور الوطني بولاية كاليفورنيا، وماركوس نودسون الذي يعمل في مختبرات سانديا الوطنية في ألباكركي بولاية نيو ميكسيكو.

بالإضافة إلى ذلك، طلب فريق الأخبار بدورية Nature من عدة باحثين متخصصين في أبحاث التوصيل الفائق أن يُراجعوا التقرير الخاص بتحقيق الجامعة. وقد أبدوا في البداية تحفظًا إزاء من اختارتهم الجامعة ليكونوا أعضاء اللجنة، إذ إن الباحثين الثلاثة متخصصون في فيزياء الموجات الصدمية لا التوصيل الفائق، وعلاوة على ذلك فإن مِيوّه وسيلييرز كانا مؤلفين مشاركين في ورقة مراجعة بحثية شارك بها 27 مؤلفًا منهم دياس ونُشِرت في وقت سابق من هذا العام6.

غير أن هذه التخوفات تلاشت ما إن قرأ الباحثون التقرير، وعن ذلك يقول أرميتاج: "تملكني ذهول صاعق". أما بول كانفيلد، الفيزيائي من جامعة أيوا في إيمز، فيقول: "يُتوقع أن تكون هنالك كلمة ألمانية مناسبة تتكون من 50 حرفًا تَجمع المعنَيَيْن "مثير للإعجاب" و"محبط" في آن واحد" كي نصِف بها التقرير. ويؤيده في الرأي براد رامشو الفيزيائي من جامعة كورنِيل في إيثاكا بولاية نيويورك، والذي أضاف: "لقد بذلوا الكثير من الوقت، وعلى المجتمع العلمي بكامله أن يكون ممتنًا لأنه لدينا زملاء مستعدون لأن يبذلوا كل هذا الجهد".

ولم يَرُد المحققون الثلاثة على طلبنا بالتعليق على الأمر.

حصَلَت لجنة التحقيق خلال سير أعمالها على سجلات تشمل بيانات من أقراص صلبة لحواسيب ورسائل بريد إلكتروني ودفاتر مكتوبة، وأجرت مقابلات مع عشرة أفراد لهم صلة بالقضية، من ضمنهم دياس وطلاب سابقون لديه، كما اجتمع أفرادها للمداولة فيما بينهم 50 مرّةً على الأقل.

ومن اللافت أن المحققين اتفقوا مع نتائج التحليلات السابقة التي توصل إليها فان دير مارِل وهاملِن ورامشو الذين وجدوا جميعًا أدلة ظاهرةً على أن دياس فبرك بيانات التأثر بالمغناطيسية في الورقة البحثية الخاصة بمركب CSH.

ويوضح التقرير فداحة مخالفات النزاهة العلمية التي اقتُرفت، فأولًا فبرك دياس بيانات مركب CSH ونَشَرها. بعد ذلك، حين بدأ مصدر هذه البيانات يصبح محل شك وتمحيص، نَشَر دياس ومعاونه، المؤلف المشارك معه بالدراسة أشكان سلامات، وهو فيزيائي بجامعة نيفادا بلاس فيجاس، مجموعة من البيانات الأولية المفبركة أيضًا.

وظلت التساؤلات بخصوص الفوارق بين البيانات الأولية وتلك المنشورة تتوالى، فابتكر دياس تبريرًا لذلك وادعى أنه استخدم أسلوبًا معقَّدا لمعالجة البيانات المنشورة، ووفقًا لما كتبته لجنة التحقيق في تقريرها، أضفى هذا التبرير "مظهرًا من المصداقية بأن وَجَّه أنظار المنتقدين صوب أساليب لإزالة ضوضاء الخلفية في البيانات" عوضًا عن التركيز على البيانات الأولية الخام.

ولم يرد سلامات على طلبنا بالتعليق على هذه المسألة.

رحلة البحث عن الحقيقة

على مدار التحقيق، كان من الممكن لدياس في أي لحظة أن يبدد كثيرًا من الادعاءات بحق ورقته البحثية إذا قدَّم البيانات الأولية الحقيقية التي استخدمها، أي المأخوذة مباشرة من أجهزة القياس والتي تحوي بيانات مثل الختم الزمني للعينة. وردًا على النتائج التي توصل إليها التحقيق قال دياس: "عدم تقديم ملفات بيانات أولية بعينها لا يعني بالضرورة عدم وجودها مطلقًا ولا يفيد بعدم اتباعي لممارسات النزاهة العلمية". غير أن تقرير التحقيق يذكر أنه وَعَد بتقديم البيانات الأولية عدة مرات لكنه لم يفعل ذلك مطلقًا.

ووجد التحقيق أن دياس ضلل عمدًا في أكثر من واقعة زملاءه والمتعاونين معه فيما يخص مصدر البيانات. ومن خلال المقابلات التي أجراها المحققون، توصلوا إلى أن دياس أخبر شركاءه في جامعة نيفادا في لاس فيجاس بأن القياسات أُخِذَت في جامعة روتشِستر، بينما أخبر شركاءه في جامعة روتشستر أن القياسات أُخِذَت في جامعة نيفادا في لاس فيجاس.

كما أن دياس كذب على الدوريات التي نشرت أبحاثه. ففي حال الورقة البحثية المسحوبة، التي كان قد نُشِرها في في دورية «فيزيكال ريفيو ليترز» Physical Review Letters (PRL)4، والتي تناولت الخواص الكهربية لثنائي كبريتيد المنجنيز، أجرت الدورية تحقيقها الخاص وتوصلت إلى ارتكاب دياس فبركة ظاهرة للبيانات وإلى أنه حاول "محاولة متعمدة عرقلة سير التحقيق" من خلال إعطاء المراجعين بيانات محرَّفة عوضًا عن البيانات الأولية. وكذلك أكَّدت لجنة المحققين الذين انتدبتهم جامعة روتشِستر ما توصلت إليه الدورية من أن دياس أخذ بيانات المقاومة الكهربية لرباعي سيلينيد الجرمانيوم من أطروحة نيل الدكتوراه الخاصة به، وأرسلها إلى الدورية على أنها تخص ثنائي كبريتيد المنجنيز، والمادتان مختلفتان تمامًا ولهما خواص مختلفة (طالع الشكل تحت عنوان "تشابه غريب"). وحين سألته لجنة المحققين عن ذلك أرسل إليها دياس البيانات المُحوَّرة ذاتها التي كان قد أرسَلَها إلى دورية «فيزيكال ريفيو ليترز» Physical Review Letters (PRL).

ويتضح بجلاء كيف حرَّف دياس البيانات في ما توصل إليه التقرير بخصوص الورقة البحثية التي تتناول مركب LuH2. فبمساعدة طلاب دياس السابقين، تمكّنت لجنة التحقيق من الوقوف بدقة على البيانات الأولية في أقراص صلبة صادرة عن مختبر دياس، وأظهرت هذه البيانات أن دياس حذف بشكل متكرر بيانات بعينها كي يُخفي "انخفاضات وارتفاعات مفاجئة في المقاومة الكهربية في البيانات عن هذه الظاهرة، ووجود هذه العلامات كان من شأنه أن يقوّض مزاعم تحقيق التوصيل الفائق لمركب LuH"، بحسب ما جاء في بيان لجنة التحقيق.

ووجدت اللجنة أن دياس قد "كذب مرارًا وتكرارًا" بخصوص بيانات ورقته البحثية خلال مراجعة دورية Nature للورقة بعدما بدأت الشكوك تظهر. وربما يكون المثال الأكثر فداحة على مخالفته النزاهة العلمية، هو واقعة يشير إليه التقرير بأنها تنطوي على "تحريف مكثف" للبيانات، وذلك حين عَكَس دياس مجموعة من القياسات الخاصة بمركب LuH كي يبدو أن المركب يُظهِر تأثير مايسنر، وهو تغيّر حاد في الخواص المغناطيسية للمادة ويمثل أحد العلامات المميزة للتوصيل الفائق. ويذكر التقرير أنه في السابع والعشرين من أغسطس عام 2022، أخبَر ساتشِث ديساناياكي - أحد المؤلفين المشاركين العاملين مع دياس والذي كان حينها عضو هيئة تدريس في روتشِستر- دياس بأن البيانات قد جرى التلاعب بُها بشكل غير مقبول، غير أن دياس تجاهل هذا التحذير. وفي رده على التقرير، قال إن ديساناياكي لم يفهم البيانات فهمًا صحيحًا. ولم يَرُد ديساناياكي على طلبنا بالتعليق.

لعبت هذه البيانات المحوَّرة دورًا رئيسيًا في قبول تلك الورقة البحثية للنشر، وخلصت لجنة التحقيق إلى أن دياس اختلق البيانات "كي يُقنِع محرري دورية Nature ومحكِّمي قبل النشر أن مركب LuH يتمتع بقدرة فائقة على التوصيل عند درجة حرارة الغرفة".

وكانت تقارير سابقة في مجلة «فيزيكس ماجازين» Physics Magazine ودورية «ساينس» Science قد أوردت مزاعم بارتكاب دياس لسرقات علمية متوالية، من بينها أنه نقل نصًّا أكثر من 20% من أطروحته التي قدمها عام 2013 من مصادر أخرى. وكشف تحقيق جامعة روتشِستر عن واقعة أخرى أحدث. ففي الثلاثين من شهر يوليو من عام 2020، رفَع باحثون من بينهم زملاء لدياس من جامعة روتشستر مسودة ورقة بحثية7 على خادوم آركايف arXiv للمسودات البحثية. وبعد ذلك باثني عشر يومًا، تقدم دياس بمقترح بحثي لنيل منحة من مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية اشتمل على فقرتين منقولتين نصًّا من تلك المسودة، بالإضافة إلى شكلين توضيحيين متطابقين. وهذا المقترح هو الذي حصل بفضله دياس لاحقًا على منحة «كارير» من الوكالة. وفي رده على التحقيق، أقر دياس بذلك، قائلًا: "ثمة حالات أغفِلَت فيها الإشارة إلى المَراجع سهوًا".

 

المرافعة الختامية

أرسلت لجنة التحقيق إلى دياس نسخة من مسودة تقريرها في الثاني والعشرين من ديسمبر العام الماضي. وفي ردٍ من جزئين امتد لمئات الصفحات وكُشِف عنه في الدعوى القضائية، هاجم دياس خبرات المحققين ونزاهتهم، كما أصر على أن أسلوب المحققين تَظهر عليه "سمات يمكن أن نراها أحيانًا في عالَم نظريات المؤامرة" وأنه "يفتقر إلى أساس منطقي مُحكم". وبالإضافة إلى ذلك يدّعي دياس أن سلامات أقنع طلابًا سابقين للأول بأن يعارضوه حين أرسلوا إلى دورية Nature رسالة يطلبون فيها سحب الورقة البحثية الخاصة بمركب LuH. لكن ما حدث هو العكس، إذ كان فريق الأخبار بدورية Nature قد نَشر في وقتٍ سابقٍ تقريرًا يفيد بأن الطلاب هم من بادروا بإرسال الرسالة.

ولم يُقدِّم دياس مطلقًا في رده البيانات الأولية التي طلبتها لجنة التحقيق. وفي تقريرها النهائي، ترد لجنة التحقيق على اتهامات دياس قائلة إن "استحضار تفسيرات منمقة لتفسير إسقاط تلك البيانات ومن ثم تبرير ذلك لا يُغير من نتائج لجنة التحقيق ولا منطقها".

وخلصت اللجنة في النهاية إلى أن الطلاب في جامعة روتشِستر والباحث ديساناياكي لا يستحقون اللوم وإنما هم ضحايا. فمع أنه لم يسنح لها الوصول إلى عدد من الموارد المتاحة في جامعة نيفادا في لاس فيجاس كي تبرئ ساحة أولئك الباحثين – ومن بينهم سلامات -  خلصت إلى أنهم خُدِعوا بدورهم ولم تعثر على "أدلة قوية تدل على ارتكابهم لمخالفات"

ونتيجة لما توصلت إليه لجنة التحقيق، أوصت بأنه ينبغي عدم السماح لدياس بالتدريس ولا بإجراء أبحاث يمولها القطاع العام أو الخاص، وأضافت: "الأدلة التي كشف عنها هذا التحقيق تبيّن أن دياس لا يمكن الوثوق به".

تربط مؤلف هذا المقال الإخباري صلة بروبرت جاريستو، رئيس تحرير دورية «فيزيكال ريفيو ليترز»Physical Review Letters (PRL) ، لكنهما لم يتواصلا بخصوص هذا المقال.

 

*هذه ترجمة لمقال منشور في دورية Nature بتاريخ 6 مارس 2024

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.130


1. Snider, E. et al. Nature 586, 373–377 (2020); retraction 610, 804 (2022)

2. Dasenbrock-Gammon, N. et al. Nature 615, 244–250 (2023); retraction 624, 460 (2023).

3. Smith, G. A. et al. Chem. Commun. 58, 9064–9067 (2022); retraction 60, 1047 (2024).

4. Durkee, D. et al. Phys. Rev. Lett. 127, 016401 (2021); retraction 131, 079902 (2023).

5. Lamichhane, A. et al. J. Chem. Phys. 155, 114703 (2021).

6. Tabak, G. et al. Phys. Rev. B 109, 064102 (2024).

7. Pant, A. et al. Preprint at https://doi.org/10.48550/arXiv.2007.15247 (2020).