هل يُحدث مشروع الجينوم المصري فرقًا في علاج الأمراض النادرة؟
نشرت بتاريخ 1 مارس 2024
غياب البروتوكول التشخيصي الموحد.. ونقص الأطباء المتخصصين.. وتجزئة نظام الرعاية الصحية أهم عوامل تعقيد الإدارة الفعالة للأمراض النادرة
محمد منصور
كان "أحمد" رضيعًا عاديًّا
يتمتع بما يتمتع به الرضَّع العاديون من حواس ونشاط، يبتسم كما يبتسمون، ويلعب كما يلعبون، تلقَّى رضاعة طبيعية ولم
تظهر عليه أي علامات مرضية حتى سن 12 شهرًا.
في ذلك التوقيت، لاحظت الأم معاناته
من صعوبة الحركة، ما دفعها لإجراء زيارات إلى أطباء متخصصين، أخبرها أحدهم بأن
الطفل يُعاني من ضعف عام، وقال آخر إنه يُعاني من عدوى في الجهاز التنفسي تمنعه من
البلع بصورة سليمة، وقال ثالث إن الطفل يُعاني من نقص الكالسيوم.
تدهورت حالة الطفل خلال 3 أشهر، فقد
قدرته على الجلوس بشكل كامل، وفقد أيضًا نصف وزنه تقريبًا، بعد 6 أشهر كاملة من
الفحوصات توصل أحد الأطباء إلى التشخيص.. كان أحمد مُصابًا بداء دوبويتز النادر،
وهو نوع من أنواع ضمور العضلات، جاء التشخيص متأخرًا، ولم تُساعد الأدوية المُتاحة،
وتوفي الطفل قبل أن يُكمل عامه الثالث.
تقول السيدة "غادة منيب"،
مؤسس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة "فرصة حياة"، وهي مؤسسة مصرية تقوم بجمع
التبرعات لجلب الأدوية باهظة الثمن للأطفال المصابين بالأمراض النادرة: إن ضعف الوسائل التشخيصية وعدم قدرة الأطباء على تشخيص الأمراض النادرة
مبكرًا، علاوة على غياب المؤسسات
المجتمعية المعنية بالتعرف على الأمراض النادرة، "تقف حجرَ عثرة في طريق حل
تلك المشكلة التي تمثل عبئًا على أهالي الأطفال، وعلى المجتمع أيضًا".
ففي بعض الحالات "تُشبه الأمراض
قصصًا مألوفة، ويمكن للأطباء التعرف بسرعة عليها، لكن في بعض الأحيان يكون الأمر
أشبه باستكشاف مناطق مجهولة"، تستطرد "منيب" في تصريحاتها
لـ"نيتشر ميدل إيست".
لكن.. ما هو المرض النادر؟ وكيف
يُمكن الحد من التشخيص الخطأ له؟
تشمل الأمراض النادرة مجموعةً من
الحالات المزمنة أو تلك التي تهدد الحياة، "إلا أن تعبير "نادر"
هنا هو أمر نسبي"، يقول الاستشاري الدكتور "طارق طه"، رئيس وحدة
الخلايا الجذعية بمركز البحوث الطبية والطب التجديدي وعضو اللجنة العلمية لمشروع
الجينوم المصري، والذي يُشير في تصريحاته لـ"نيتشر ميدل إيست" إلى أن "عدد
المصابين بالأمراض النادرة في العالم يتراوح بين 263 و446 مليون فرد".
في مصر، تتوافق وزارة الصحة والسكان
المصرية مع تعريف الاتحاد الأوروبي للأمراض النادرة، إذ تعتبر الحالة نادرة إذا
كانت تؤثر على ما لا يزيد عن شخص واحد من بين كل 2000 شخص.
ويؤكد "طه" أن معدل انتشار
زواج الأقارب المعلَن عنه في مصر 35% -وهو أعلى من متوسط مستوى زواج الأقارب في جميع
أنحاء العالم، البالغ (25%)- "يؤدي دورًا حيويًّا في نشأة الأمراض النادرة؛ إذ
إن معظم الأمراض النادرة هي عبارة عن أمراض وراثية جسدية متنحية تتطلب ظهور نسختين
متحورتين، وبما أن قرابة الدم تزيد من فرص الحصول على نسختين متحورتين، فإن فرصة
الإصابة بمرض نادر تزداد".
كما أن نقص الأطباء المدرَّبين تدريبًا
جيدًا في مجال الأمراض النادرة يُعد مشكلةً كبيرةً في مصر، بما أن الأمراض النادرة
تصيب عددًا قليلًا من الأشخاص، يصعب على الأطباء اكتساب خبرة كافية في تشخيصها
وعلاجها.
وتقدم بعض المؤسسات الطبية المصرية
برامج زمالة في مجال الأمراض النادرة، بهدف تزويد الأطباء بالمهارات والمعرفة
اللازمة لتشخيص هذه الأمراض وعلاجها، كما تعمل بعض الجامعات المصرية على دمج محتوى
الأمراض النادرة في مناهجها الدراسية، ما سيساعد -على حد قول طه- على ضمان حصول
جميع طلاب الطب على فهم أساسي لهذه الأمراض.
مشكلات متعددة
ووفق دراسة مرجعية منشورة عن حالة الأمراض
النادرة في مصر للدكتور طارق طه وفريقه البحثي، تمتد تعقيدات الأمراض النادرة إلى
تطوير الأدوية، إذ يمثل تعقيد الحالات ومحدودية عدد المرضى تحديات كبيرة.
وعلى الصعيد العالمي، يمثل الإنفاق
على تطوير أدوية الأمراض النادرة ما بين 3 إلى 9٪ فقط من سوق الأدوية، مع حصول أقل
من 3٪ من هذه الأدوية على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، علاوةً على ذلك،
تفرض الأمراض النادرة عبئًا اقتصاديًّا كبيرًا بسبب التكاليف المرتبطة بالتشخيص
والموارد الطبية وفقدان الإنتاجية والمعدات المتخصصة والرعاية اليومية والنفقات
العائلية على الأدوية أو العلاجات البديلة.
ووفق الدراسة، ليس في مصر سجل لمرضى
الأمراض النادرة، مما يعوق التقدير الدقيق لانتشار هؤلاء المرضى، كما أن الافتقار
إلى التدريب المناسب للأطباء، والتشخيص الجزيئي، وبروتوكولات العلاج القياسية،
والأدوية، يعوق الحد من عبء الأمراض النادرة في مصر.
علاوةً على ذلك، يُعد زواج الأقارب
من أكثر الظواهر الاجتماعية السائدة والمؤهِّلة للإصابة بالأمراض الوراثية
النادرة، خاصةً في دول الشرق الأوسط.
كيفية التشخيص
في الغالب، يبدأ تشخيص الأمراض
النادرة بأخذ التاريخ الطبي، والفحص السريري، والتحقيق السريري، والاختبارات
المعملية الروتينية، والاختبارات البيوكيميائية، وإذا كانت هذه النتائج غير حاسمة،
فمن الضروري إجراء فحص جيني.
يبدأ الاختبار الجيني بالفحص
المستهدف للجينات المرشحة المعروفة المرتبطة بالمرض إذا كان المرض مميزًا وراثيًّا،
يتضمن ذلك تسلسل الجين الفردي، وغيرها من الطرق، وإذا كانت هذه النتائج غير حاسمة،
يُستخدم تسلسل الإكسوم الكامل لاكتشاف متغيرات جديدة في الجينات المرتبطة بالمرض.
بناءً على تلك المعلومات يقول
"طه": إن حل مشكلة الأمراض النادرة أمرٌ معقدٌ للغاية، "وبالتالي
يجب علينا فك تشابكات ذلك التعقيد تمهيدًا لحل الأزمة".
ووفق الدراسة، سيتم تشخيص 50% من
المرضى المصابين بمرض نادر على الأكثر، ولن نتمكن من تشخيص باقي الحالات بسبب
المشاركة المحدودة للبيانات الجينومية بين مقدمي الرعاية الصحية في جميع أنحاء
العالم، وعدم قدرة الطرق الحالية على تقييم الآليات الوراثية المرضية المختلفة
المسببة للأمراض النادرة، "ويُمكن أن يحل مشروع الجينوم المصري تلك
المشكلة".
جهود مصرية
يقول "طه": منذ عام 2000، أنشأت وزارة الصحة والسكان المصرية فحصًا لقصور الغدة الدرقية
عند حديثي الولادة، وفي عام 2015، تم إضافة فحص
"بيلَة الفينيل كيتون" phenylketonuria،
ومنذ عام 2021، قامت وزارة الصحة والسكان
بزيادة اختبارات فحص حديثي الولادة لتشمل 17
اضطرابًا وراثيًّا خلقيًّا آخر، من هذه الاختبارات خمسة عشر مخصصة للأمراض النادرة
في جميع أنحاء العالم مثل حمض البروبيونيك في الدم وبيلة حامض الجلوتاريك من النوع
1 وغيرها، معظم هذه الأمراض
يمكن أن تؤدي إلى تخلف عقلي، أو مشكلات صحية خطيرة، أو حتى الموت إذا تُركت دون
تشخيص أو علاج.
وأطلقت الرئاسة في عام 2021 مبادرة للتشخيص المبكر وعلاج ضمور العضلات الشوكي بتكلفة باهظة،
"وهذا يمهد الطريق أمام المختبرات الوراثية الحكومية والخاصة لتطوير الاختبارات
الجينية المختلفة لهذه الأمراض وتقديمها"، على حد قول "طه"، الذي
يقول: إن هناك بعض المنظمات غير الحكومية التي تهدف إلى رعاية مرضى الأمراض
النادرة وتحسين نمط حياتهم وتوفير العلاج لهم، مثل "فرصة حياة".
ويقول "طه": إن عدم وجود
بروتوكول تشخيصي موحد للأمراض النادرة يمكن أن يؤخر التشخيص والعلاج، مما يزيد من
العبء على المرضى والأسر والنظام الصحي للأمراض النادرة، التي غالبًا ما تكون مزمنةً
وتتطور، ما يعرض المريض لانتكاسات متكررة.
الجينوم المرجعي للمصريين
قبل نحو ثلاثة أعوام، انطلق
مشروع "الجينوم المرجعي للمصريين" بهدف رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري؛ لتحديد المؤثرات
الجينية تمهيدًا لتقديم علاجات الطب الشخصي للأمراض المختلفة.
يقول "طه": إن ذلك المشروع
يُمكن أن يُحدث "فارقًا قويًّا في عملية تشخيص الأمراض النادرة، التي يُمكن
أن تُسهم في العلاج المبكر للمرض".
ويضيف: إنشاء جينوم مرجعي مصري، وربط
البيانات الجينية والمظهرية لإنشاء نظام مصمم خصوصًا للمصريين كجزء من مشروع
الجينوم المصري سيطلق العنان لمجموعة من الدراسات التي تستهدف الأمراض النادرة ذات
الأعباء الاجتماعية والاقتصادية الأعلى في مصر، وسيتم إجراء مشروع دراسة للأمراض
النادرة على مرحلتين.
المرحلة الأولي هي دراسة تجريبية
للوصول إلى التشخيص الوراثي للمرضى غير المشخصين واستكشاف الأمراض الوراثية ذات
الأعباء الاجتماعية والاقتصادية الأعلى في مصر، "وبناءً على ذلك، يمكن تحديد
أولويات الأمراض النادرة الأكثر انتشارًا في مصر".
أما المرحلة الثانية فتستهدف إنشاء
علاقة وراثية/ظاهرية في أمراض نادرة محددة كي تمهد الطريق للطب الشخصي، الذي يصنف
المرضى وفق طفراتهم الجينية لتوفير أقصى تأثير دوائي بأقل سمية دوائية، متجاهلًا نهج
ملاءمة العلاج الواحد لجميع المرضي المصابين بهذا المرض.
تواصل معنا: