توصيات بضرورة تحسين الممارسات الزراعية وتطويع النظم الحيوية لزيادة إنتاجية الأرز في 15 دولة أفريقية بينها مصر
محمد السيد علي
يلبي
الإنتاج المحلي للأرز بقارة أفريقيا حوالي 60% فقط من الاحتياجات، وتستورد نحو 40%
من الخارج، ما يمثل تهديدًا كبيرًا للأمن الغذائي.
وبلغ
متوسط الكمية السنوية للأرز المستورد بين عامي 2018 و2020 حوالي 25 مليون طن متري،
أي ما يعادل 7 مليارات دولار أمريكي بالنظر إلى السعر العالمي الحالي للأرز.
ومن
المتوقع أن يتضاعف الطلب على الأرز بحلول 2050، مقارنةً بـ2020، ليبلغ 150 مليون
طن، بسبب النمو السكاني وزيادة الاستهلاك، وفق دراسة نشرتها دورية "نيتشر
كوميونيكيشنز" (Nature Communications).
وأوضحت
الدراسة أنه "من دون زيادة كبيرة في الإنتاج، فإن تلبية الطلب على الأرز في
المستقبل قد تدفع نحو الاستيراد، فضلًا عن تحويل موائل الحياة البرية للاستخدام
الزراعي".
لكن
الباحثين رأوا أن قطاع الأرز في أفريقيا لديه فرص كبيرة لزيادة إنتاجه من خلال
خطوات، أبرزها تحسين الممارسات الزراعية لتلبية الاحتياجات الغذائية المُتوقعة
لسكان القارة، وتقليل الاعتماد على الواردات.
يقول باتريسيو جراسيني، أستاذ
الهندسة الزراعية بجامعة نبراسكا، وقائد فريق البحث: تنتظر 15 مليون هكتار من
الأرز تحسين الغلة في أفريقيا، لكن لا يمكن تحقيق ذلك دون تحسين الهندسة الزراعية.
يضيف
"جراسيني" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": ينبغي تحديد
الأراضي الأكثر ملاءمةً لزيادة مساحة زراعة الأرز، وإعادة تأهيل شبكات الري، وزيادة
توافر المُدخلات الزراعية وإمكانية الوصول إليها، مثل البذور المُحسَّنة والأسمدة
والمبيدات الحشرية والآلات الزراعية.
15
دولة
أُجريت
الدراسة على 15 دولة أفريقية هي: مصر، وبوركينا فاسو، وكوت ديفوار، وإثيوبيا، وغانا،
وكينيا، ومدغشقر، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، ورواندا، والسنغال، وتنزانيا، وأوغندا،
وزامبيا.
ولحساب
إنتاج الأرز، استخدم الباحثون نهج نمذجة محاكاة المحاصيل القائم على العمليات،
استنادًا إلى بيانات الطقس، والتربة، وإمدادات المياه خلال الفترة من 2000 إلى 2019،
واقترن ذلك بجمع بيانات مكثفة على أرض الواقع.
ووجد
الباحثون أن متوسط إنتاج الأرز بأفريقيا يبلغ حاليًّا أقل من نصف متوسط الإنتاجية
المُحتملة التي يمكن تحقيقها من خلال الممارسات الزراعية المُحسّنة، لكن هناك فرصًا
لبلوغ 70 إلى 80% من الإنتاجية المُحتملة.
وبلغ
متوسط الإنتاجية في أفريقيا 8 أطنان/هكتار، واختلف وفق المناطق؛ إذ بلغ 4 أطنان/هكتار
في مناطق الزراعة المطرية بغرب أفريقيا، و11 طنًّا/هكتار بالمناطق المروية بدلتا
النيل في مصر، وفق الدراسة.
في حين
بلغ متوسط الإنتاج الإقليمي 4.7 أطنان/هكتار سنويًّا، وفق تقديرات "الفاو"، وحققت مصر
والسنغال أكبر تقدم في سد الفجوة بين الإنتاجية المُمكنة والفعلية للأرز.
ويرى
حمدي الموافي -رئيس المشروع القومي لتطوير الأرز بوزارة الزراعة المصرية- أن
"متوسط إنتاجية الأرز في مصر تخطى 10 أطنان للهكتار، في حين يبلغ الإنتاج
المُتوقع 11 طنًّا للهكتار، وهو أعلى إنتاج في وحدة المساحة على مستوى العالم".
يضيف
"الموافي" لـ"نيتشر ميدل إيست": طبقت مصر إستراتيجيات لتعزيز
إنتاج الأرز، عبر تحسين البذور ومقاومة الآفات والحشائش، وبلغت أعلى كفاءة ممكنة مقارنةً
بدول العالم المُنتجة للأرز.
الاكتفاء
الذاتي
يعتبر
الباحثون أن تحقيق مستوى معقول من الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية مهم
بالنسبة للبلدان ذات الاحتياطيات النقدية المحدودة، كما هو الحال في أفريقيا.
ولم
تحقق أي من البلدان المدرَجة بالدراسة الاكتفاء الذاتي من الأرز؛ إذ تراوحت نسبة
الاكتفاء بين 85% في مالي وتنزانيا، وانخفضت إلى أقل من 20% في إثيوبيا وكينيا
والنيجر.
يقول
"الموافي": استند البحث في تقديرات الاكتفاء الذاتي من الأرز في القارة إلى
استهلاك الفرد والواردات، دون أن يأخذ بعين الاعتبار الإنتاج الكلي والتصدير، وهذا
تقدير يجانبه الصواب فيما يتعلق بمصر التي تعتمد على استيراد أنواع معينة مثل
الأرز البسمتي والأرز الهندي منخفض السعر، بينما استطاعت البلاد توفير احتياجاتها
من الأرز بإنتاجها الداخلي خلال الأعوام الماضية، وحتى تصدير جزء من إنتاجها إلى الخارج.
ويتابع:
اعتمد التحليل على البيانات بين 2000 إلى 2019، ما يحد من دقة التنبؤات بعد هذه
الفترة؛ إذ استنبطت مصر أصنافًا جديدة عالية الجودة من الأرز تتحمل التغيرات
المناخية، مثل أصناف الأرز السوبر، التي رفعت الإنتاجية بأكثر من 20% مقارنةً بالأصناف
التقليدية، وذلك بالرغم من انخفاض مساحة الأرز المزروعة حاليًّا بمصر إلى أقل من مليون
فدان (450 ألف هكتار).
تحديات
وحلول
يرى
الباحثون أن السيناريو الأكثر واقعيةً لتلبية الطلب الأفريقي المحلي على الأرز يتمثل
في الجمع بين تحسين الإنتاجية والتوسع المعتدل في الأراضي الزراعية، وأن هذا يمكنه
منح المنطقة مستقبلًا أكثر تفاؤلًا.
وعن
التحديات المحتملة التي يجب التغلب عليها لزيادة إنتاج الأرز، يقول
"جراسيني": العوامل الاجتماعية والاقتصادية، مثل محدودية الوصول إلى
المعرفة والتمويل والمدخلات والأسواق، عاقت قدرة المزارعين على سد فجوات
الإنتاجية، وذلك بالتوازي مع محدودية آليات التطوير الزراعي، والصراعات السياسية
داخل البلدان وفيما بينها.
لكنه
أضاف أن "هناك العديد من التدابير التي يمكن أن تعالج هذه القضية، ومنها
تعزيز خدمات الإرشاد، وتقديم إعانات الأسمدة، وإدخال خطط ضمان الائتمان، وإنشاء
آليات لتحقيق استقرار أسعار المُدخَلات الزراعية".
تطويع
النظم الحيوية
من
جهته، يؤكد "خالد غانم" -أستاذ ورئيس قسم البيئة والزراعة الحيوية
بجامعة الأزهر- ضرورة زيادة مساحات الأراضي المخصصة للأرز، مع استنباط أصناف تتحمل
الظروف المناخية المُتطرفة مثل الجفاف وتملُّح التربة، وتحسين ممارسات إدارة
التربة بدعم التربة العضوية.
يقول
"غانم": يأتي هذا بالتوازي مع تطويع نظم حيوية مهملة مع الأرز، مثل استزارع
الطحالب الزرقاء مع الأرز، بالإضافة إلى دعم التحول إلى نظم غذائية مستدامة بزراعة
محاصيل غذائية أخرى لها قيمة تغذوية وتتحمل تبعات تغير المناخ، مثل الدخن
والكينوا، وتطوير برامج البحث العلمي والتعاون الإقليمي والدولي في استنباط
الأصناف ذات الإنتاجية العالية.
دور
مصري
ويرى "الموافي"
أن مصر يمكنها أن تؤدي دورًا رئيسيًّا في تطوير إنتاج الأرز في إفريقيا من خلال
عدة مبادرات، تتضمن نقل التكنولوجيا المصرية المتقدمة، واستخدام أصناف الأرز
العالية الإنتاجية في الدول الإفريقية المُنتجة، وإنشاء محطات بحثية للأرز في جميع
أنحاء القارة.
ويمكن
لمصر أيضًا استغلال المساحات الشاسعة من الأراضي والموارد المائية المتاحة في
الدول الإفريقية لزراعة أصناف الأرز المصرية العالية الإنتاجية، وتحديد أفضل
الأصناف التي تتناسب مع احتياجات المستهلكين في تلك الدول.
تواصل معنا: