إحساس
الدماغ بمرور الوقت قد يتأثر بملامح المشاهد التي يتأملها كحجم المشهد وامتلائه
بالتفاصيل.
ليلي توزر
إن كيفية معالجة أدمغتنا للمعلومات المرئية، وكذلك إحساسها بالزمن،
تتأثر تأثرًا شديدًا بما نتأمله، بحسب ما توصلت إليه دراسة.
ففي التجربة التي أجرتها الدراسة، اختلف إدراك المشاركين بها لمقدار الوقت الذي استغرقوه
في النظر إلى صورة معينة باختلاف حجمها أو اختلاف درجة تكدسها بالتفاصيل، أو مدى احتمالية
تذكر محتواها. ومالوا بدرجة أكبر إلى تذكر
للصور التي ظنوا أنهما أطالوا النظر إليها لوقت أطول.
تكشف هذه النتائج، التي نُشرت في الثاني
والعشرين من أبريل الماضي في دورية «نيتشر هيومان بيهيفيور» Nature Human Behaviour،
أسرارًا جديدة حول كيفية استشعار الأشخاص للوقت والكيفية التي يسجل وعيهم بها مروره.
"لما ينيف على الخمسين عام، استقر في علمنا أن الأشياء التي تُعرض
بموضوعية على الأشخاص لمدة أطول على الشاشات، هي التي يتذكرونها بدقة أكبر"،
هكذا يقول مارتن وينر، المتخصص في علم الأعصاب الإدراكي بجامعة جورج مايسون في
فيرفاكس بولاية فيرجينيا، والذي شارك في تأليف الدراسة. ويسترسل وينر قائلًا:
"أما هذه الدراسة، فهي تظهر للمرة الأولى أن الأشخاص يتذكرون جيدًا المواقف
التي بدا لهم أنهم تعرضوا لها لوقت أطول".
الإحساس بالوقت
أظهرت البحوث أن إدراك الإنسان للوقت يرتبط ارتباطًا فطريًّا بحواسه.
و"بالنظر إلى أننا لا نملك عضوًا حسيًّا مخصصًا لتشفير الزمن، فإن أعضاءنا
الحسية كافة تتولى في واقع الأمر نقل المعلومات الزمنية"، بحسب ما جاء عن
فيرجيني فان واسينهوف، اختصاصية علم الأعصاب الإدراكي بجامعة باريس ساكلي في إيسون
بفرنسا.
وكانت دراسات سابقة قد توصلت إلى أن
السمات الأساسية للصور، مثل ألوانها وتباين الضوء بها، يمكن أن تؤثر في إدراك
الأشخاص للوقت المنقضي في مشاهدتها. وأما في هذه الدراسة التي نحن بصددها، فقد شرع
الباحثون في تقصي ما إذا كانت سمات دلالية رفيعة للأشياء، مثل قابليتها لأن تنطبع في
الذاكرة، يمكن أن يكون لها التأثير نفسه.
في بادئ الأمر، أنشأ الباحثون مجموعة مكونة من 252 صورة، متنوعة من
حيث حجم مشاهدها ومقدار التفاصيل بها، ثم وضعوا اختبارات لقياس ما إذا كانت هاتان
السمتان قد أثرتا في إحساس المشاركين بالوقت المنقضي في مشاهدة الصور، وعددهم 52
مشاركًا. وضمت تلك المجموعة من الصور على
سبيل المثال، صورة تعرض خزانة ممتلئة بالأشياء تُعرّف لمتأملها على أنها أصغر من صوة
أخرى لمخزن بضائع فارغ وفي الوقت نفسه أكثر امتلاءً بالتفاصيل. وقد عُرضت كل الصور
على المشاركين لأقل من ثانية، ثم طُلب منهم تقييم وقت عرض صور بعينها على أنه إما
"طويل" أو "قصير".
وعند تأمل المشاهد الأكبر حجمًا أو الأقل تكدسًا بالتفاصيل، زاد
احتمال اختبار المشاركين لشعور بتمدد الزمن، بمعنى الشعور بأنهم شاهدوا الصورة
لمدة أطول من المدة الفعلية. ونتج لديهم شعور بالعكس - بتقلص الزمن - عند مشاهدة الصور
الأصغر حجمًا والأكثر تفاصيلًا.
وقد أشار الباحثون إلى تفسيرين محتملين لهذا الشعور المُحرف بالوقت؛
أحدهما يفترض أن المشهد المكدس
بالتفاصيل البصرية يُدرك على أنه أصعب في التنقل
عبر تفاصيله، فيما يذهب التفسير الآخر إلى أن هذا التكدس يخل بقدرتنا على تمييز
الأشياء، مما يصعب على أذهاننا تشفير المعلومات البصرية. وهكذا قد تؤدي كلتا الصعوبتين
إلى الشعور بأن الزمن يتقلص.
مشاهد جديرة بتذكرها
أراد الباحثون تقصي هل الصور الجديرة بتذكرها يمكن أن يكون لها
تأثير على الشعور بمرور الوقت، فراحوا يعرضون على 48 مشاركًا مجموعة قوامها 198
صورة، بعدما عمدت شبكة عصبية إلى تقييم مدى قابلية هذه الصور لأن تنطبع في الذاكرة.
وكنتيجة، لدى مشاهدة صور أكثر قابلية لأن تنطبع في الذاكرة، لم يختبر المشاركون
شعور التمدد الزمني سالف الذكر وحسب ، بل زاد أيضًا احتمال تذكرهم لهذه الصور في
اليوم التالي.
بعد ذلك، عُرضت الصور على نموذج شبكة عصبية يحاكي جهاز الإبصار
البشري، أمكنه معالجة المعلومات على فترات ممتدة، بعكس الشبكات الأخرى التي لا
تستوعب البيانات إلا مرة واحدة. وعالج النموذج الصور المحتمل بدرجة أكبر أن تنطبع
في الذاكرة على نحو سريع قياسًا إلى الصور المحتمل بدرجة أقل أن تسجلها الذاكرة. وربما
كانت عملية مماثلة في الدماغ البشري مسؤولة عن الشعور الناتج بتمدد الزمن عند
مشاهدة الصورة الجديرة بتذكرها، كما يقول وينر، الذي أضاف قائلًا: "يشير هذا
إلى أننا نعتمد على الوقت في تجميع المعلومات عن العالم المحيط بنا، وعندما تقع
أعيننا على شيء جدير بالأهمية، يتنامى شعورنا بمرور الوقت في سعينا إلى جمع المزيد
من المعلومات عن هذا الشيء". وتُضاف هذه النتائج إلى مجموعة من الأدلة
المتضافرة التي تشير إلى وجود علاقة طردية بين احتمالية تذكر الأشياء وزيادة معالجة
الدماغ لها، بحسب فان واسينهوف.
وتظل التساؤلات للوقوف بدقة على كيفية إدراك الأشخاص للوقت وكيفية
تفاعل هذا الإدراك مع الذاكرة قائمة. فيقول وينر: "لا تزال هناك قطع مفقودة
في الأحجية". ويضيف أن الخطوة التالية سوف تتمثل في التأكد من صحة النتائج من
خلال تكرار التجربة على عينة أكبر من المشاركين، وفي تحسين نموذج جهاز
الإبصار. ومن جانبها ترى فان واسينهوف أن
الدراسات المستقبلية يمكنها الاستعانة بالتصوير العصبي في دراسة نشاط الدماغ أثناء
اختبارات الإدراك. وأخيرًا، يتطلع وينر إلى التحقق مما إذا كان من الممكن تحفيز
الدماغ صناعيًّا لتغيير الطريقة التي يعالج بها الوقت والذكريات.
تواصل معنا: