دورية Nature ترسل صحفيةً لاستطلاع ما يحدث داخل أحد المؤتمرات، في إطار
التحقيق الصحفي الذي تجريه حول الفعاليات العلمية الصورية.
كرستين رو
عندما وصلت بيا لورين إلى المملكة المتحدة، قادمة من
تشيلي، لحضور مؤتمر في مارس من عام 2024، لم يكن هذا أول مؤتمر علميٍّ تحضره؛ بل
سبق لها حضور مؤتمرات أخرى عُقدت في أمريكا اللاتينية وأوروبا. إلا أن المشاركة في
مؤتمر علمي دولي آخر كانت من متطلَّبات حصولها على منحة بحثية.
وكان مؤتمرٌ يحمل عنوان «المؤتمر الدولي الخامس
والعشرون لأمراض الكُلى والمسالك البولية والفشل الكلوي» خليقًا بأن يلفت نظر
الباحثة، ويسترعي انتباهها. لِمَ لا، وقد ضمَّت قائمة المتحدثين بالمؤتمر — كما
نُشرت على موقعه الإلكتروني — جملةً من "الأسماء ذائعة الصيت" في
مجالها؟!
دَلَفَت الباحثة إلى مكان انعقاد المؤتمر، الذي لم يكن
أكثر من فندق من فئة النجوم الأربع، فإذا بالمكان يخلو من أي لافتة للمؤتمر، وأي
علامةٍ على انعقاده. قادتها قدماها في نهاية المطاف إلى غرفةٍ قد عُلِّقت على
بابها لافتة كُتب عليها «اجتماع بولسوس» Pulsus meeting؛ ولم تفطن الباحثة إلى معناها بادئ الأمر. داخل هذه الغرفة، التقت شابًا حديث السن، بادي الارتباك،
أخبرها أن مؤتمر أمراض الكلى كان يُعقد جنبًا إلى جنبٍ مع فعاليات طبية أخرى.
ولمّا دخلت لورين قاعة المؤتمر، وجدت مجموعةً من
المكاتب المتراصة، عددها الإجمالي 21 مكتبًا، قد انتظمت في صفوفٍ ثلاثة، بانتظار
أن يجلس إليها المشاركون على مدار اليوم. انطلقت وقائع المؤتمر، فإذا الكلمات
تترى، وإذا بأول كلمتين أُلقِيَتا على مسامع الحضور تدوران حول طب العيون. وإذا
بهاتين قد أُتبِعَتا بكلماتٍ أخرى تتناول موضوعاتٍ لا رابط بينها، من قبيل
السُّمّية الدوائية، وطب الأسنان، والمضادات الحيوية. وإزاء ما يجري، عَلا الذهولُ
وجهَ لورين ووجوهَ غيرها من الحضور، ولم يكن الذهول يزداد بمرور الوقت إلا شدّة. واحدة
من الحاضرين قدِمَت من جامايكا قاصدةً حضور مؤتمر عن القِبالة، فإذا بها لا تسمع
عن القِبالة كلمة واحدة. ومنهم مَن أقبل مسافرًا من بلدان متباعدة، مثل أوكرانيا
وإيران والولايات المتحدة. والأدهى من ذلك، والأمرُّ، أن الشركة المنظمة للمؤتمر
ضربت موعدًا لمؤتمر آخر عن الطاقة المتجددة في ذات اليوم وذات المكان. وقد جمعت
الشركة — واسمها «كونفرانس سيريز» Conference Series، الذي يقابله في العربية: سلسلة المؤتمرات — جمعت هذه المؤتمرات جميعًا في مكان واحد وزمان واحد، وأعطت الفعالية اسمًا، هو: «القمة العالمية الثلاثون للرعاية الصحية». وشركة «كونفرانس سيريز»، التي لا تقلُّ دلالتها غموضًا عن لافتة «اجتماع بولسوس»، تابعة لشركة متخصصة في النشر وتنظيم المؤتمرات، تُدعى «أوميكس إنترناشيونال» OMICS
Inernational.
مراسلة Nature حضرت هذه الفعالية، وكانت شاهدةً على الفوضى التي غلبَت عليها.
فقد أفادت طالبة الدكتوراه التي نهضت بمهام الإعداد للمؤتمر بأنها كُلِّفت عبر
الإيميل، قُبيل موعد الانعقاد بأيام قليلة، بإلقاء كلمة في المؤتمر، على أن تكون
هذه مهمَّة إضافية غير مدفوعة الأجر. أما مدير المؤتمر، الذي ذكر أن صديقًا له
أخبره بأن هذه المهمة مدفوعة الأجر قد أُسندت له قبل المؤتمر بأيام، فقد حضر ومعه
حاسبه الشخصي، لكنه ما إن اجتمع بالحاضرين حتى هُرعوا إلى غُرَفهم الفندقية لإحضار
الكابلات اللازمة للعروض التقديمية. ولم يكن من بين الحضور ممثلون لشركة «كونفرانس سيريز».
تلاحقت جلسات المؤتمر التسع، الواحدة تلو الأخرى،
بطريقة عجلى ولاهثة. وعلى الرغم من أن المؤتمر كان مقررًا له الانتهاء بحلول
الخامسة والنصف مساءً، إذا به يُختتم دون سابق إنذار عند الثانية عشرة والنصف
ظهرًا؛ ما أحدث التباسًا وارتباكًا جليَّين. حتى إن الباحثين الذين أعدُّوا عروضهم
التقديمية على لوحات ورقية — ومنهم باحثة اضطُرت إلى أن تقطع رحلتَي طيران في سبيل
إنجاز عرضها التقديمي — غادروا ولوحاتهم بعدُ مطويَّة، لم تتسنَّ لهم فرصة فردِها.
حينئذٍ، أدركت لورين، وهي باحثة ما بعد الدكتوراه
المتخصصة في البيولوجيا الجزيئية بجامعة الحصن، في مدينة تيموكو التشيلية، أن
الفعالية لم تكن تستحق عناء سفرها الطويل إلى لندن. أخبرها أحدهم أن المؤتمر في
يومه الثاني سوف ينعقد افتراضيًا، وأنها ستلقي كلمتها (كغيرها من كلمات المتخصصين
في أمراض الكُلى) عبر الإنترنت. إذن، فقد جلست لورين إلى حاسوبها حيث نزلت بمنزل
أحد الأصدقاء على أطراف لندن، وألقت كلمتها عبر تطبيق الاجتماعات الإلكترونية
«زووم» على نفرٍ قليل من الحاضرين.
لم تكن الفعالية الافتراضية أقلَّ فوضوية من سالفتها
التي جرت على الأرض. فقد غاب عن الجلسة مديرها، الذي خرج بداعي أداء تمارين إطالة
العضلات (حتى آلت مسؤولية إدارة الجلسة في لحظةٍ ما إلى مراسلة Nature). وكان من بين المشاركين مَن ألقى كلمته أربع مرات. وعدا كلمة
لورين، خَلَت الجلسة من أي كلمةٍ تمتُّ لأمراض الكُلى بِصِلة.
تواصلت Nature مع مسؤولي شركة «أوميكس» لسؤالهم عن المؤتمر، فلم تتلقَّ ردًّا.
تصف لورين التجربة بأنها كانت، في المجمل،
"محبطةً إلى أقصى حد". وقالت: "لم يدُر بخاطري أنني سوف أتعرض
لموقفٍ كهذا في دولةٍ متقدمة كالمملكة المتحدة".
متى يكون المؤتمر وهميًا؟
قرار دورية Nature بإشراك مراسلتها — إلى جانب لورين — في الفعاليتين الواقعية
والافتراضية جاء في إطار التحقيق الصحفي الذي تُجريه الدورية عن المؤتمرات
الوهمية. وهناك أيضًا الدوريات الوهمية، التي تجمعها بهذه المؤتمرات قواسم مشتركة،
إذ تَعِد الباحثين بنشر أي دراسة، في أي تخصص، دون إخضاعها للتحكيم، لقاءَ مبالغ
تتقاضاها الدورية من الباحث. وكما هو حال الدوريات الوهمية، قد
يكون من الصعب وضع تعريف للمؤتمرات الوهمية
(predatory conferences). لكن من الاعتبارات التي عادةً ما يُحكم على أساسها إن كان
المؤتمر وهميًّا: عدم إخضاع العروض التقديمية للتحكيم (أو مراجعة الأقران)، وسوء
التنظيم، وتركيز الجهة المنظِّمة على جمع المال.
يعتقد جيمس ماكروستي، الذي يدرس إدارة الأعمال بجامعة
دايتو بونكا في العاصمة اليابانية طوكيو، أن عدد المؤتمرات الوهمية لا يزال في
ازدياد، وأن الجهات المنظِّمة لمثل هذه المؤتمرات تبرع في تغيير ممارساتها بالسرعة
اللازمة لتجنُّب اكتشافها. بل يزيد على ذلك بقوله إن هذه المؤتمرات، التي يسمّيها
اليابانيون «المؤتمرات الجشعة»، تفُوق في عددها الآن المؤتمرات الحقيقية أو
الشرعية.
وضعت «شراكة إنتر أكاديمي» InterAcademy
Partnership (IAP)، وهي شبكة دولية تضم أكثر من 140 أكاديمية
علمية، تصنيفًا مفصلًا للمؤتمرات باختلاف تنويعاتها. على أحد طرفي هذا التصنيف
توجد المؤتمرات المخادعة والزائفة زيفًا بيِّنًا: كأن تُوضع على موقع المؤتمر
قائمة بأسماء المتحدِّثين، ومنهم مَن لم يسمع به من الأصل؛ أو أن تجمع الجهات
المنظِّمة أموالًا على ذمة مؤتمر لا ينعقد قطّ؛ أو أن تتعهد هذه الجهات بتطبيق
مبدأ التحكيم، ويكون هذا مخالفًا لما يجري على أرض الواقع. وعند الطرف الآخر، تقف
المؤتمرات التي تأخذ بأفضل الممارسات المتبعة في هذا المجال: ومن ذلك أن يكون
الغرض العلمي من وراء عقد المؤتمر محددًا بدقة، وأن ينعقد المؤتمر بمشاركة جهات
شهيرة ومشهود لها بحسن السمعة، وأن يكون كل شيء خاضعًا لعملية تحكيم دقيقة وفاحصة.
وبين طرفي النقيض هذين، توجد أنواع وأشكال شتَّى، ومنها المؤتمرات التي تعوزها
الجودة، أو تكون جودتها موضعًا للتساؤلات. وقد لفتت «شراكة إنتر أكاديمي» إلى أن
المؤتمرات الوهمية أشيَع ما تكون في حقلَي الطب وطب الأسنان.
ماذا يدفع الباحثين إلى مؤتمرات تحُوطها الشبهات؟
"المؤتمر الوهمي يبقى غير مكتشَف في غالب
الأحيان"، بحيث لا يُعرف عنه أنه وهمي، هكذا أجابت تيريزا سيموفا، الباحثة
بمعهد الفلسفة التابع للأكاديمية التشيكية للعلوم في العاصمة براج، وهي عضوة
بمنظمة مناصِرة للعلوم المفتوحة وغير هادفة للربح، تُدعى «أوبن إير» OpenAIRE، ومقرها العاصمة اليونانية أثينا. والسبب وراء بقاء هذه المؤتمرات
يكمن، حسبما تقول، في أن "الباحثين، وبخاصة المتلهفون إلى زيادة رصيدهم من
الأعمال المنشورة، ينخدعون أحيانًا بما يصدُر عن هذه المؤتمرات من مطبوعة تُدرَج
على قواعد بيانات الاستشهاد المعروفة"، كأن تُنشر ضمن وقائع المؤتمرات، أو في
الدوريات المملوكة للجهات المنظِّمة للمؤتمرات.
وذكرت ديان نيجرا، التي تشارك في إدارة «شراكة إنتر
أكاديمي»، وهي الباحثة المتخصصة في دراسات السينما وثقافة الشاشات بالكلية
الجامعية في دوبلن، أن هناك ثلاثة أشياء ساعدت على إيقاع الباحثين في حبائل الوهم
والاستغلال: جائحة «كوفيد-19»، والمؤتمرات الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي.
أصبح الباحثون معتادين على درجة من غياب التنظيم في التفاعلات الافتراضية، وكذا
على تغيير الوجوه والأسماء في الجهات الأكاديمية؛ ولما كان الأمر كذلك، فقد لا
يفطنون إلى أنهم يقعون في شِراك مؤتمر من هذه المؤتمرات الوهمية. وتقول نيجرا:
"في ظل ما بات سائدًا من جفاء المعاملة، وانقطاع خطوط التواصل، لم يعد من
المستغرب أن يجد الراغبون في الحضور صعوبةً في الوصول إلى الجهات المنظِّمة للحصول
على معلومات واضحة".
من جهته، يرى جيفري بيل، الذي عمل فيما مضى أمينًا
لمكتبة جامعية، واشتُهر بالقائمة التي جمع فيها عددًا كبيرًا من الدوريات الوهمية،
أن الفئات الأكثر عُرضة للوقوع في شباك المؤتمرات الوهمية تشمل شباب الباحثين
الذين تعُوزهم الخبرة بالمؤتمرات، والباحثين الذين يحضرون فعالية اللغة المستخدمة
فيها ليست لغتهم الأم. يقول: "من السهل أن ينخدع هؤلاء".
على أن الأكاديميين ذوي الخبرة ليسوا في مأمنٍ من
المؤتمرات الوهمية كذلك، لا سيّما حين يرتادون مجالًا بحثيًا جديدًا بُغية توسيع
نطاق خبرتهم. في عام 2017، كانت فيكي ماير، باحثة الاتصالات بجامعة تولين،
ومقرُّها مدينة نيو أورلينز بولاية لويزيانا الأمريكية، راغبةً في بحث الديناميات
الداخلية لمجال مراكز البيانات؛ وهو موضوع لم يكن قد تنبَّه إليه إذ ذاك إلا قليل.
أخبرها أحد الأصدقاء أن شركة متخصصة في تنظيم
المؤتمرات كانت معنيَّة بإقامة فعاليات مهنية حول هذا الموضوع، ومنها فعاليَّة كان
مزمعًا إقامتها في لندن. تكاليف السفر لن تقل عن ألف دولار أمريكي، لكن الرحلة
تستحق — هذا ما قالته ماير في نفسها. غير أنها، عندما وصلت إلى المكان المحدد، لم
تجد لافتةً أو أي شيء يدلُّ على انعقاد مؤتمر. تقول: "أذكر شعوري حينها: بدأ
قلبي يخفق بشدة، ولسان حالي يقول: رباه، لا شيء هنا! ماذا أنا صانعة الآن؟!"
وإذا بموقع المؤتمر على الإنترنت قد اختفى هو الآخر.
بعد تبادل رسائل إلكترونية ومكالمات هاتفية غاضبة،
جاءها الرد بأن المؤتمر قد تقرَّر إرجاؤه، وأنها سوف تستردُّ المبلغ المدفوع.
ووصفت ماير التجربة بأنها كانت، على الجملة، "محبِطة غاية الإحباط". أما
الأمر الذي كان مدعاةً للضحك حقًا، فهو "أنها استردَّت أموالها بعد
لَأْي"، ثم لم يمضِ شهرٌ واحد إلا وتلقَّت دعوةً من ذات الشركة لإلقاء كلمة
في مؤتمر تُزمع إقامته. ومهما يكن من شيء، فقد غيَّرت هذه التجربة موقفها من
المؤتمرات إجمالًا؛ إذ أصبحت مُقلَّةً في حضور الاجتماعات، وحريصةً على أن تستخبر
عن منظِّمي المؤتمر قبل حضوره.
عرض وطلب
ليس الباحثون سواء، وليس حالهم جميعًا كحال ماير:
فمنهم من يتقصَّد التسجيل في المؤتمرات التي تحُوم حولها الشكوك، وتكون لهم مآرب
استراتيجية أخرى. ربما شعر أحدهم بالامتنان أن دُعي إلى مؤتمر مقام في مكانٍ بهيجٍ
يسرُّ الناظرين؛ ذلك أن المؤتمرات المريبة عادةً ما تنعقد في منتجعات سياحية.
وربما حضر آخر ولم يكن له من غرض إلا أن يُسجَّل حضوره هذا في سيرته المهنية.
يرى ماكروستي أن المسألة، في نهاية المطاف، هي مسألة
عرض وطلب. يقول: "المشكلة تكمن في أن المؤتمرات الشرعية لا تتسع للجميع، ومن
ثم فإذا لم يتيسَّر للباحثين المشاركة في مؤتمر معروف... فلن يجدوا بدًا من اللجوء
إلى واحد من تلك المؤتمرات الوهمية".
وأضاف: "عندما بدأتُ بحثي حول هذا الموضوع،
افترضتُ أن أكثر مَن يحضر هذه المؤتمرات يحضرها مخدوعًا. لكن، مع الأسف، ومن واقع
تجربتي مع عددٍ كبيرٍ جدًا مع الأكاديميين الذين يدعمون هذه الشركات عن قصد، لا
أجد بدًا من القول إن أغلب الباحثين — لا جميعهم بطبيعة الحال — يكونون على علمٍ
بأن المؤتمر عديم القيمة، أو يتظاهرون بأنهم لا يعلمون".
في مسح أجْرته «شراكة إنتر أكاديمي»، شمل أكثر من 1800 باحث من 112
دولة، ونُشر في عام 2022، تبيَّن أن 6% من الباحثين لم يكونوا على علمٍ بما إن
كانوا شاركوا في مؤتمر وهمي، وأفاد 3% منهم بأنهم شاركوا في مؤتمر وهمي عن غير
علم، كما اتضح أن 1% منهم شاركوا في المؤتمر رغم علمهم المسبق بأنه مؤتمر وهمي.
لكنَّ ماكروستي يُذَكِّر بأن هذه
ليست مجرَّد طريقة حميدة، عديمة الضرر، لتضخيم السيرة المهنية. وأوضح أن المؤتمرات
التي تتقيَّد بإجراءات مراجعة الجودة، في العموم، يمكن أن تخصم من مصداقية المادة
المقدَّمة في تلك الفعاليات، سواءٌ أكانت تلك المادة ورقة منشورة، أم عرضًا
تقديميًّا. وربما يكون لهذه المؤتمرات تأثير أعمق وأطول أمدًا على الباحثين في
الحقل الطبي، إذ يحتاجون إلى البقاء على اطلاعٍ على آخر المستجدَّات من أجل ضمان
الاتساق فيما يُقدَّم للمرضى من علاجات.
تجارة رائجة وأرباح طائلة
الشركة المنظِّمة للفعالية التي
حضرتها لورين ومراسلة Nature يُشار إليها باسم «كونفرانس سيريز» Conference Series
أحيانًا، و«بولسوس» Pulsus أحيانًا أخرى. ومما تجدُر الإشارة إليه أن محكمة أمريكية أصدرت بحق شركة «أوميكس»، وهي
الشركة الأم، حُكمًا في عام 2019 بردّ مبالغ مالية تزيد قيمتها على 50 مليون دولار، جمعتها الشركة عن طريق ممارسات
تجارية احتيالية في مجالَي النشر العلمي وتنظيم المؤتمرات. ورغم صدور هذه العقوبة
النادرة بحقها، لا تزال شركة «أوميكس» تزاول نشاطها. وقد تواصلت دورية Nature
مع الشركة بشأن هذا المقال، لكنها لم تتلقَّ منها ردًّا.
وذكر مراقبون أن هذا النشاط يمكن أن
يُدرَّ على أصحابه أرباحًا طائلة؛ ذلك أن "النموذج التجاري الذي يقوم عليه
سهلٌ استنساخه"، حسب قول بيل، الذي أضاف: "الأمر لا يتطلَّب أكثر من
موقع إلكتروني وبعض تصميمات الجرافيك اللافتة للأنظار؛ فإذا تمَّ لك ذلك، فبإمكانك
مزاولة هذا النشاط في بحر أسبوع". في عام 2018، تفتَّق ذهن الصحفيَّين سفي
إكريت وبيتر هورنوج عن تجربة ذكيّة: كَتَبا ورقةً بحثية لم تكن في واقع الحال إلا
هراءً، وملآها بكلامٍ لا معنى له، ونَسَبا نفسيهما إلى جامعة لا وجود لها، ثم كان
أن عَرَضا هذه الورقة في مؤتمرٍ نظَّمته في لندن «الأكاديمية العالمية للعلوم
والهندسة والتقنية» (WASET). وقدَّر الصحفيان وزملاؤهما أن أرباح تلك
الأكاديمية بلغت في عامٍ واحد نحو 4.5 مليون دولار أمريكي من جرَّاء تنظيم 157
فعالية، ضمَّ كلٌّ منها عديدًا من المؤتمرات المنفصلة.
تواصلت دورية Nature
مع الأكاديمية المذكورة، فنفَت أن تكون من تلك الجهات التي تنظِّم مؤتمرات وهمية،
وذكَرَت في ردِّها أنها وضعت قائمةً مفصَّلة بالضوابط المراعاة في تنظيم
المؤتمرات. وفي التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم الأكاديمية، ذكر أيضًا أن
وقائع المؤتمر وملخصات الأبحاث جميعها متاحةٌ على الإنترنت، في إطار حرص المؤسسة
على دعم فكرة العلوم المفتوحة.
وفي إطار التحقيق الصحفي الذي أجراه
الصحفيان، كشفا لروبرت هوبر، عالم الكيمياء الحائز على نوبل في الكيمياء، أن
المؤتمر الذي حضره، ونظَّمَته «كونفرانس سيريز»، كان مؤتمرًا "زائفًا".
وفي فيلم وثائقي دار حول هذا التحقيق، خلُص الصحفيان إلى أن "منظِّمي
المؤتمرات الزائفة نادرًا ما يخضعون للمحاسبة".
تكلفة تنظيم مؤتمر أكاديمي يمكن أن
تكون زهيدة. فقد أفاد مسؤول بإدارة المبيعات بالفندق الذي استضاف المؤتمر الذي
حضَرَته لورين أن القاعة التي تستوعب عشرين شخصًا تقريبًا تؤجَّر بـ500 جنيه
استرليني في اليوم، وهذه التكلفة تزيد 60 جنيهًا للشخص الواحد إذا قُدِّمت للضيوف
مأكولات ومشروبات. وبسؤال المشاركين في المؤتمر نفسه، تبيَّن أنهم دفعوا مبالغ
متفاوتة القيمة. وقد طالبَت لورين باسترداد قيمة رسوم التسجيل في المؤتمر، البالغة
520 دولارًا، لكنها لم تسترد المبلغ حتى وقت مثول هذا المقال للطبع.
وفي فعاليَّة أخرى نظَّمتها كونفرانس
سيريز، وشمِلَتها Nature في تحقيقها الصحفي، أن رسوم التسجيل الأقل
قيمة، من بين 51 خيارًا، بلغت 140 يورو (ما يعادل 150 دولارًا) في حالة التسجيل
المبكر، والاكتفاء بمُلصَق إلكتروني. أما الخيار الأعلى تكلفة، الذي يتضمَّن
المشاركة في معرض المؤتمر والتسجيل النهائي، فقد وصلت قيمته إلى 1783 يورو.
وقد تواصلت Nature مع «أوميكس» و«كونفرانس سيريز» للإفادة حول
نظام الرسوم لديهما، لكنها لم تتلقَّ منها ردًّا.
واتصالًا بالحديث عن المؤتمرات
الوهمية، نجد أن طبيبةً لا تزال في مستهلِّ حياتها المهنية، تعمل بمستشفًى لندني
مرموق، بلغ بها الانزعاج مداه. كيف لا، وقد ظهر اسمها وتوقيعها — دون موافقتها —
على شهادات الحضور التي تسلَّمها المشاركون في المؤتمر الذي حضرته لورين في شهر
مارس. وبدا للطبيبة أن المنظِّمين أرادوا استغلال اسم المستشفى الذي تعمل به
ليُضفوا على المؤتمر احترامًا ووزنًا. ولاحقًا، دفع الغضبُ أحدَ الحضور إلى اتهام
الطبيبة بأنها مشاركة في هذا الاحتيال؛ وهو الاتهام الذي أثار سخط الطبيبة.
وصف المشاركون في «القمة العالمية
للرعاية الصحية» انطباعاتهم عنها، التي لم تخرج عن انطباعاتٍ ثلاثة: الإحراج،
والارتباك، والغضب. ومع ذلك، لم يكونوا جميعًا راغبين في الإفصاح للغير عن هذه الانطباعات. من هؤلاء مَن قال إنه لن يخبر أحدًا بما وقع في هذا المؤتمر، خشية أن
يمسَّ هذا بسمعته العلمية؛ ومنهم من اعترف بأنه — مهما يكن شأن هذا المؤتمر — بإمكانه الإفادة منه في تغذية سيرته الذاتية، وتجميع النقاط على درب تطوير مسيرته
المهنية.
أما لورين، فكانت — على غير عادتها —
مستريحةً إلى رفع الصوت، وإذاعة ما جرى معها. تقول: "لم أحضر في حياتي
مؤتمرًا عديم النفع كمؤتمر الرعاية الصحية العالمية هذا. ولا أطمح إلى شيء الآن
أكثر من إسقاط جميع المسؤولين عنه عاجلًا غير آجل".
* هذه ترجمة للمقال الإنجليزي المنشور
بدورية Nature
بتاريخ 18 يوليو 2024.
تواصل معنا: