انقسام بين الباحثين
حول ما إذا كانت العودة إلى الأوضاع الطبيعية تجري بخطى أسرع مما يجب.
كريس ستوكل-ووكر
بدأت البلدان في شتى
أنحاء العالم في رفع القيود التي فُرِضَت لأول مرة عام 2020 لإبطاء وتيرة انتشار
مرض «كوفيد-19»، ومن بينها القواعد التي تنظم السفر والتواصل الاجتماعي وارتداء
الكِمامات والعزل الذاتي. وقد أثار هذا الإجراء ردود فعل متباينة من جانب العلماء.
في الوقت ذاته، يخفف
السياسيون في البقاع التي تهيمن عليها سلالة «أوميكرون» المُتحورة من فيروس
«سارس-كوف-2» من صرامة القيود المفروضة للتصدي للجائحة، استنادًا إلى تراجع معدلات
الإصابة بعدوى الفيروس، وإلى دراسات تشير إلى أن السلالة تسبب مرضًا أقل شدةً.1–3.
على سبيل المثال،
بدأت المملكة المتحدة في إلغاء كافة القيود القانونية المفروضة لمواجهة انتشار مرض
«كوفيد-19»، ومن ضمنها ارتداء الكِمامات في الأماكن العامة والعزل الذاتي بعد تبين الإصابة بالمرض في فحوص الكشف عنه. كذلك ألغت دول أخرى شرط ارتداء الكِمامات وخففت صرامة
القواعد الخاصة بالتجمعات، على سبيل المثال، بإعادة فتح النوادي الليلية ورفع الطاقة
الاستيعابية من الأفراد في الأماكن.
هل هي خطوة متعجلة؟
يرى بعض الباحثين أن
رفع تدابير الإغلاق والتباعد الاجتماعي قد جرى بوتيرة أسرع مما يجب. ففي سويسرا، على
سبيل المثال، لم يَعُد الأفراد مطالبين بارتداء الكِمامات في غالبية الأماكن
العامة. وعلى الرغم من أنه يجب عزل من تثبت إصابتهم بمرض «كوفيد-19» لمدة خمسة
أيام، فقد تلاشت كافة القيود الأخرى لمنع انتشار عدوى الفيروس. تعقيبًا على ذلك، تقول
إيزابيلا إيكِرل، الرئيسة المشاركة لمركز جنيف للأمراض الفيروسية الناشئة في
سويسرا: "كان رفع الكِمامات سابقًا لأوانه، ولا أفهم حقًا سبب فعل ذلك".
وتضيف أن 35% من نتائج اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) التي أُجريَّت في البلد عادت بثبوت إصابة من خضعوا للاختبارات
بالمرض، وأن سبعة فقط من كل عشرة أشخاص قد تلقوا ما لا يقل عن جرعة من أحد
اللقاحات (النسبة نفسها من البالغين في المملكة المتحدة تلقت ثلاث جرعات).
في ذلك الصدد، تقول
ديبتي جورداساني، اختصاصية علم الأوبئة من جامعة كوين ماري بلندن، إن العديد من
البلدان التي أسقطت القيود المفروضة شهدت زيادات لاحقة ليس فقط في عدد حالات
الإصابة بالفيروس، ولكن أيضًا في عدد حالات دخول المستشفيات والوفيات من جرائه،
على الرغم من أن حالات الإصابة لم تعد ترتبط بأعراض شديدة. من هنا، تضيف ديبتي: "على
الرغم من أن بعض الوفيات [التَّالية لثبوت الإصابة بالفيروس في فحوص الكشف عن
المرض] تكون تصادفية، تُعزى نسبة كبيرة جدًّا من الوفيات للإصابة بمرض
«كوفيد-19»". وتستطرد قائلة: "الوضع مُقلِق للغاية، ناهيك عن تأثير
«كوفيد» الممتد".
وتأمل جورداساني في اتخاذ
تدابير من شأنها المساعدة في تقليص أثر تخفيف صرامة القيود المفروضة. فعلى سبيل
المثال، تقول إنه إذا كان ارتداء الكِمامة اختياريًّا، فيجب التركيز بشكل أكبر على
تهوية المباني بقدرٍ كافٍ.
لكن يعتقد آخرون أن ارتفاع معدلات انتشار المناعة ضد الفيروس بفضل
التعافي منه وتلقي التَّطعيمات ضده في بعض الأماكن يدل على أن العديد من التدخلات المُصَممة لتثبيط انتشار مرض
«كوفيد-19» قد فقدت أهميتها الآن. فتقول ميوج تشيفيك الباحثة في مجال الأمراض
المعدية وطب الفيروسات من جامعة سانت أندروز بالمملكة المتحدة: "صرنا في وضع
مختلف الآن". وتضيف: "لا نستطيع منع حالات العدوى، لذلك يجب أن ينصب
تركيزنا على منع حدوث تبعات شديدة لها". وتجد ميوج ما يبعث على التفاؤل بأن
الناس لن "يطلقوا لأنفسهم العنان" في التخلي عن تدابير السلامة بمجرد
تخفيف صرامة القواعد المتعلقة بالكِمامات والتواصل الاجتماعي، وبدلًا من ذلك تتوقع
عودة الأفراد إلى الحياة الطبيعية تدريجيًّا.
ويؤيد جويل موسونج،
اختصاصي وبائيات الأمراض المعدية في مديرية صحة لوكسمبورج، رفع القيود في بلده، معللًا
لذلك بقوله: "لقد شهدنا مؤخرًا بعض الوفيات، لكنها ليست بأي حال من الأحوال
من قبيل ما شهدناه في الشتاء الماضي، بل والربيع الماضي أيضًا". "لقد قُوضت
تمامًا الحجج القائلة بالإبقاء على القيود، وأعتقد أننا الآن في مرحلة تكون فيها
استراتيجية إزالة القيود الطريق الصحيح".
لا تزال الاختبارات "ضرورية"
إلى جانب رفع القيود
الاجتماعية المفروضة لمواجهة «كوفيد-19»، أخذت بعض الحكومات تُحجِّم بدرجة كبيرة تكريس
الإمكانات والطاقات لإجراء اختبارات «كوفيد-19». ويرى بعض الباحثين أن هذه خطوة متعجلة
جدًا في هذه المرحلة من الجائحة.
فتقول إيكِرل إن
تقليل إجراء الاختبارات الروتينية من شأنه أن يُصَعِّب الوقوف على اندلاع موجات انتشار العدوى واكتشاف السلالات المتحورة. وتحذر قائلة: "سيصير الأمر عندئذ
مماثلًا للبحث عن إبرة في كومة قش". فقد يؤدي التقليل من القيود المفروضة
وزيادة الاختلاط بين أفراد مجموعة سكانية كانت قد خضعت إلى درجة كبيرة من التباعد
الاجتماعي إلى تحوُّر فيروس «سارس-كوف-2». ومن هنا، قد تكون الاختبارات بمثابة
نظام إنذار مبكر في حال ظهور مُتَحَوِّر مثير للقلق.
وتعتقد جورداساني
أنه من الخطأ إلغاء تتبع المخالطين وإجراء اختبارات الكشف عن المرض، وهي إجراءات
تعتزم حكومة المملكة المتحدة تحجيم العمل بها بشكل كبير، ومن أمثلتها إنهاء الفحوص
المجانية لغالبية الناس. فتقول: "من الضروري إجراء الاختبارات، حتى يتسنى لنا
العيش بحرية قدر الإمكان".
ولكن لا يجمع الكل
على ضرورة الاستمرار في إجراء اختبارات الكشف عن المرض على نطاق واسع. فترى تشيفيك
أن منظومة الرصد يجب أن تكون موجهة بدرجة أكبر. وتوضح أن فوائد إجراء الاختبارات لمن
لا يعانون أعراضًا لا تتناسب مع التكاليف المُتَكَبَّدة، على صعيد عرقلة حياة الأفراد.
لكنها تعتقد أن إجراء الاختبارات على نحوٍ منتظم يجب أن يستمر في الأماكن التي يرتفع فيها خطر انتشار المرض مثل المستشفيات ودور الرعاية والسجون.
أما موسونج، فيقول: "أعتقد أنه يجب أن يوجد مبرر جيد لمواصلة أنشطة
الرصد". فمما لا شك فيه أنه ستظهر المزيد من السلالات المتحورة من فيروس «سارس-كوف-2»، ومن الضرورة بمكان أن
تتعقب الحكومات هذه السلالات، لكن هذا لا يستلزم تسجيل كل طفرة مُفردة. ويضيف
قائلًا: "في الواقع ليس الاختبار هو المُهِم، ولكن المُهِم ما يلي ذلك".
تواصل معنا: