منذ طفولته، اعتاد عالِم الفيزياء المصري الدكتور "أحمد فرج علي" تأمل كل ما حوله في صمت، مؤمنًا بأننا "نمثل قصصًا كونية هدفها الأسمى رفع الوعي والفهم بقوانين الكون".
نشأ "علي" في مدينة بنها التي تبعد عن العاصمة المصرية "القاهرة" بحوالي 50 كيلومترًا، وتضم عدة مناطق أثرية يعود تاريخها إلى عصور المصريين القدماء، وحصل على بكالوريوس من قسم الفيزياء في كلية العلوم بجامعة بنها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ونال درجة الماجستير في الفيزياء النظرية ودبلوم المركز الدولي للفيزياء النظرية بتريستا بإيطاليا في تخصص فيزياء الطاقات العالية، ثم درجة الدكتوراة في الفيزياء النظرية من جامعة "ليثبريدج" الكندية.
ويعمل حاليًّا أستاذًا للفيزياء في "كلية مقاطعة إسيكس" الأمريكية، وأستاذًا معاونًا لعلم الفلك بجامعة "فيرلي ديكنسون" بالولايات المتحدة الأمريكية، ونشر 94 بحثًا في مجلات دولية مرموقة.
لا مجال للصدفة
يرفض "علي" فكرة أن يكون اهتمامه بالفيزياء عمومًا -والفيزياء النظرية خاصة- جاء صدفة، قائلًا في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": ليس هناك مجال للصدفة في هذا الكون؛ إذ إن هذا الكون فيزيائي ويخضع لقوانين ثابتة لا تتبدل ولا تتغير.
ويضيف: اهتمامي بالفيزياء حدث بشكل تدريجي، ففي طفولتي اعتدت مراقبة الطبيعة لساعات طويلة، وفي مرحلة الشباب زادت معرفتي من خلال قراءة الكتب والتفكر لساعات في أثناء السير على ضفاف النيل بمدينة بنها.
ولا ينسى "علي" الدور الذي أدته والدته -الراحلة- في دفعه باتجاه حب الرياضيات باعتبارها "اللغة الأساسية في علم الفيزياء"، كما لا ينسى دور والده -الراحل- الذي طالما عشق رؤيته وهو يمضي الساعات متأملًا كل شيء تحت شجرة التوت، وكلها عوامل مهدت طريقه نحو دراسة الفيزياء و"محاولة فهم جوهرها كطريقة لفهم حقائق الكون".
ويتابع: تعج الطبيعة حولنا بالمتغيرات التي نسميها ظواهر، وهذه المتغيرات تجعل كل مَن يلاحظها في حيرة وتشكُّك دائم ربما يدفع للتساؤل حول جدوى هذه المتغيرات والهدف منها ومعرفة معناها، وهنا يأتي دور الفيزياء النظرية التي تحاول إيجاد معادلات ثابتة بين هذه المتغيرات لتخبرنا أن هناك معني لها، وأن هناك جدوى وهدفًا من دراستها، وأن هناك حقيقة ثابتة يمكن معرفتها وفهمها، لذا تعتبر كل هذه المتغيرات بالنسبة للفيزيائي النظري مجرد تفاصيل، وما يعنينا حقًّا هو إيجاد العلاقات الثابتة بين هذه المتغيرات.
ويضرب "علي" مثالًا على ذلك قائلًا: على سبيل المثال، نجد أن ظواهر الضوء عديدة، لكن هناك معادلات محددة تحدد سلوك الضوء تُعرف بمعادلات ماكسويل، ويحلم الفيزيائيون النظريون بإيجاد معادلة واحدة تصف كل ظاهرة في الكون بما فيها السلوك الإنساني، لذا نجد الآن أن الفيزياء أصبحت من أعمدة العلوم المتعلقة بفهم العقل البشري، مثلها مثل علوم الأعصاب على سبيل المثال، واهتمامي بالفيزياء النظرية دافعه الأساسي هو معرفة حقيقة الوجود وترجمة كل شيء إلى فيزياء.
ميكانيكا الكم
ارتبط اسم "علي" بنظريته حول "توحيد النسبية العامة مع ميكانيكا الكم"، وهي نظرية استهدفت تحقيق "الاتساق بين النظرية النسبية العامة ونظرية المجال الكمي دون فروض لم يتم قياسها كالأكوان المتعددة أو الأبعاد الزائدة".
يقول "علي": عند حساب طاقة الفراغ وفق نظرية المجال الكمي، وجدنا أن قيمتها عبارة عن عشرة أس ستة وسبعين، وعندما حسبنا قيمة طاقة الفراغ وفقًا للنسبية العامة ووفقًا للملحوظات التجريبية عن تمدد الكون، وجدنا أن قيمتها تساوي واحدًا مقسومًا على 10 أس سبعة وأربعين، أي أن النسبة بين قيمة طاقة الفراغ وفقًا لنظرية المجال الكمي إلي قيمتها وفقًا للنسبية العامة تساوي 10 أس مائة وثلاثة وعشرين بدلًا من أن تكون واحدًا، ويُعرف عدم الاتساق هذا في مجال الفيزياء بمشكلة الثابت الكوني، وهي المشكلة الأولية التي إن تم حلها تبين لنا كيف يتم الدمج بين النظريتين وفقًا لأسس سليمة.
ويضيف: الطبيعة التي نعرفها مبنية على نظريتين أساسيتين: نظرية النسبية العامة التي تشرح لنا فيزياء الجاذبية ومفاهيم الزمان والمكان، والنظرية الأخرى هي فيزياء الكم التي تشرح لنا مفهوم الطبيعة على مستوى المسافات الصغيرة أو الطاقات العالية، ويمثل لنا توحيد هاتين النظريتين الخطوط الأولى لإيجاد نظرية واحدة لفهم كل شيء مادي، وتحقق نظريتنا هذا الاتساق من خلال فهم وتحليل تماثل النموذج القياسي عبر الزمن الكوني، لقد وجدنا أن القوة النووية القوية تمثل القوة المتبقية والوحيدة المسيطرة لتشكيل طاقة الفراغ، وهو ما يحل مشكلة الثابت الكوني من جذورها بناءً على القياسات التجريبية وبناءً على فهم تماثل النموذج القياسي للقوي الطبيعية دون فرض فروض لم يتم التحقق منها تجريبيًّا كالأكوان المتعددة أو الأبعاد الزائدة.
الانفجار العظيم
يؤمن كثير من العلماء بحدوث الانفجار العظيم، لكن عالِم الفيزياء المصري يرى أنه لا وجود للانفجار العظيم.
يقول "علي": هذا بحث نشرناه عام 2015، وقدمنا خلاله معالجة متفردة الانفجار العظيم؛ إذ تعاني النسبية العامة كنظرية من مشكلة المتفردات، والمتفردات معناها ببساطة نقطة أو مساحة لا يمكن عندها تعريف قوانين الفيزياء، وتمثل لغزًا في اتساق النظرية النسبية العامة، خاصةً أن فروض النظرية النسبية العامة تقوم على أن قوانين الفيزياء صالحة عند كل زمان ومكان، لكن المتفردات تعارض ذلك الفرض الأساسي للنظرية، لذا حاولنا إيجاد معالجة لمتفردة الانفجار العظيم التي يُفترض أن الكون بدأ منها، وحتي يمكن معالجة هذه المشكلة، درسنا التأثيرات الكمية على مسارات الجسيمات بالقرب من متفردة الانفجار العظيم، ووجدنا أنه وفقًا لفيزياء الكم، يستحيل أن تتقاطع مسارات الجسميات الكمية أو تتركز في نقطة واحدة.. ومن ذلك ذهبنا إلى أن الكون بلا بداية زمنية.
الثقوب السوداء
شارك "علي" في إعادة تحليل تطور الثقوب السوداء باستخدام نظرية جاذبية قوس قزح البديلة في بحث استهدف "دراسة مشكلة فقدان المعلومات داخل الثقب الأسود".
ويقول: كل المعلومات الداخلة للثقب الأسود تعتبر معلومات منتهية لا يمكن قياسها في الكون الملحوظ، ولكن وفقًا لنظرية فيزياء الكم، فإن المعلومات لا يمكن فقدانها، لذا درست تعديلًا على النسبية العامة وهو ما يُعرف بـ"جاذبية قوس قزح"، وهي نظرية أعم من النظرية النسبية العامة، وتقول ببساطة إن كل ملاحظ يلاحظ زمكانًا يعتمد على طاقته، وعندما طبقت هذا المبدأ على الثقب الأسود، وجدت أن الثقب الأسود لا يتبخر بالكلية لتفقد المعلومات، وإنما يصل إلى حد معين يتلاشى فيه أفق الحدث ويتحول الثقب الأسود إلي طاقة أو مادة داكنة، لذا يمكن للمعلومات أن تُخزن داخل الثقب الأسود حتي يتحول إلى طاقة داكنة، وبالتالي تظل المعلومات محفوظةً في الكون على هيئة طاقة أو مادة داكنة.
تواصل معنا: