السلامة النفسية في العالم الرقمي: أولوية صحة عامة في المنطقة العربية
02 November 2025
نشرت بتاريخ 2 نوفمبر 2025
تظهر دراسات من المملكة العربية السعودية أن الشباب والآباء والمعلمين بحاجة إلى حلول تناسب السياق المحلي لمشكلة فرط استخدام وسائل الإعلام الرقمية.
يُعد الشباب في العالم العربي من بين الأكثر تفاعلًا مع الوسائل الرقمية على مستوى العالم. في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، يمضي المراهقون ما بين ست إلى عشر ساعات يوميًا على الإنترنت. فالحياة في العالم الرقمي - بداية من ألعاب الفيديو، إلى منصات التواصل الاجتماعي، مرورًا بمشاهدة وسماع المحتوى على الإنترنت، والتعلم عبره - أصبحت الثقافة الدارجة بين الشباب.
وفي الوقت نفسه الذي تتيح فيه التقنيات الرقمية فرصًا للتواصل والتعلُم والإبداع، تحمل معها أيضًا مخاطر متزايدة، منها اضطرابات النوم، والميل إلى الإكثار من الجلوس وقلة النشاط البدني، وضعف التركيز، وزيادة معدلات الإصابة بالقلق والشعور بالوحدة.
وتتجلى هذه المخاطر اليوم كقضايا مُلحة تمس الأسر والمدارس والعيادات على حدٍ سواء. فلم تعد السلامة النفسية على المنصات الرقمية قضية أسرية تنحصر مناقشتها في نطاق المنزل والأسرة، بل صارت أولوية صحة عامة للمنطقة العربية بأسرها.
وبالنظر إلى نقص المعلومات والحلول المتاحة لحماية السلامة النفسية في العالم الرقمي بالدول العربية، أجرينا أول استطلاع رأي في المملكة العربية السعودية حول هذه السلامة.
شمل الاستطلاع 92 مشاركًا من الشباب والآباء والمعلمين وصناع السياسات والأطباء الإكلينيكيين واختصاصيي تقنيات المعلومات، لفهم منظورهم حول الكيفية التي تُغير بها وسائل الإعلام الرقمية شكل الحياة اليومية.
وأفاد نحو نصف المشاركين بأن الشباب يمضون على الأقل أربع ساعات يوميًا في استخدام الشاشات لأغراض الترفيه والتسلية. وكان اضطراب النوم، والعزوف عن النشاط البدني، وضعف التركيز من أبرز المخاوف المرتبطة باستخدام الوسائل الرقمية.
ومن اللافت أن المشاركين أعربوا عن رفضهم الحلول المستوردة أو القيود العامة التي لا تراعي اختلاف السياقات. فعوضًا عن ذلك، فضل أكثر من 75% منهم البرامج التوعوية في المدارس، والإرشادات الموجهة للآباء، والموارد التي تساعد الشباب على إدارة حياتهم الرقمية باتزان.
وفي الوقت الذي تظهر فيه الدراسات أن إدمان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أكثر شيوعًا في أوساط المراهقين في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، طُورت غالبية الإجراءات التدخلية لحماية السلامة النفسية في العالم الرقمي بالأساس في دول أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا، ولم تجر مواءمتها إلا بصورة محدودة لتطبيقها في أنحاء أخرى من العالم.
وبناءً على هذا الاستطلاع، نشرنا ورقة بحثية حول المواءمة الثقافية لإجراءات حماية السلامة النفسية في العالم الرقمي، نبين فيها أسباب وسبل مواءمة هذه الإجراءات القائمة على أدلة مع الثقافة العربية.
وبدلًا أن يكون الفرد وحده محور هذه الإجراءات، ينبغي تصميمها بالتوازي مع دعم أسري ومجتمعي. وتظهر نتائجنا أنه في سياق تعاوُني أسري، يتوقع الآباء والمعلمون لعب دور فاعل في تشكيل سلوكيات الشباب على المنصات الرقمية، كما يرى كثيرون أن التديُن يخدم في هذا السياق كدرع واق يعزز التحكم في النفس والاتزان السلوكي.
بالإضافة إلى ذلك، يظهر «تقرير جيل ألفا السعودي«، الذي نُشر مؤخرًا أن 91% من الأطفال السعوديين يُتاح لهم استخدام الشاشات الذكية قبل عمر 12 عامًا، وأعرب آباء مشاركون في الاستطلاع عن مخاوف تتعلق باضطراب النوم بين مستخدمي المنصات الرقمية وضعف نشاطهم البدني وبالقيم والعادات الاجتماعية التي يغرسها استخدام هذه الأدوات.
وبالإضافة إلى الدراسات المذكورة، أجرينا استطلاع رأي على مستوى مدارس المملكة، شمل 3 آلاف طالب، وعقدنا مجموعات نقاش مكثف، بمشاركة الآباء والمعلمين. وأظهرت النتائج الأولية للاستطلاع حاجة المعلمين إلى مواد يسهل توفيرها في الفصول الدراسية، وتفضيل الآباء للحصول على إرشادات مبسطة تدعم السلامة النفسية لأطفالهم في الوسائل الرقمية، في حين أعرب المراهقون عن رغبتهم في مواد يمكنهم التفاعل معها، تعكس تجاربهم اليومية. وتساعد هذه النتائج على صوغ إجراءات تدخلية ملائمة للسياق الثقافي العربي، وتستند إلى آراء الفئات الأكثر تأثرًا بالوسائل الرقمية.
ويُعد وضع سياسات وطنية موازية لهذه الإجراءات أمرًا ضروريًا لتحقيق أفضل النتائج. على سبيل المثال، أضافت وزارة التعليم السعودية قضايا مثل إدمان الوسائل الرقمية والسلامة النفسية في العالم الرقمي إلى مقررها التعليمي حول المواطنة الرقمية.
ورغم أن مشروعنا يتمحور حول السلامة النفسية على المنصات الرقمية في المملكة العربية السعودية، فإن هذه القضايا تلقي بظلالها على المنطقة العربية ككل. وإذ تعرب الأسر في دول المنطقة الأخرى عن المخاوف ذاتها، تبقى هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات المتعمقة حول هذه القضايا في العديد من دول العالم العربي.
وفي ضوء تعاوُن الدول العربية في قضايا مكافحة الأمراض المعدية والتغذية، ينبغي لها أيضًا التعاون فيما بينها في قضايا السلامة النفسية في العالم الرقمي. ومشاركة الأدلة والموارد ومواءمة التوجيهات مع السياق المحلي قد يسهم في بناء مستقبل ينعم فيه ملايين الشباب بمزيد من الصحة.
تم نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية بتاريخ 21 أكتوبر 2025
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.195
تواصل معنا: