نجاح أول جراحة زرع كلية خنزير في شخص: ما دلالاتها؟
نشرت بتاريخ 17 مايو 2024
بسبب المؤشرات المبكرة على نجاح هذه الجراحة،
تحدو بعض الباحثين آمال في الشروع عما قريب في تجارب إكلينيكية لاستزراع أعضاء
أجنبية مستمدة من حيوانات.
سمريتي مالاباتي وماكس كوزلوف
المؤشرات المبكرة على نجاح أول جراحة لزراعة
كلية خنزير في جسم شخص حي بعثت آمالًا لدى بعض الباحثين في إجراء تجارب إكلينيكية أوسع نطاقًا لاستزراع أعضاء الخنازير. وهذه التجارب قد تدخِل زراعة "الأعضاء الأجنبية"
أو – بعبارة أخرى، زراعة الأعضاء الحيوانية
في البشر – حيز الممارسة الإكلينيكية.
تلقى الكُلية ريتشارد سلايمان، وهو رجل في
الثانية والستين من العمر، يعاني فشلًا
كلويًا في المراحل
الأخيرة منه. وهو في الوقت الحالي، يتعافى بشكل جيد من آثار هذه الجراحة التي
أُجريت له في السادس عشر من مارس الماضي، بحسب ما أفاد الجراح المسؤول عنها. وقد
استُمِدت الكلية من خنزير صغير، خضع لرقم غير مسبوق من عمليات التحرير الجيني بهدف
الحيلولة دون رفض الجسم للكُلية المتبرع
بها والحد من خطر إصابة المتلقي بعدوى فيروس كامن في الُكلية.
وتبرهن هذه الجراحة، بحسب ما تفيد لوهان
يانج، الرئيسة التنفيذية لشركة «تشيهان بيوتِك» في
مدينة هونجتشو الصينية على أمان
وفاعلية هذه الأعضاء وقدرتها على العمل مثل الكلى البشرية، ولو لمدى قصير. ولوهان
هي أيضًا إحدى مؤسسي شركة التقنيات الحيوية «إيجينيسيس» eGenesis التي تنتج الخنازير المستخدمة في هذه الجراحات، وتخوض
هذه الشركة الكائنة في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية نقاشات في
الوقت الحالي مع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لبحث تخطيط التجارب الإكلينيكية لبرامجها
الرامية إلى استزراع كلى خنازير وقلوب مستمدة من الحيوانات نفسها في مرضى من الأطفال،
فضلًا عن استهداف زراعة أكباد خنازير تتصل بأجساد المتلقين من الخارج، بحسب ما تفيد
وينينج تشين اختصاصية البيولوجيا الجزيئية بشركة «إيجينيسيس».
آمال بتجارب شاملة
جميع ما أُجري في الولايات المتحدة من جراحات
استزراع لأعضاء حيوانات في بشر أحياء، بما فيها الجراحة التي أُجريت لسلايمان، اعتُمد
اللجوء إليها "بدافع الرحمة" من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، في
عدد ضئيل من الحالات التي كان فيها المتلقي مهددًا بالوفاة، ولا يجد أمامه علاجات
أخرى. غير أن يانج تأمل أن تحث هذه النتائج الأخيرة إدارة الغذاء والدواء
الأمريكية على اعتماد إجراء تجارب إكلينيكية شاملة في هذا السياق، ما تعلل له يانج قائلًة
إن زراعة الطعوم الأجنبية من الحيوانات "تقدم آمالًا وفرصًا للحياة للمرضى
وأسرهم".
كما أن هذه الجراحة بمنزلة خطوة، تجعل
اختصاصيِّ الطب الإكلينيكي أقرب إلى التحرر من عبء نقص الأعضاء البشرية المنقذة
للحياة، من خلال الاستعاضة عنها بأعضاء من الحيوانات. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة وحدها، ينتظر
قرابة 90 ألف شخص الخضوع لجراحة استزراع كلى بشرية، وأكثر من 3000 شخص منهم يلقون
حتفهم سنويًا وهم على لائحة انتظار هذه الجراحات. في هذا السياق، يقول وأين
هوثورن، اختصاصي جراحات استزراع الأعضاء من جامعة سيدني في مدينة ويستميد
الأسترالية: "رغم أن معدلات التبرع بالأعضاء باتت أكبر كثيرًا، لا زلنا بحاجة
إلى ملايين من الأعضاء لاستزراعها في المرضى الذين يحتاجون إليها".
أما محمد محيي الدين، وهو جراح وباحث من كلية
طب جامعة ميريلاند في مدينة بالتيمور الأمريكية، فيصف الجراحة بأنها "بُشرى
لهذا المبحث". وقد رأس أول جراحة لاستزراع قلب خنزير في شخص حي، ويرأس حاليًا
الجمعية الدولية لزراعة الأعضاء الأجنبية. ومن واقع خبرته، يرى أن التجارب
الإكلينيكية القائمة على جراحات زراعة الأعضاء الأجنبية من شأنها أن تسفر عن
بيانات محكمة نحن في أمس الحاجة إليها حول أمان وفاعلية هذه الجراحات.
استغرقت جراحة استزراع كُلية خنزير لدى
سلايمان أربع ساعات، بحسب ما يفيد تاتسو كاواي، وهو أحد جراحي عملية استزراع
الكلية. وقد احتفظ جسد سلايمان على جانبه الأيمن بكلية بشرية مُتبرع بها، استزرعها
كاواي به في عام 2018، لكنها بدأت في دخول حالة من الفشل الكلوي. كنتيجة، تابع
سلايمان الخضوع لغسيل الكُلى بانتظام، لكن نشأت لديه مضاعفات تطلبت زيارات متكررة
لأحد المستشفيات، ما جعله مرشحًا للخضوع لجراحة استزراع كُلية أجنبية.
جاءت أحدث كلية مُستزرعة لدى سلايمان من
خنزير أجرى له علماء شركة «إيجينيسيس» 69 تحريرًا جينيًا بتقنية التحرير الجيني «كريسبر-كاس9». وقد أتت هذه الجراحة
بعد أن ظلت قردة من المكاك طويل الذيل Macaca fascicularis على قيد الحياة لفترة تراوحت من عدة أشهر
إلى سنوات إثر تلقي أعضاء الخنازير التي أنتجتها الشركة والتي خضعت لعمليات
التحرير الجيني نفسها1. من هنا، أعربت تشين عن تفاؤلها بأن تصمد الكلية
الأجنبية المستزرعة لدى سلايمان للفترة نفسها، أو حتى لوقت أطول، لا سيما أن
فريقها صمم عمليات التحرير الجيني مستهدفًا مواءمتها للبشر وليس القردة.
وقد شملت عمليات التحرير الجيني حذف ثلاثة
جينات تسهم في إنتاج ثلاثة أنواع من السكر على سطح خلايا الخنازير، وهي أنواع
يستهدفها النظام المناعي البشري بالهجوم إذا وُجدت على الخلايا. إذ يُصنفها عندئذ
على أنها علامات مميِّزة لغزو جسم أجنبي دخيل. كذلك أُضيفت سبعة جينات تُنتج
بروتينات بشرية تساعد في الحيلولة دون رفض الجسم للعضو المُستزرع.
إجراءات وقائية من الفيروسات
كذلك أُدخل على الكلية 59 تعديلًا جينيًا
لتعطيل الفيروسات الكامنة في جينومات الخنازير. وتستهدف هذه التعديلات الجينية التصدي
لاحتمالية أن تنشط هذه الفيروسات فور دخولها الجسم البشري. ورغم أن تجدد هذا
النشاط الفيروسي لم يُرصد حتى الآن في جراحات استزراع أعضاء أجنبية لبشر أحياء أو
متوفين إكلينيكيًا أو رئيسيات غير بشرية، فقد أظهرت بعض التجارب المختبرية أن هذه
الفيروسات يمكن أن تنتقل من أنسجة الخنازير للخلايا البشرية ولخلايا الفئران حال
ضعف الجهاز المناعي2.
ونلفت هنا إلى أن أول قلب خنزير معدل جينيًا
نجح استزراعه في شخص حي، تبين أنه مُلوث بفيروس كامن، وهو ما يُحتمل أنه أسهم في
فشل العضو المستزرع في نهاية المطاف3. وقد
شكلت احتمالية أن يُصاب متلقي العضو المستزرع ببعض مُمْرِضات الخنازير التخوف
الأبرز لدى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية فيما يخص اعتماد هذه الجراحات، بحسب ما
أدلى به كاواي. من هنا تجري شركة «إيجينيسيس» فحوصًا دورية للخنازير التي تستخدمها بهدف الكشف عن المُمْرضات
التي تصيب هذه الحيوانات، ومن أمثلتها، على حد قول تشين، الفيروس المضخم للخلايا
الذي يصيب الخنازير، وهو فيروس قادر على الكمون طويلًا في عائله الحيواني.
من هنا، قبل الجراحة، جمع الفريق البحثي وجمد عينات دم من سلايمان وأفراد
أسرته وجراحيه، بحيث إذا أُصيب سلايمان بعدوى، يمكن تحديد إذا ما كانوا المصدر لها، أم لا.
ويُزمع الاستمرار في إجراء فحوص دورية
لسلايمان تحسبًا لوجود مُمْرضات لديه، أو نشأة عوارض مرضية به، كما سيخضع للفحوص
أفراد أسرته ومقدمو الرعاية الطبية له.
وترى يانج أن هذه الاحتياطات مهمة نظرًا للاختلاف الفسيولوجي الكبير
بين الخنازير التي تتمتع بصحة جيدة وضعاف المناعة، ورغم أنه لم تُرصد فيروسات أو
بكتيريا أو فطريات في الخنازير قبل جراحة الاستزراع، فقد تكون هذه المُمرِضات
كائنة في العضو المستزرع وتنمو في شخص ضعيف المناعة، وهو ما تعقب عليه يانج قائلة:
"لا نعلم ما تخبئه لنا الظروف".
كُلية بحالة جيدة
تُنقي الكُلى الجسم من المواد السامة وتنتج البول، وتساعد في الحفاظ
على ضغط الدم. وفي هذه الجراحة، ما أن أعاد الجراحون تدفق الدم للكُلية المستزرعة
من خنزير، استحال لون الكُلية على الفور إلى اللون الوردي وبدأت في إنتاج البول،
بحسب ما يفيد كاواي. وهي علامة تؤشر على نجاح جراحة الاستزراع.
كذلك يؤشر على صحة الكلى مستوى مركب كيميائي يوجد في الدم ويسمى
بالكرياتينين، فالمستويات المرتفعة من هذا المركب تدل على ضعف أداء الكلى في تنقية
الجسم من الفضلات. ويفيد كاواي بأن مستوى الكرياتينين في الدم لدى سلايمان قبل
الجراحة كان عشرة مللي جرامات لكل ديسيلتر، غير أن هذا المستوى انخفض إلى 2.4 مللي
جرام بحلول اليوم الرابع بعد الجراحة. ويأمل كاواي أن ينخفض مستوى الكرياتينين
بالدم لدى سلايمان إلى 1.5 ملليجرام، ليحل تقريبًا في النطاق الطبيعي لهذا المستوى.
في ذلك الصدد، يقول محيي الدين: "حتى الآن، يبدو أن هذه الكلية
تعمل على النحو المفُترض بها أن تعمل به".
ويتلقى سلايمان في الوقت
الحالي أدوية كابتة للاستجابات المناعية، ولم تظهر لديه حتى الآن مؤشرات على رفض
العضو المستزرع. وقد بقي منذ الخامس والعشرين من شهر مارس الماضي في المستشفى تحت
الملاحظة. وهنا تشير تشين إلى أن شركة «إيجينيسيس» تستهدف العثور على توليفة من التعديلات الجينية في
الخنازير، تغني متلقيِّ أعضاء هذه الحيوانات عن تناول العقاقير الكابتة للاستجابة
المناعية، وهي أدوية تضعف قدرة الجسم على محاربة المُمرِضات.
ختامًا، تقول تشين: "لطالما قيل أننا
على أعتاب نجاح جراحات زراعة الأعضاء الأجنبية، وهي مقولة ستصمد، فاليوم سيكون
بيننا من يحمل في جسده كلية خنزير، وهذا مذهل".
تحديثات
وتصحيحات:
·
توضيح
بتاريخ الثاني والعشرين من مارس 2024: لم توضح
نسخة سابقة من هذا التقرير الإخباري أن برنامج شركة «إيجينيسيس»
لزراعة الكبد معني بجراحات زراعة الكبد خارج الجسم.
· تصحيح بتاريخ الثاني والعشرين من مارس 2024: أخطأت
نسخة سابقة من هذا التحقيق الإخباري في وصف جزيئات الخنازير التي تُحفز هجومًا
مناعيًا من الخلايا المناعية البشرية.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.151
1. Anand,
R. P. et al.Nature622, 393–401 (2023).
2. van der
Laan, L. J. W. et al.Nature407, 90–94
(2000).
3. Mohiuddin,
M. M. et al.Lancet402, 397–410 (2023).
تواصل معنا: