أخبار

إنفلونزا الطيور تثير قلق العالم: هل نحن مقبلون على جائحة أخرى؟

نشرت بتاريخ 30 يوليو 2024

تتسابق دول العالم الغنيَّة على شراء لقاحات إنفلونزا الطيور، وتعزيز منظومات الرصد الوبائي لديها، في الوقت الذي يُخشى فيه أن تسقط الدول الفقيرة من الحسابات.

سمريتي مالاباتي

رُصدت إنفلونزا الطيور شديدة الإمراض في 145 قطيعًا من قطعان الماشية في الولايات المتحدة.
رُصدت إنفلونزا الطيور شديدة الإمراض في 145 قطيعًا من قطعان الماشية في الولايات المتحدة.
Credit: Matthew Ludak for The Washington Post via Getty

مع تنامي أعداد حالات الإصابة بإنفلونزا الطيور بين قطعان الماشية في الولايات المتحدة، راحت بعض البلدان تتأهَّب لاحتمال انتقال الفيروس بين البشر، وذلك بتعزيز منظومات الرصد الوبائي لديها، فضلًا عن شراء اللقاحات أو العمل على تطويرها.

يقول سكوتّ هِنزلي، اختصاصي المناعة بجامعة بنسلفانيا، الواقع مقرُّها بمدينة فيلادلفيا الأمريكية: "الفيروس في حالته الراهنة لا يبدو أنه يتوفَّر على مقوِّمات إحداث جائحة عالمية. لكن، أمَا وأننا نتحدث عن أحد فيروسات الإنفلونزا، فالمعادلة بأكملها يمكن أن تتغيَّر مع حدوث طفرة واحدة".

رُصد فيروس إنفلونزا الطيور شديد الإمراض (H5N1)، حتى الآن، في 145 قطيع ماشية، إضافةً إلى أربعة من عمَّال المزارع، في 12 ولاية بالولايات المتحدة الأمريكية. ويعتقد الباحثون أن أعداد الحالات غير المكتشَفة، في الأبقار والبشر على السواء، ربما تكون أكبر بكثير. وترى أنجيلا راسموسن، باحثة الفيروسات بجامعة ساسكاتشوان، ومقرها مدينة ساسكاتون الكندية، أن فُرص السيطرة على الفاشيَّة "تقلُّ يومًا بعد يوم".

تشير الدراسات إلى أن الفيروس ينتقل بين الأبقار عن طريق أدوات الحَلْب الملوَّثة بالفيروس1 ،2، لا عن طريق الجسيمات المحمولة جوًّا. والخطر الأكبر يتمثَّل في احتمال تطوُّر الفيروس بحيث يُصيب الثدييات بكفاءةٍ أكبر، كأن يُصيب المجرى التنفُّسي، ليجعل السيطرة عليه أشدَّ صعوبة. وإذا أخذنا في الاعتبار ما بين البشر والأبقار من اختلاطٍ وثيق وكثيف، فمعنى ذلك أن انتقال الفيروس عبر الهواء يمكن أن يترتَّب عليه اندلاع جائحة عالمية.

الجهود التي تُبذل تحسُّبًا لهذا الاحتمال تأخذ صورًا عدة، من بينها: تقييم المخاطر، والنمذجة، والتنبُّؤ بمسارات تفشِّي الفيروس. تقول ميشيل ويلي، عالمة الأنظمة الإيكولوجية المتخصصة في الفيروسات بجامعة ملبورن الأسترالية: "الكثير من العمل يُبذل على المستوى الدولي، تخطيطًا [للجائحة المحتملة] وتأهُّبًا لها".

ومن جانبها، ذكرت نيكول لوري، التي تدير جهود التأهب والاستجابة في تحالف ابتكارات الاستعداد للأوبئة (CEPI)، الذي يتخذ من العاصمة النمساوية أوسلو مقرًّا له، أن النهج المعمول به في التحالف "حاليًا هو «التأهُّب الهادئ»... كما لو كنَّا نرتدي أحذيتنا انتظارًا للحظة التي يتعين علينا فيها أن نشرع في الجري".

تطعيم البشر

اللجوء إلى اللقاحات يُعد من بين استراتيجيات التأهُّب الرئيسية، بما تمنح البشر من حمايةٍ من المرض حال انتشار الفيروس على نطاق أوسع. ومن شأن التطعيم أيضًا أن يقلل خطر امتزاج إنفلونزا الطيور بفيروسات الإنفلونزا الموسمية، بقابليتها العالية للانتقال بين البشر.

في مايو الماضي، أطلقت منظمة الصحة العالمية، الكائن مقرها في جينيف، مبادرة لمراجعة اللقاحات المتاحة حاليًّا المرشحة للوقاية من الإنفلونزا، وأعلنت عزمها على مكافحة فيروس إنفلونزا الطيور المنتشر بين الماشية. وفي تعليقٍ أدلت به ماريا فان كيرخوف، التي تقود جهود المنظمة للتأهب للأوبئة والجوائح والوقاية منها، ذكرت أنه "على الرغم من أن الخطر الحالي على الصحة العامة لا يزال منخفضًا، فإن المنظمة في حالة استعداد دائم لاحتمال اندلاع جائحة الإنفلونزا".

تعاقدت المفوَّضية الأوروبية، الشهر الماضي، على شراء نحو 700 ألف جرعة من لقاح الإنفلونزا الذي تُصنِّعه شركة «سي إس إل سيكيروس» CSL Seqirus، بمدينة ميدنهيد البريطانية، مع إمكانية شراء 40 مليون جرعة أخرى. يحمي هذا اللقاح متلقِّيه من الإصابة بالسلالات H5 من فيروس الإنفلونزا من النوع A. وفي يونيو أيضًا، شرعت فنلندا في تطعيم مواطنيها بلقاح إنفلونزا الطيور، مع التركيز على الفئات المعرضة لخطر مرتفع، لا سيما في مزارع الدواجن، ومزارع إنتاج الفراء.

وترى راسموسن أن بلدانًا أخرى، خاصةً الولايات المتحدة، بحاجةٍ إلى أن تفكِّر هي الأخرى في تطعيم الفئات الأشد عُرضةً للإصابة. وكانت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية (HHS) قد تعاقدت في مايو الماضي على شراء 5 ملايين جرعة أخرى من لقاح شركة «سي إس إل سيكيروس»، بُغية تخزينه.

أكثر اللقاحات المتاحة حاليًّا تقوم فكرتها على سلالات معطَّلة أو مُخمَدة من الفيروسات المستزرعة في بيض الدجاج، وهي لقاحات قليلة التكلفة، غير أن إنتاجها يستغرق وقتًا طويلًا. وفي الأثناء، يعكف الباحثون على تطوير لقاحات جديدة اعتمادًا على تقنية الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA)؛ وهذه اللقاحات أقلُّ تكلفة، إلا أن إنتاجها يستغرق وقتًا أقصر، كما أن تركيبتها يمكن تعديلها بحيث تستهدف سلالات جديدة. إنها تقنية كفيلة "بتغيير قواعد اللعبة"، على حد وصف هنزلي، الذي طوَّر لقاحًا يقوم على هذه التقنية، وهو من اللقاحات المرشَّحة للوقاية من فيروسات الإنفلونزا من النوع H5، وعمد إلى تجريب هذا اللقاح على حيوان النمس3. وتابع قائلًا: "في حال إذا وقعت جائحة، فأكبر الظن أن هذه اللقاحات سوف يُستعان بها على نطاق واسع".

خلال الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الصحة الأمريكية أنها دفعت لشركة الأدوية «موديرنا» Moderna، الكائنة في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس، مبلغًا مقداره 176 مليون دولار أمريكي لتطوير لقاح حمض نووي ريبي للوقاية من سلالات H5 من الإنفلونزا.

يسعى تحالف ابتكارات الاستعداد للأوبئة إلى ضمان أن تكون الاستجابة عادلة على المستوى العالمي. نصف الإمدادات المتاحة حاليًّا من اللقاحات محجوزة بالفعل بعقود أو ضوابط تصدير، على حد قول لوري، التي أضافت أن من الضروري ضمان وصول الجرعات المتبقية إلى مَن هم بحاجةٍ إليها. وقالت: "وكما رأينا في حالة جائحة «كوفيد»، يمكن للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط أن تُدفع مرةً أخرى إلى آخر الصف".

وتطعيم البقر أيضًا؟

تبحث بعض البلدان، ومنها الولايات المتحدة، إمكانية تطعيم الماشية بُغية كبح انتشار العدوى. ترى جِنا جروثميلر، اختصاصية المناعة بالحرم الطبي لجامعة كولورادو أنشوتس، بمدينة أورورا الأمريكية، أن "هذا قد يلعب دورًا هائلًا في تقليل فُرص التفشِّي"، وأن تنفيذه سيكون حلًّا عمليًّا أيضًا، في إطار الاتجاه الحالي إلى تطعيم الماشية.

والحقُّ أن عديدًا من الفِرَق البحثية منكبَّة على تطوير لقاحات للماشية؛ وإن كانت تعترضُهم تحديات ينبغي التغلُّب عليها. تشير الدراسات إلى أن الفيروس المنتشر بين قطعان الماشية يجد مستقَرًّا آمنًا له في الغدد الثديية والخلايا الظهارية2 في ضرع البقرة. وربما يكون من الصعوبة بمكان تحفيز استجابة مناعية وقائية في هذا الموضع من جسم البقرة، حسب قول دييجو ديل، عالم الفيروسات بجامعة كورنيل في مدينة إيثاكا الأمريكية، الذي يعمل على تطوير لقاحات محتملة للوقاية من إنفلونزا الطيور شديدة الإمراض معتمِدًا على فيروسات الحمض النووي غير الضارة في توصيل المادة الجينية. وكذلك يعكف هنزلي على تجريب لقاح الحمض النووي الريبي المرسال الذي قام بتطويره على الماشية والخنازير.

ما يُخشى في هذا الصدد، حسب رأي توماس بيكوك، عالم الفيروسات بكلية لندن الجامعية، أن تؤدي اللقاحات إلى التعمية على الأعراض لدى الحيوانات التي لا تزال مصابةً بالفيروس، ومُعدية؛ ما يزيد من الخطورة على البشر.

ومن هنا، يذهب مارتن بير، عالم الفيروسات بمعهد الأبحاث الفيدرالية لصحة الحيوان في مدينة جريفسفالت الألمانية، إلى أن تطعيم الحيوانات ينبغي النظر إليه على أنه الملاذ الأخير، بعد استنفاد جميع خيارات المكافحة الأخرى، قائلًا إن هذا الحل لا يُلجأ إليه إلا في "أسوأ السيناريوهات".

رصد وبائي

سعيًا إلى استباق الفيروس، تعمل البلدان كذلك على تتبُّع انتشاره عن طريق تكثيف عمليات فحص الأشخاص والحيوانات. قبل تفشِّي الفيروس في الولايات المتحدة، لم يكن الباحثون يظنُّون أن إصابة الماشية بإنفلونزا الطيور ممكنة. وها هُم الآن يتسابقون على تطوير وسائل تشخيصية متخصصة لهذا العائل دون سواه.

إيزابيلا موني، التي تدرس الفيروسات الحيوانية من زاوية علم الوبائيات الجزيئي بمعهد فينيسيا للوقاية الحيوانية التجريبية، المُقام في بلدة ليجنارو الإيطالية، من بين هؤلاء الباحثين المنشغلين بتطوير وتقييم وسائل من شأنها مساعدة المختبرات في شتى أنحاء القارة الأوروبية على كشف الجسيمات الفيروسية والأجسام المضادة (التي تُعد شاهدًا على حدوث إصابة سابقة) في دماء الأبقار وحليبها. وقد طفقت مجموعات بحثية في أنحاء متفرقة من أوروبا، وكندا، والولايات المتحدة في فحص عينات من دم وحليب الأبقار.

ومن الباحثين من ينشغل بمراقبة التسلسلات الجينومية للفيروس، تحسُّبًا لوقوع تغيُّرات يكون من شأنها رفع قدرته على إصابة خلايا الجزء العلوي من المجرى التنفسي. فهذه الطفرات، إن حدثت، ستمثِّل خطرًا أكبر على البشر.

من ذلك أن مجموعةً بحثية أنشأت4 مكتبة جمعت فيها كل طفرات الأحماض الأمينية التي يمكن أن تطرأ على ما يُعرف ببروتين الراصَّة الدموية (haemagglutinin)، الذي يستعين به الفيروس في النفاذ إلى داخل الخلايا. بحث الفريق في الخلايا البشرية مدى قدرة البروتينات الطافرة على الارتباط بالمستقبِلات الموجودة في الجزء الأعلى من المجرى التنفسي، وكذا مدى استقرارها في الأوساط الحمضية؛ وهما سِمتان "معروف ارتباطهما بتحوُّل الفيروسات من الطيور إلى عوائل ثديية، وما يتبع ذلك من حدوث الجوائح"، حسبما ذكر بيكوك، الذي شارك في وضع هذه الدراسة، علمًا بأنها لم تخضع بعدُ للتحكيم. وقال إن متابعة هذه الطفرات يمكن أن يُتيح وضع تنبُّؤات فوريَّة لخطورة الفيروس.

 

* هذه ترجمة للمقال الإنجليزي المنشور بدورية Nature بتاريخ 12 يوليو 2024.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.237


1.   Le Sage, V. et al. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2024.05.22.595317 (2024).

2.   Caserta, L. C. et al. Preprint at bioRxiv https://doi.org/content/10.1101/2024.05.22.595317 (2024).

3.   Furey, C. et al. Nature Commun. 15, 4350 (2024).

4.   Dadonaite, B. et al. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2024.05.23.595634 (2024).