يُعد المريخ مرشحًا جذابًا بين الأجسام الفلكية المعروفة لاستضافة الحياة
شادي عبد الحافظ
ربما
اعتقد البعض أن فكرة البحث عن الحياة على المريخ انتهت عندما أرسلت أولى مركبات
ناسا الفضائية صورًا لسطح الكوكب القاحل وغير المضياف.
لكن كثيرًا
من العلماء ما زالوا يواصلون دراسة الشكل الذي قد تبدو عليه الحياة خارج كوكب
الأرض، والبحث عن سبل الحياة على المريخ؛ إذ عثرت بعثات لوكالة "ناسا"
خلال السنوات الأخيرة على أدلة لـ"وجود أملاح البيركلورات بكميات وفيرة على
سطح المريخ، وأن هذه الأملاح يمكنها أن تتجمع وتتحد مع الماء من الغلاف الجوي
لتكوين محاليل مركزة تسمى المحاليل الملحية".
ونظرًا
إلى أن الماء السائل ضروري جدًّا للحياة، فقد وصفت "ناسا" إستراتيجيتها
في البحث عن الحياة على المريخ بأنها تقوم على فكرة "تتبُّع الماء"،
ونتيجةً لذلك، جذبت المحاليل الملحية لـ"البيركلورات" كثيرًا من
الاهتمام.
في
السياق، أجرى فريق من الباحثين في كلية العلوم البيولوجية بجامعة مينيسوتا
الأمريكية دراسة استهدفت معرفة "كيف يمكن
للبيئة الجيوكيميائية الفريدة على المريخ أن تشكل الحياة في الماضي أو الحاضر،
اعتمادًا على المحاليل الملحية للبيركلورات المتوافرة على سطح المريخ".
ووفق
الدراسة التي نشرتها دورية "نيتشر كومينيكيشنز" (Nature
Communications)،
يُعد المريخ مرشحًا جذابًا بشكل خاص بين الأجسام الفلكية المعروفة لاستضافة الحياة؛
إذ قدمت نتائج بعثات استكشاف الفضاء معلومات ثاقبة عن الكيمياء الجيولوجية المريخية
التي تشير إلى أن البيركلورات موجودة في كل مكان في المشهد الجيوكيميائي المريخي".
وتوضح
الدراسة أنه "بالرغم من أن البيركلورات تمثل عقبات محتملة أمام أشكال الحياة المعروفة
بسبب سُميتها، إلا أنها يمكن أن توفر أيضًا فوائد محتملة، مثل إنتاج المحاليل الملحية
عن طريق عملية التمييع (التحول إلى الحالة السائلة)، مثل تلك التي يُعتقد أنها موجودة
على كوكب المريخ حاليًّا".
يقول آرون إنجلهارت، الأستاذ
المساعد من قسم الوراثة وبيولوجيا الخلية وتطورها في جامعة مينيسوتا، والمؤلف
الرئيس في الدراسة: "أصبحت مهتمًّا بمحلول البيركلورات لأول مرة في عام 2008،
عندما أعلنت بعثة فينيكس عن أدلة على وجود البيركلورات على سطح المريخ، وأشارت
بعثة كيوريوسيتي إلى وجود المادة نفسها لاحقًا على جزء آخر من المريخ في عام 2013".
يضيف "إنجلهارت"
في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تشير تلك الأدلة إلى أن أملاح
البيركلورات كانت منتشرةً على نطاق واسع على سطح المريخ، وهي بمنزلة سيف ذي حدين، فإذا
تحدثنا عن وجود الحياة، فهي شديدة الرطوبة وتلتقط الماء بسهولة من الغلاف الجوي،
مما يوفر مصدرًا محتملًا للمياه السائلة لدعم الحياة، لكنها رغم ذلك سامة للكثير
من الكائنات الحية التي نعرفها.
فحص
الباحثون التأثيرات الجزيئية لهذه المحاليل الملحية على الحمض النووي الريبي (RNA) والإنزيمات البروتينية، لتوضيح
كيف يمكن أن تؤثر تلك المحاليل على نشأة الكيمياء الحيوية أو تطورها على كوكب
المريخ قبل مليارات السنوات أو حتى الآن.
وأظهرت
النتائج أن جميع جزيئات الحمض النووي الريبي تفاعلت بشكل جيد مع محاليل
البيركلورات، لكنها لم تعمل مع كل الإنزيمات البروتينية بشكل جيد مثل الحمض النووي
الريبي، بل عملت فقط مع الإنزيمات التي نمت وتطورت في البيئات القاسية على الأرض.
يقول
"إنجلهارت": أمكن للحمض النووي الريبي إجراء تفاعل الكلورة، وهو تفاعل
جديد لم نشهده من قبل، لذا فهو مثيرٌ للاهتمام حقًّا، نحن نعمل الآن على توصيف هذا
التفاعل بشكل كامل وفهمه بشكل أفضل ميكانيكيًّا.
ويتابع:
تثبت نتائج الدراسة أن المركبات الحيوية الوظيفية التي لم تتطور في وجود
البيركلورات يمكن أن تحتفظ بوظيفتها في وجود تركيزات عالية من هذا النوع من
الأملاح بشكل مدهش، وبالتالي فإن هذه النتائج توسع البيئات المسموح بها التي يمكن
أن تعمل فيها الكيمياء الحيوية كما نعرفها، وتشير إلى أن الأملاح يمكن أن تشكل -أو
أنها قد شكلت- التطور الجزيئي للحياة خارج الأرض.
تواصل معنا: