بعد عام من كارثة «درنة» الليبية.. مخاطر الفيضانات لا تنتهي
نشرت بتاريخ 13 سبتمبر 2024
تحذيرات من سيناريوهات قابلة للتكرار في المنطقة العربية والشرق الأوسط.. ومحاولات للمواجهة
هاني زايد
"ما عاشه أهالي درنة والمناطق المحيطة بها قبل عام أمرمأسوي لا يمكن وصفه بالكلمات، جميع الأسر المتضررة التي التقيتها لا تزال تبكي ذويها الذين فقدوا أرواحهم، وتريد أن تعود حياتها إلى مجراها الطبيعي".
بهذه الكلمات الصادمة لخصت جورجيت جانيون -منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في ليبيا- التداعيات الإنسانية لعواقب "العاصفة دانيال"، التي ضربت مدينة درنة في 10 سبتمبر من العام الماضي (ليلة 11 سبتمبر)؛ إذ جرفت الفيضانات أحياء كاملة ودمرت سدي "أبو منصور" و"البلاد"، وأدت إلى مقتل 4.352 شخصًا، ونزوح 43.400 شخص، وفق تقديرات "الأمم المتحدة" حتى نهاية أكتوبر 2023.
ولم يكن غريبًا أن تلقي كارثة "درنة" بظلالها على العديد من الدراسات التي حاولت استكشاف أسباب وقوع الفيضانات والبحث عن سبل لمواجهتها، وهو الأمر الذي اهتمت به العديد من التقارير والأخبار التي نشرتها "نيتشر ميدل إيست".
سيناريوهات قابلة للتكرار
تحت عنوان "تعاقُب فترات الجفاف الطويلة والمطر العنيف فاقم تأثيرات عاصفة درنة"، تناولت "نيتشر ميدل إيست" دراسة أعدها الباحثان "عصام حجي" و"جوناثان نورماند"، ونشرتها دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications)؛ إذ استخدم الباحثان الصور الرادارية لتوصيف عمليات النحت الناجمة عن تلك الفيضانات المفاجئة التي ضربت "درنة" ورسم خرائط للأضرار التي نجمت عنها.
ونقلت "نيتشر ميدل إيست" عن "حجي" قوله: الأرض الجافة بنسبة 100% لا يمكنها امتصاص المياه، وحين ينخفض المحتوى الرطوبي للتربة إلى أقل من 3% تتحول التربة إلى ما يشبه الفخار في صلابته، وتُضعف زيادة الضغط والتفريغ المائيين المتعاقبين على السدود قدرتها على التصدي للفيضانات مع مرور الوقت، لذلك تحتاج إلى صيانة دورية.
في حين أكدت "مباركة الغرياني" -رئيس مشروع إدارة الكوارث والأزمات في الهيئة الليبية للبحث العلمي، والباحثة المتخصصة في الهيدرولوجيا- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست" أن: مواجهة الظواهر الطبيعية المشابهة لعاصفة درنة يجب أن تشمل تعزيز البنية التحتية من خلال تحسين نظام التصريف وتطوير خطط عمرانية آمنة، والتأهب للطوارئ من خلال أنظمة إنذار مبكر، وتوعية فرق الاستجابة بالظواهر المماثلة وتدريبها عليها.
محاولات للمواجهة
وتحت عنوان "توصيات بإنشاء سد داعم في وادي الليث بالسعودية لمواجهة الفيضانات"، نشرت "نيتشر ميدل إيست" تقريرًا لدراسة نشرتها دورية "ساينتفك ريبورتس" (Scientific Reports)، مؤكدةً أهمية إنشاء سد داعم لسد الليث -الذي يبلغ طوله 380 مترًا وارتفاعه يتجاوز 44 مترًا- في المنطقة الثانية من الوادي بارتفاع يتراوح بين 230 و280 مترًا وبطول 800 متر، ما يساعد على التخفيف من مخاطر الفيضانات المفاجئة.
ووفق تصريحات أدلى بها عادل قطب -أستاذ الجيوفيزياء التطبيقية المشارك في كلية العلوم بجامعة حلوان، والمؤلف الرئيسي للدراسة- لـ"نيتشر ميدل إيست"، فإن "موقع السد الثاني المقترح يتميز بملاءمة مكانية (56%) أعلى من موقع السد القديم (44%)، مما يجعله خيارًا أفضل لبناء السدود، للتخفيف من مخاطر الفيضانات في منطقة الدراسة، ويمكن تطبيق النتائج على نطاق أوسع باستخدام الأساليب نفسها في مناطق مماثلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
مزيد من الفيضانات
تحت عنوان "المنطقة العربية.. توقعات بمزيد من الفيضانات"، تناولت "نيتشر ميدل إيست" تقريرًا أصدره الاتحاد العالمي لرصد المياه.
وأوضحت "نيتشر ميدل إيست" أن "حدة الأعاصير وزخات المطر الغزيرة زادت خلال العام الماضي 2023، بسبب التأثيرات الخطيرة التي أحدثتها درجات الحرارة القياسية في معظم أنحاء العالم على موارد المياه والمخاطر المرتبطة بالمياه".
وقال "ألبرت فان دايك" -أستاذ الهيدرولوجي في الجامعة الوطنية الأسترالية، والمؤلف الرئيسي للتقرير- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": كانت أحداث درنة الحدث الأبرز في عام 2023؛ إذ تعرضت مدينة درنة وإقليم شرق ليبيا بشدة لعاصفة دانيال.. لقد كان عامًا ممطرًا نسبيًّا في شبه الجزيرة العربية، وكان هطول الأمطار في أعالي النيل الأبيض والأزرق أعلى من المتوسط أيضًا، وعلى المدى الطويل، تشهد جميع البلدان -بما في ذلك جميع البلدان العربية- ارتفاعًا في درجات حرارة الهواء وزيادةً في درجات الحرارة الشديدة والجفاف الشديد والرطوبة الشديدة.
عمليات نزوح
"النزوح هربًا من الجفاف تسبب في زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المعرضة لخطر الفيضانات خلال العقود الأخيرة".. كان هذا ملخص تقرير نشرته "نيتشر ميدل إيست" بعنوان "الهروب من الجفاف يُعرض معظم سكان أفريقيا لخطر الفيضانات"، وتناولت خلاله دراسة نشرتها دورية "إيرثز فيوتشر" (Earth’s Future).
ركز الباحثون على تأثيرات الجفاف في 50 دولةً أفريقيةً بينها السودان والمغرب، ووجدوا أن الجفاف قد يدفع الناس إلى الاقتراب من الأنهار لمواصلة الأنشطة الزراعية.
وكشفت النتائج أن ما بين 70 إلى 81% من البلدان الأفريقية تشهد عمليات نزوح أكبر خلال فترات الجفاف، مقارنةً بالفترات التي لا تعاني فيها من الجفاف.
وذكرت سيرينا سيولا -عالِمة الهيدرولوجيا بجامعة بولونيا في إيطاليا، وقائد فريق البحث- أن "فريق البحث طور منهجيةً جديدةً لتقييم النزوح البشري الناجم عن الجفاف، ودمجنا أنواعًا مختلفةً من بيانات الأقمار الصناعية (الأضواء الليلية وشبكة الأنهار) مع مجموعة البيانات القائمة على التعداد (البنك الدولي) لتحديد التغييرات في أنماط المستوطنات البشرية، وتقييم التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للجفاف ودرجاته".
وقالت "سيولا" فيتصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": هذه النتائج مفيدةٌ لتحديد إستراتيجيات التخطيط المرتبطة بإدارة الأحداث المتطرفة (الفيضانات والجفاف)، وتخصيص الموارد على نحوٍ أفضل وفقًا للاحتياجات المختلفة للأشخاص الذين غيروا مواقعهم بسبب ظروف الجفاف.
تواصل معنا: