وجدت دراسة لأكثر من 2.4 مليون شخص أن استخدام الإنترنت قد يكون مفيدًا لرفاه
الأفراد.
كاريسا وونج
أظهرت دراسة
عالمية امتدت لـ16 عامًا1وتناولت
قرابة 2.4 مليون شخص أن استخدام الإنترنت قد يعزز فرص الحصول على درجات أعلى على
مؤشرات رفاه الأفراد، مثل مؤشرات قياس الرضا عن الحياة، ومدى تحقيق أهداف الحياة.
وهو ما يطعن في صحة الفكرة الشائعة القائلة بأن استخدام الإنترنت يؤثر بالسلب على
هذا الرفاه.
تعقيبًا على هذا الاكتشاف، يقول ماركوس آبل، اختصاصي علم النفس من
جامعة فورتسبورج الألمانية: "هذا خيط مهم على طريق فك شفرة العلاقة بين
الوسائط الرقمية والصحة النفسية". ويضيف: "إذا كانت وسائط التواصل
الاجتماعي والإنترنت والهواتف الذكية بحق عوامل هدامة، فعلينا أن نتناولها من هذا
المنظور الشامل [في الدراسة]، بيد أننا لا نفعل ذلك". وتجدر الإشارة إلى أن
المخاوف في هذا الإطار تُعزى عادة إلى سلوكيات ترتبط باستخدام وسائط التواصل
الاجتماعي، مثل التنمر السبراني، وإدمان هذه الوسائط، والإشكاليات المرتبطة بمظهر
المرء المثالي الذي تروج له هذه الوسائط. لكن بحسب ما يفيد آبل، حتى اليوم، لم تظهِر أقوى
الدراسات إلا آثارًا سلبية طفيفة للإنترنت على رفاه الأفراد 3,2.
وفي الدراسة سالفة الذكر، الأحدث في هذا الصدد، وهي دراسة نُشرت
بتاريخ الثالث عشر من مايو الماضي في دورية «تكنولوجي، مايند آند بيهيفيور» Technology, Mind and Behaviour، سعى واضعو الدراسة
إلى رصد تأثيرات الإنترنت من منظور أشمل من ذلك الذي استخدمته الدراسات السابقة.
فتعقيبًا على الدراسة، في بيان صحفي صدر في التاسع من مايو الماضي، قال آندرو
برزيبيلسكي، وهو باحث من جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، ومتخصص في دراسة تأثيرات
التكنولوجيا على رفاه الأفراد: "مع أن الإنترنت يمس كل شيء، فالدراسات حوله
ليست شاملة. وأكثر من 90% من مجموعات البيانات عنه تأتي من عدد ضئيل من الدول
المتحدثة بالإنجليزية". وحسبما يضيف، فإن هذه الدول يقع في نصف الكرة
الشمالي. كما أن الدراسات السابقة ركزت على الشباب.
ولعلاج هذا القصور الذي يشوب الأبحاث عن
الإنترنت، عمد برزيبيلسكي وفريقه البحثي إلى تحليل بيانات حول علاقة الوصول إلى
الانترنت بثمان مؤشرات لقياس الرفاه، استُقيت من استطلاع جالوب العالمي الذي تجريه شركة جالوب للدراسات التحليلية الكائنة في
العاصمة الأمريكية واشنطن. وقد جُمعت هذه البيانات
بصفة سنوية من عام 2006 إلى عام 2021 عبر مكالمات هاتفية أو مقابلات شخصية مع ألف
شخص، بعمر 15 عامًا فأكثر، في 168 دولة وأخذ الباحثون في الاعتبار عوامل قد تؤثر
على استخدام الإنترنت والرفاه، من بينها مستوى الدخل، والحالة الوظيفية، والمستوى
التعليمي، والمشكلات الصحية.
تصفح الإنترنت يشبه "جولة بين
الطبيعة"
وجد فريق الدراسة أن من أُتيح لهم الوصول إلى الإنترنت سجلوا في
المتوسط درجات أعلى بنسبة 8% على مؤشرات الرضا عن الحياة ومؤشرات الشعور الإيجابي
والرضا عن الحياة الاجتماعية مقارنة بنظرائهم ممن لم يُتح لهم الوصول إلى
الإنترنت. ويعلل آبل لذلك قائلًا إن الأنشطة على الإنترنت قد تساعد في تعلم مهارات
جديدة، وفي صنع الصداقات، وهذا يسهم في التأثير الإيجابي للإنترنت،
وهو تأثير مشابه لشعور السعادة المستفاد الذي يتأتى مع نزهة في
أحضان الطبيعة، بتعبير برزيبيلكسي.
غير أنه تجدر الإشارة إلى أن النساء اللائي تراوحت أعمارهن بين 15
و24 عامًا ممن شاركن في الدراسة وأفدن باستخدام الإنترنت خلال الأسبوع السابق على
نشر هذه النتائج كُن في المتوسط أقل رضا عن العالم الذي يعيشون فيه مقارنة بمن لا
سيتخدمون الإنترنت. ولعل هذا - بحسب ما يفيد برزيبيلسكي - يعود إلى أن من لا
يشعرون بالترحيب في مجتمعاتهم يمضون وقتًا أطول على الإنترنت. من هنا، لا تزال
هناك حاجة لمزيد من الدراسات للبت في ما إذا كانت العلاقة بين استخدام الإنترنت
والرفاه سببية، أم عرضية.
تأتي هذه الدراسة في خضم نقاش
دائر حول تنظيم استخدام الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي، لا سيما بين الشباب. حول ذلك، يقول توباياس دينلين المتخصص في
دراسة تأثيرات وسائط التواصل الإجتماعي على الرفاه من جامعة فيينا: "لا يمكن
للدراسة أن تسهم في توجيه النقاش الدائر مؤخرًا حول ما إذا كانت وسائط التواصل
الاجتماعي ضارة، أم لا، أو ما إذا كان ينبغي حظر الهواتف الذكية في المدارس"،
لأنها لم تُصمم للإجابة عن هذه الأسئلة. ويضيف: "الوسائط المختلفة واستخدامات
الإنترنت تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا في مردودها على رفاه الأفراد".
نُشر هذا
المقال في دورية Nature بتاريخ 12 مايو عام 2024
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.177
المراجع
1.
Vuorre, M. &
Przybylski, A. K. Technol. Mind Behav.
https://doi.org/10.1037/tmb0000127 (2024).
2.
Heffer, T. et
al.Clin. Psychol. Sci.7, 462–470 (2018).
3.
Coyne, S. M.,
Rogers, A. A., Zurcher, J. D., Stockdale, L. & Booth, M. Comput.
Hum. Behav. 104, 106160 (2020).
تواصل معنا: