مقالات

مصر تتوسع في مشروعات الهيدروجين الأخضر لمواجهة أزمة الطاقة

نشرت بتاريخ 24 يوليو 2024

تجارب مصرية ومغربية وإماراتية وسعودية واعدة تدعم المساعي العالمية نحو "التحول الأخضر"

محمد السعيد

يُعد الهيدروجين
الأخضر مصدرًا للطاقة النظيفة وبديلًا للوقود الأحفوري

يُعد الهيدروجين الأخضر مصدرًا للطاقة النظيفة وبديلًا للوقود الأحفوري


Sharpness86/ iStock / Getty Images Plus Enlarge image

نهاية يونيو الماضي، وقعت الحكومة المصرية -ممثلة في الصندوق السيادي المصري- أربع اتفاقيات بقيمة 32.71 مليار دولار أمريكي لإنتاج الأمونيا الخضراء التي تُعد أهم مشتقات الهيدروجين الأخضر، ضمن خططها للتوسع في المشروعات الصديقة للبيئة ومشروعات الطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ومواجهة أزمة الطاقة.

 

ويرى هشام عيسى -عضو مجلس إدارة شركة دي كاربون لاستشارات التنمية المستدامة والتغيرات المناخية- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست" أن "تلك الخطط واقعية وفقًا لتوافر البيئة المناسبة في مصر، لكنها تتوقف على العديد من العوامل، منها سرعة الشريك الأجنبي في توفير التمويل اللازم للبدء، وتدريب الكوادر التي ستعمل في هذه المشروعات".

 

من جهته، يقول هارجيت سينج -رئيس الإستراتيجية السياسية العالمية بشبكة العمل المناخي الدولية- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال التحليل الكهربائي للمياه باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر متجددة؛ إذ يجري إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلاتٍ تعمل على تحليل الماء إلى عنصرَي الهيدروجين والأكسجين دون أي نواتج ثانوية.

 

أربع اتفاقيات مصرية لإنتاج الأمونيا الخضراء التي تُعد أهم مشتقات الهيدروجين الأخضر
أربع اتفاقيات مصرية لإنتاج الأمونيا الخضراء التي تُعد أهم مشتقات الهيدروجين الأخضر
Eslam Elhanafy Enlarge image

يضيف "سينج": يوفر الهيدروجين الأخضر انخفاضًا كبيرًا في انبعاثات الغازات الدفيئة، وهو مفيد بشكل خاص في القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها باستخدام الكهرباء وحدها مثل الصناعات الثقيلة، ويقدم فرصًا عديدة، إلا أن إنتاجه يتطلب استخدامًا كثيفًا للموارد، خاصةً فيما يتعلق بالمياه والكهرباء، وتواجه مصر بالفعل ندرة المياه وزيادة الطلب على الكهرباء، ويمكن أن تتفاقم هذه التحديات بسبب إنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاقٍ واسع.

 

لكن جواد الخراز –المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة- يؤكد عدم وجود تعارض بين الاستثمارات في مشروعات الهيدروجين الأخضر ومشتقاته مثل الأمونيا والميثانول، وأزمة مصر مع الكهرباء، لأن الأخيرة ترتبط أكثر بالغاز، إذ تستهدف مصر رفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة -ومنها الهيدروجين الأخضر- في مزيج الطاقة إلى 42٪ بحلول عام 2035.

 

تجارب واعدة

 

يقول "الخراز": لن يؤثر التوسع في مشروعات الهيدروجين الأخضر على المياه في مصر؛ لأن المياه المستخدمة في عملية التصنيع هي مياه بحر محلاة وليست من حصة المياه المخصصة للشرب.

 

ويتابع: هناك اهتمام دولي باستيراد الهيدروجين الأخضر من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخصوصًا من مصر التي لديها مقومات تؤهلها لذلك، مثل قربها الجغرافي من الأسواق الدولية، وتوافر البنية التحتية المناسبة مثل الموانئ وخطوط الغاز، فضلًا عن تنافسية الأسعار المصرية.

 

ومصر ليست البلد العربي الوحيد الذي يتجه إلى الاستثمار في الهيدروجين الأخضر؛ إذ أعلنت المغرب مؤخرًا تشكيل تحالف للمناخ والطاقة مع ألمانيا لدعم التوسع في الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين.

 

أما الإمارات التي استضافت قمة الهيدروجين الأخضر في أبريل الماضي، فأطلقت إستراتيجيتها الوطنية للهيدروجين 2050؛ لإنتاج 15 مليون طن من الهيدروجين منخفض الانبعاثات سنويًّا.

 

كما أعلنت شركة نيوم للهيدروجين الأخضر في السعودية سعيها للاستفادة من 4 جيجاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لإنتاج حوالي 600 طن يوميًّا من الهيدروجين الخالي من الكربون.

 

لماذا الهيدروجين الأخضر؟

 

يُعد الهيدروجين الأخضر مصدرًا للطاقة النظيفة وبديلًا للوقود الأحفوري، عن طريق تكنولوجيا التحليل الكهربائي للمياه التي تستخرج الهيدروجين من الماء لإنتاج الطاقة الخضراء وتجنُّب انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

 

لكن "سينج" يرى -في الوقت ذاته- أنه سيكون من المبالغة اعتبار الهيدروجين الأخضر بمنزلة "الحل المعجزة لأزمة الطاقة"، لأن هناك تحديات كبيرة أمام اعتماد هذه التكنولوجيا على نطاق واسع، مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج، والحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وأوجه القصور المرتبطة بفقد الطاقة في أثناء التحليل الكهربائي، والتخزين، والنقل.

 

ورغم أهمية استخدام الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع في الوصول إلى صافي انبعاثات غازات الدفيئة إلى الصفر، إلا أن إنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر نفسه لا يخلو من الانبعاثات.

هناك أنواع مختلفة من الهيدروجين
هناك أنواع مختلفة من الهيدروجين
Eslam Elhanafy Enlarge image
 

وبتقييم مكونات إنتاج الهيدروجين المختلفة، وجد الباحثون أن متوسط ​​انبعاثات الإنتاج في التكوين الأكثر تفاؤلًا يضيف 1.5 إلى 1.8 كجم من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.

 

في حين تؤكد وكالة الطاقة الدولية أن تلبية الطلب المستقبلي على مشتقات الهيدروجين الأبرز (الأمونيا والميثانول) مع مراعاة هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أقل من درجتين مئويتين، يستوجب بناء وحدات استخلاص الكربون واحتجازه التي تلتقط مليون طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام بمعدل أربع وحدات شهريًّا من الآن (2019) وحتى عام 2030.

 

وتُعرف عملية استخلاص الكربون واحتجازه بـ"استخلاص مخلفات غاز ثاني أكسيد الكربون من مصادر كبرى، مثل محطات الطاقة الكهربائية، ثم احتجازه في باطن الأرض للحيلولة دون انبعاثه في الغلاف الجوي"، وتعتمد على استخلاص ثاني أكسيد الكربون من المصدر أو من الهواء مباشرة، ثم يتم نقل تلك الانبعاثات وتخزينها في باطن الأرض، أو تحويلها إلى منتجات مفيدة.

 

مركز أبحاث الهيدروجين

 

لا تتوقف الطموحات المصرية بشأن الهيدروجين الأخضر عند حدود توقيع الاتفاقيات الأربع؛ إذ وقعت جامعة النيل الأهلية المصرية -نهاية يونيو الماضي- اتفاقيةً لإنشاء مركز دولي للهيدروجين الأخضر بالتعاون مع منظمة الهيدروجين الأخضر GH2، وهي منظمة سويسرية غير ربحية تهتم بمعالجة كارثة المناخ من خلال زيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر واستخدامه باعتباره إحدى التقنيات النظيفة لإزالة الكربون من الصناعات المختلفة.

 

يوضح وائل عقل –رئيس جامعة النيل الأهلية- أن المركز يستهدف تدريب الكوادر المصرية العاملة في مجال الهيدروجين الأخضر، وتقديم خدمات علمية لمد الحكومة المصرية بالدراسات والاعتمادات اللازمة لجعل هذه التكنولوجيا ذات جدوى اقتصادية.

 

يقول "عقل" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": سيضم المركز أطرافًا أخرى من "المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر" كممثلين للحكومة المصرية، إضافةً إلى ممثلين عن الجهات المانحة البارزة مثل البنك الدولي.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.230