دراسة بمشاركة باحثين مصريين تكشف عن تأثيرات متعددة للفقر على الصحة العقلية وتطور الدماغ
محمد السيد علي
كشفت
دراسة حديثة أن الفقر والمكانة الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة من العوامل
الرئيسية المؤثرة على الصحة العقلية، والأداء الدراسي، والتطور المعرفي.
قدم الباحثون
أول إطار موحد يربط التغيرات الدماغية الناتجة عن انخفاض الحالة الاقتصادية
والاجتماعية بالعواقب السلوكية والمرضية والتنموية بشكل مباشر، وفق دراسة نشرتها دورية
"ريفيوز إن ذا نيوروساينسز" (Reviews in the Neurosciences).
"تكتسب
نتائج دراستنا أهميةً كبيرة؛ فهي تبرز تأثير الفقر والوضع الاجتماعي والاقتصادي،
ليس فقط على ظروف عيش الأفراد، بل أيضًا على نموهم المعرفي، وصحتهم العقلية،
وفرصهم المستقبلية"، وفق عيد أبو حمزة، أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية
والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة العين بدولة الإمارات، وكلية التربية بجامعة
طنطا في مصر.
أوضح
"أبو حمزة" في تصريحاته لـ"نيتشر ميدل إيست" أنه من خلال فهم
هذه العلاقات، يمكن للمجتمع التصدي بفاعلية لأوجه عدم المساواة، ودعم مَن يعانون
من الحرمان، ما قد يسهم في تطوير تدخلات قادرة على كسر دائرة الفقر.
إطار
موحد
وبحثت دراسات سابقة تأثير
الفقر وانخفاض المكانة الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى عوامل بيئية مثل التلوث على أجزاء من الدماغ، وكذلك على
السلوكيات مثل التحصيل العلمي، وتطور اللغة، وظهور الاضطرابات النفسية، ومع ذلك،
لم تتمكن هذه الدراسات من دمج النتائج السلوكية والتعليمية والعصبية في إطار
تحليلي موحد.
وخلال
الدراسة، قدم الفريق إطارًا موحدًا حول كيفية تأثير الفقر وانخفاض الحالة
الاجتماعية والاقتصادية على الدماغ والسلوك، استنادًا إلى مراجعة واسعة النطاق
للأدبيات.
وبحثت
الدراسة الآثار السلبية لسوء التغذية، والإجهاد المزمن، والمخاطر البيئية مثل
التلوث وظروف السكن غير الملائمة، والتي من المرجح أن تؤثر على الأسر ذات الوضع
الاقتصادي الاجتماعي المنخفض.
تأثيرات
الفقر
كشفت
الدراسة عن تأثيرات متعددة للفقر على الصحة العقلية والتطور الدماغي، أبرزها تأثير
سوء التغذية وارتفاع التوتر -الناتجَين عن الفقر- على نمو مناطق دماغية حيوية مثل
الحصين، الأمر الذي يضر بالذاكرة والتعلم.
وأظهرت
النتائج أن الفقر يرتبط بالسمنة التي تؤدي إلى تدهور الوظائف الإدراكية، وتؤثر
سلبًا على التطور النمائي والعقلي، مما يزيد من خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية.
وتبيَّن
أن الأطفال الذين ينشؤون في بيئات فقيرة يعانون تأخرًا في التطور المعرفي والعاطفي
بسبب التغيرات الدماغية، ما يعوق تقدمهم الأكاديمي وتطور اللغة.
وأكدت الدراسة
أن الظروف البيئية السيئة والإجهاد المزمن عوامل تعزز خطر الإصابة بأمراض عقلية
مثل الاكتئاب والقلق، ما يزيد التحديات التي يواجهها الأفراد في المجتمعات ذات
الدخل المنخفض.
تدخلات
يقول
"أبو حمزة": تؤكد النتائج الحاجة إلى تدخلات تستهدف تخفيف تأثير الفقر
على نمو الدماغ، مثل تحسين الظروف المعيشية، وتقليل المخاطر الاجتماعية والبيئية،
وتوفير برامج تعليمية وخدمات صحية عقلية، والاهتمام بالتنمية المعرفية والعاطفية
منذ الطفولة.
ونوَّه
بدور صُنّاع السياسات في تطوير سياسات تعالج الفقر والعجز التعليمي، من خلال دعم
برامج المساعدات الغذائية، وتحسين الرعاية الصحية للأسر ذات الدخل المنخفض، وتصميم
سياسات تعليمية تدعم الطلاب من خلفيات اقتصادية واجتماعية منخفضة لتحسين التحصيل
الدراسي وتقليل التسرب، بالإضافة إلى تعزيز سياسات تحسين الظروف المعيشية والصحية
في الأحياء الفقيرة لتقليل المخاطر الاجتماعية والبيئية.
من جهته،
يقول محمد سلامة، الأستاذ المشارك في معهد الصحة العالمية والبيئة البشرية
بالجامعة الأمريكية في القاهرة: ما يميز هذه الدراسة هو دمج تأثيرات مثل الفقر
والوضع الاجتماعي والاقتصادي، إلى جانب العوامل البيولوجية -بما في ذلك الجينات-
على الصحة العقلية، بهدف تحقيق فهم أعمق ونظرة أشمل للعوامل المؤثرة على صحة
الدماغ.
يؤكد
"سلامة" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": أن هذا النهج
المتكامل يفتح آفاقًا جديدةً لإجراء دراسات على أرض الواقع، بمشاركة أجناس متعددة،
للبحث في تحديد الآليات وعوامل الخطورة، التي من خلالها تؤثر الظروف الاقتصادية
والاجتماعية -بالتفاعُل مع العوامل الوراثية والبيئية- على الصحة النفسية
والعقلية.
تواصل معنا: