نشرت بتاريخ 22 فبراير 2023
يعكف علماء على تتبع نشاط خلايا عصبية موجودة في الحلق مسؤولة عن رصد مؤشرات العدوى ونقل هذه البيانات إلى الدماغ.
قد
تؤدي الإصابة بالإنفلونزا بأقوى الأشخاص إلى ملازمة الفراش وفقدان الشهية. ومؤخرًا،
في دراسة، نجح فريق من العلماء في الوقوف على خلايا عصبية لدى الفئران تتولى إبلاغ
الدماغ بوقوع عدوى الإنفلونزا، وهو ما يحفز ميل الجسم بدرجة أكبر إلى السكون
والخلود للراحة ويضعف
الشهية ((N.-R.
Bin
et al. Nature https://doi.org/jz7d; 2023.
ويشير واضعو الدراسة، التي نُشرت في
الثامن عشر من شهر مارس الماضي في دورية Nature، إلى
أن ثمة خلايا عصبية مشابهة تتصل بأجزاء أخرى من الجسم قد تنهض بإبلاغ الدماغ بوقوع
أنواع أخرى من العدوى.
تعليقًا على نتائج
الدراسة، يقول إسماعيل عبد الصبور، المتخصص في البيولوجيا
الحسية من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، والذي لم يشارك في البحث: "هذه
الدراسة تقلب المعتقدات السابقة رأسًا على عقب. إنها تشكل
نقلة نوعية من حيث الطريقة التي تغير بها منظورنا إلى سلوك المرض".
حارس
دماغي
يفيد
ستيفن ليبرلِز، أحد المشاركين في وضع الدراسة وعالم الأعصاب من كلية الطب بجامعة
هارفرد في بوسطن بولاية ماساتشوستس، بأنه قبل هذا البحث، "لم يكن واضحًا كيف
يتنبه الدماغ لوجود عدوى داخل الجسم". وقد ظن كثير من العلماء أن جزيئات مرسالة
من النسيج المصاب بالعدوى تنتقل عبر مجرى الدم حتى تصل إلى الدماغ، فتتغلغل في
انتشارها به كي تنشط المناطق المسؤولة عن تحفيز سلوكيات المرض.
ومن أهم
الجزيئات المرسالة المحتمل قيامها بهذا الدور مواد كيميائية تأشيرية تسمى البروستاجلاندينات،
وهي مواد تتشكل داخل الأنسجة المصابة. ويكبت إفرازها مركبا الأسبيرين والإيبوبروفين،
ليمنعا بذلك ظهور سلوكيات المرض، وهو ما يوحي بأن البروستاجلاندينات عنصر أساسي في
تحفيز مثل هذه السلوكيات.
وقد برهن
واضعو الدراسة على أن مستقبلًا معينًا للبروستاجلاندينات، يسمى EP3، هو المسؤول عن إنتاج سلوكيات المرض، وهو يوجد
فوق الخلايا العصبية المنتشرة في مختلف أجزاء الجسم، بما في ذلك الدماغ. وسعيًا للتحقق
من وظيفة هذا المستقبل، عمد الفريق البحثي إلى حذف مستقبلات EP3 الموجودة في
أدمغة فئران، وأصابوها بعدوى فيروس الإنفلونزا. ومن المفاجئ أنه عندئذ تغير سلوك
الفئران استجابة لهذا الحذف، ما دل على أن أدمغتهم لم تتلق إنذارًا بالعدوى من
مادة البروستاجلاندين المنقولة عبر الدم.
في المقابل، اكتشف واضعو الدراسة أن أهم العوامل المؤثرة
في هذه العملية تتمثل في مجموعة معينة من الخلايا العصبية التي تحتوي على المستقبل
EP3 وتوجد في
عنق الفئران. وتمتلك هذه الخلايا العصبية فروعًا تمتد من العضو المكافئ للوزتين
لدى الفئران لتصل إلى جذع الدماغ. ويبدو هذا التوزيع المكاني لأعضاء الدماغ
منطقيًا: فمنطقة اللوزتين "تلعب دور حلقة الوصل بين الهواء الخارجي وما ينفذ
إلى مجرى الهواء في الجسم"، بحسب تعبير نا-ريام بن، أحد واضعي الدراسة وعالم البيولوجيا
العصبية من جامعة هارفرد. وتتميز هذه المنطقة بكثرة الخلايا المناعية التي تنتج
كميات وفيرة من البروستاجلاندينات عند مواجهة مسببات الأمراض.
وتقدم لنا نتائج الدراسة السردية التي تقف وراء سلوكيات
المرض: إذ تدخل فيروسات الإنفلونزا إلى مجرى الهواء وتصيب خلايا الحلق، وهو ما
يحفز إفراز البروستاجلاندينات، فتقوم مجموعة الخلايا العصبية، المحتوية على
المستقبل EP3، والتي أبخس
العلماء تقدير دورها في السابق بتحفيز استجابة. وبعدئذ، ينتقل إنذار العدوى عبر
فروع الخلايا العصبية على "طريق سريع معد خصيصًا للوصول إلى الدماغ"
بحسب قول عبد الصبور.
مفارقة سلوكية
وتؤدي هذه المسارات العصبية مهمة لا تقوى عليها الإشارات
المنقولة عبر الدم؛ فهي تخطر الدماغ بمكان العدوى بدقة. وينوِّه واضعو الدراسة إلى
أن كثيرًا من أنواع الخلايا العصبية الأخرى تمتلك مستقبلات للبروستاجلاندينات ولغيرها
من الإشارات المرتبطة بالاستجابة المناعية، ويشيرون إلى احتمالية وجود المزيد من
المسارات المخصصة لأغراض معينة، كتلك المُعَدَّة لرصد العدوى المعوية وتحفيز
الشعور بالغثيان.
علاوًة على ذلك، كشفت الدراسة النقاب عن مفارقة؛
فالعلماء يفترضون أن ثمة ميزة تطورية تحققها سلوكيات المرض، لكن عندما أقدم الفريق
على تثبيط تلك السلوكيات، كتجنب الطعام، تراجعت احتمالية موت الفئران جراء
الإنفلونزا. ويفترض ليبرلز أن هذا النظام المسؤول عن تعديل السلوك قد نشأ نظرًا
لنفعه في معظم حالات العدوى، حتى إن لم يكن نافعًا في جميعها. في المقابل، ربما
تكون سلوكيات كتراجع النشاط مفيدًة في تقليل انتشار مسسبات الأمراض فيما بين
الأفراد.
وبالرغم من كل ما سبق، لا تكشف لنا النتائج الجديدة القصة
كاملًة؛ فالخلايا العصبية الموجودة في اللوزتين والمسؤولة عن استشعار العدوى لا
تحفز سلوكيات المرض سوى في أثناء المرحلة الأولى من عدوى الإنفلونزا، عندما تصيب هذه
العدوى المجرى التنفسي العلوي وتستمر أسبوعًا تقريبًا، ثم يتولى مسار عصبي آخر
مهمة تحفيز سلوكيات المرض مع انتقال الفيروس إلى المجرى التنفسي السفلي في أثناء
تطور المرض. ويعلِّق ليبرلز على هذا التطور للعدوى قائلًا: "لو استطعنا إيجاد
طريقة لتثبيط ذلك المسار الثاني، فقد يكون لذلك، إلى جانب تثبيط المسار الأول،
تأثير إكلينيكي هائل".
تواصل معنا: