تظاهر مشاركون في دراسة بأنهم آباء لأطفال مصابين بالإسهال لكشف الدوافع الخفية وراء قرار الأطباء والصيادلة بوصف علاج أو آخر للمرضى المصابين بهذا العرض.
سمريتي مالاباتي
"الفجوة بين معرفة التصرف الصائب
والقيام به تصنع المشكلات دائمًا"، على حد تعبير اختصاصي اقتصاديات الصحة من
جامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي الأمريكية، ديفيد ليفاين. وهي فجوة تلفت إليها
وتبرزها دراسة نُشرت مؤخرًا في دورية «ساينس» Science1.
فكل عام على مستوى العالم، يلقى نصف مليون
طفل دون سن الخامسة حتفهم من جراء الإصابة بالإسهال. مع ذلك، لا يصف الأطباء
والصيادلة في كثير من الأحيان علاجًا رخيص التكلفة لإنقاذ المصابين بهذا العرض.
وتشير دراسة واسعة النطاق في هذا الصدد إلى أن هذا مرده أن الأطباء والصيادلة لا
يعتقدون أن مرضاهم يرغبون في هذا العلاج.
إذ يعي الأطباء والصيادلة في القطاع الخاص
الذين شملتهم الدراسة فوائد محلول علاج الجفاف الفموي (ORS). ويتمثل هذا العلاج في كيس من خليط من
الأملاح والسكر الممتزجين بالماء. وهو علاج متوفر منذ أكثر من نصف قرن، يقي من
الجفاف ويحد بصورة كبيرة من خطر الوفاة بالإسهال.
وللوصول إلى فهم أفضل للسبب الذي حال دون ورود
هذا العلاج في الوصفات الطبية للأطفال، التي يصدرها اختصاصيو الرعاية الصحية،
زاكاري فاجنر، اختصاصي اقتصاديات الصحة من مؤسسة «راند» Rand، وهي مؤسسة
غير ربحية للأبحاث والعلوم السياسية، تقع في سانتا مونيكا بولاية كاليفورنيا
الأمريكية، أطلق مع فريقه البحثي دراسة تجريبية تدخلية في اثنين من ولايات الهند،
هما ولايتا كارنانتاكا وبِهار.
فأرسل الفريق البحثي ممثلين يتظاهرون بأنهم
آباء لأطفال مرضى بعمر عامين لأكثر من ألفي طبيب وصيدلي في القطاع الخاص، جرى
اختيارهم عشوائيًا في بلدات متوسطة الحجم. إذ إن ثلثي من يعنون بأطفال في الهند
يلجؤون إلى العيادات والصيدليات الخاصة لعلاج أطفالهم.
وقد صُممت في الدراسة التفاعلات مع الأطباء والصيادلة
للوقوف على ما إذا كان وصف محاليل علاج الجفاف الفموية بمعدلات منخفضة يرجع
لانخفاض إمداداتها، أم لحوافز بإعطاء عقاقير أغلى ثمنًا، مثل المضادات الحيوية، أم
تأثرًا برغبة المرضى.
وقد وصل كل الممثلين المشاركين في الدراسة
لمنشأة الرعاية الطبية فجأة وأوضحوا أن أبناءهم يعانون الإسهال منذ يومين. وأخبر
بعضهم مقدمي الرعاية الصحية بأنه استخدم في السابق محاليل علاج الجفاف الفموية
وسأل ما إذا كان ينبغي له معاودة استخدامها. والبعض الآخر ذكر المضادات الحيوية،
والبعض الآخر لم يذكر أي علاجات سابقة. ونوه بعض من تظاهروا بمرض أطفالهم بأنهم لن
يشتروا أية أدوية من المنشأة وأنهم يطلبون النصح فحسب. كذلك بعث الفريق البحثي
إمدادات تكفي لستة أسابيع من محاليل علاج الجفاف الفموية إلى نصف المنشآت التي
شملتها الدراسة.
ووجد الفريق البحثي أنه مقارنة بالدوافع
المالية للعيادات أو الصيدليات أو مدى توفر محاليل علاج الجفاف الفموية، كان
لتفضيلات المرضى وزن أكبر في تفسير سبب ضعف ورود هذه المحاليل في الوصفات الطبية
للأطباء.
فقد كانت احتمالية الحصول على وصفة طبية يرد
فيها محلول فموي لعلاج الجفاف أكبر بمقدار الضعف بين الممثلين الذين أعربوا عن
تفضيلهم لهذه المحاليل منها بين من لم يذكروا تفضيلهم لأي علاجات. وأظهر استطلاع
رأي شمل أكثر من ألف شخص ممن يعنون بأطفال عبر الولايتين سالفتي الذكر وعددًا من
ممثلي العيادات الإكلينيكية والصيدليات أن 48% منهم يرى أن محاليل علاج الجفاف
الفموية هي العلاج الأفضل لحالات الإسهال، مع ذلك أعرب 16% فقط من هؤلاء
المستطلعين عن تفضيله لهذا الخيار لدى زيارة العيادات. وفي المقابل، لم ير إلا 18%
فقط من الأطباء والصيادلة أن مرضاهم في حاجة إلى محاليل علاج الجفاف الفموية.
تعقيبًا على هذه النتائج، قال ليفاين:
"إنها دراسة منمقة للغاية".
"إرضاء العميل" هو الأهم
بتعبير كارين جريبين اختصاصية اقتصاديات
الصحة من جامعة هونج كونج، فإن هذه النتائج "تعارض نوعًا ما الاعتقاد السائد
بين علماء الاقتصاد بأن الحافز المالي ذو وزن كبير" في هذه القضية. ففي
المقابل، تبين أن الحواجز المعرفية أكبر وزنًا هنا.
غير أن رامانان لاكشمينارايان، اختصاصي
الوبائيات من جامعة برينستون في ولاية نيو جيرسي الأمريكية يرى أن الدوافع المالية
قد يصعب فصلها عن الدوافع الأخرى. وهو ما يوضحه بقوله: "نحسب أن الأطباء هم
أشخاص محايدون يتخذون القرارات بناءً على الأصلح للمريض، لكنهم في كثير من الأحيان
لا يكونون كذلك. فهم يتخذون القرارات بناءً على ما فيه رضا المرضى"، والدافع
من وراء ذلك هو حافز مالي، وهو أنه "إذا لم يشعر المريض بالرضا عن العلاج، فسينفك
عن معاودة زيارة الطبيب".
وترى جريبين أن الدراسة بوجه عام مثيرة
للإعجاب، لكن ثمة الكثير مما تركته غامضًا. على سبيل المثال، لم يتضح السبب الذي يمنع
البعض من المرضى من التعبير لمقدمي الرعاية الطبية عن تفضيله لمحاليل علاج الجفاف
الفموية. كما أن الدراسة لا تطرح حلًا واضحًا لتحسين الإقبال على محاليل علاج
الجفاف الفموية. وهو ما تشير إليه جريبين قائلة: "لا ترشدني الدراسة حقيقة
للخطوة التالية".
ويزمع فاجنر تصميم دراسات أخرى للتحقق من
تأثير عدد من الإجراءات التدخلية لتغيير مفاهيم الأطباء والصيادلة، وللوصول إلى
تفضيلات المرضى. وهو ما يعلل له بقوله "نعمل فحسب على توعية الأفراد بأن
محاليل علاج الجفاف الفموية هي دواء منقذ للأرواح. وقد طرقنا منتهى ما يمكن أن
يعود به ذلك ".
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.88
1. Wagner, Z., Mohanan, M., Zutshi, R., Mukherji,
A. & Sood, N. Science 383, eadj9986 (2024).
تواصل معنا: