بعد ما كان مصدر فخر، نظام التعليم في العراق يتراجع عقِب عقود من الإخفاق
نشرت بتاريخ 21 سبتمبر 2014
تستمر المدارس في العراق في الكفاح، وتحُدُّ من فرص صغار السنّ للتعلُّم. تُظهر المؤشرات التعليمية تراجعًا ملحوظًا، حيث أسهمت الحروب والعقوبات والنزاع الطائفي في تجريد النظام التعليمي العراقي من موارده.
كيرا ووكر
من المفترض أن تكون مريم بدنام -ابنة الإحدى عشرة سنة، من قرقوش، العراق- قد بدأت المدرسة الثانوية هذا الشهر. حلمها هو أن تصبح طبيبة لتتمكن من مساعدة الناس في مجتمعها.
لقد وُضع هذا الهدف قيد الانتظار بسبب موجة الصراع الأخيرة التي تجتاح العراق. والآن تحاول مريم وعائلتها، الحصول على ملجأ في خيمة حارّة مزدحمة في باحة كنيسة مار يوسف في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق. لن نرى مريم -إضافة إلى أكثر من مليون طفل مشرد في العراق- عائدة إلى فصول الدراسة هذه السنة.
أدت عمليات النزوح الأخيرة في العراق بسبب الحصار الذي يفرضه مسلحو الدولة الإسلامية، إلى إثارة حالة الطوارئ، فارضةً تحويل 2,000 مدرسة إلى مخيمات مؤقتة للأسر المشردة. وقد تأثر أكثر من نصف مدرسي العراق البالغ عددهم 95,666 مدرسًا، كما تأجلت الامتحانات النهائية للعام الدراسي السابق مرة أخرى بسبب انعدام الأمن.
ولطالما شكل العنف تحديًا للحكومة التي تكافح لإعادة بناء نظامها التعليمي. ويملك العراق ثاني أصغر المجموعات السكانية عمرًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وعدم تمكنه من تعليم أبنائه سيحمله تكلفة باهظة في المستقبل.
التراجع
قبل التسعينيات من القرن الماضي، كان العراق يفخر بامتلاكه أفضل نظام تعليم في الشرق الأوسط، وأظهرت الإحصاءات أنه كان رائدًا في أحقية الحصول على التعليم ومحو الأمية والمساواة بين الجنسين. وقد وفرت الدولة التعليم المجاني للطلاب من المرحلة الابتدائية إلى المستويات الجامعية.
ثم أدت حرب الخليج والعقوبات الاقتصادية المنهكة التي تلتها إلى بدء تراجع النظام التعليمي. وسبّبت خسارة عائدات النفط التي دعمت المدارس العامة والجامعات نقصًا هائلاً في موارد التعليم. وانخفضت رواتب المعلمين إلى ما يعادل 6 دولارات في الشهر، ودُمّر العديد من المرافق المدرسية بالتفجيرات التي استهدفت البنية التحتية المدنية.
أدى الغزو الذي قادته أمريكا عام 2003 وما تلاه من سنوات الحرب إلى تفاقم الوضع، وأصيب النظام التعليمي بالعجز بسبب انعدام الأمن وعدم كفاية المرافق ونقص المعلمين المؤهلين.
واليوم، لا تزال فرص التعليم في العراق معطلة بسبب تدهور الوضع الأمني والتشرد الداخلي وعدم كفاية المرافق والفقر.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المناهج القديمة لا تلبي احتياجات الطلاب، كما تقول بيي كينتين -من محكمة بروكسل، في تقرير خاص صدر عام 2013 موجّه للأمم المتحدة. كما أن نقص المعلمين المؤهلين وعدم كفاءة الإدارة تسهم أكثر في تهديد تعليم الأطفال.
تُظهر أرقام اليونيسيف الأخيرة المتعلقة بالالتحاق بالمدارس الابتدائية تسجيل نسبة أكبر من الفتيان (93%) مقارنة بالفتيات (87%)، مع تراجع كبير في النسبة الكلية المستهدفة عام 2015 ضمن الأهداف الإنمائية للألفية في العراق والبالغة 98%. وفي الواقع فإن أقل من نصف الأطفال الذين يلتحقون بالتعليم الابتدائي يتمون الدراسة بالفعل.
ومع كل سنة جديدة، يقل عدد الأطفال الذين يواصلون تعليمهم. وتبلغ نسبة الطلاب في سن المدرسة الثانوية الذي يذهبون إليها بالفعل أقل من النصف بقليل. ومن أولئك الذين لا يحضرون، لا يزال واحد من سبعة طلاب ملتحقًا بالمدارس الابتدائية، في حين أن الباقين خارج المدرسة تمامًا.
في عام 2012، قال وزير التربية حينئذٍ محمد تميم: إن العراق بحاجة إلى 12,000 مدرسة جديدة و600 مدرسة إضافية كل سنة لاحقة. واعتبارا من عام 2012، تم بناء 2,600 مدرسة فحسب.
في بغداد، تضم الفصول الدراسية التي بُنيت لاستيعاب 25 أو 30 طفلاً أكثر من 80 طالبًا الآن، وقد يصل العدد أحيانًا إلى 120 طالبًا. وقد أبلغت هيئة ’إنقاذ الطفولة‘ (STC) أن النقص في المدارس أدى إلى تشغيل الأبنية التي لا تزال تستخدم بين نوبتين و4 نوبات يوميًّا. وقد أدى الاكتظاظ والأيام غير المكتملة إلى تقليل مدة التواصل بين المعلم والطالب بشكل ملحوظ.
وتقول كل من اليونيسيف وهيئة ’إنقاذ الطفولة‘ إن المدارس تعاني نقصًا حادًّا في الموارد الأساسية والوسائل التعليمية، كالمكاتب والكراسي والكتب والسبورات. وكثيرًا ما تخلو المدارس من إمدادات المياه النظيفة والصرف الصحي وأنظمة التخلص من النفايات. هذه الظروف غير الصحية تعرّض الأطفال بشكل أكبر لخطر الإصابة بالعدوى والمرض، وتؤثر بيئة التعلم الفقيرة سلبًا على تطلعاتهم.
تحيّز جنساني
في بغداد، تضم الفصول الدراسية التي بُنيت لاستيعاب 25 أو 30 طفلا أكثر من 80 طالبًا الآن، وقد يصل العدد أحيانًا إلى 120 طالبًا
وجدت الدراسات التي أجرتها العديد من المنظمات غير الحكومية أن الفتيات أكثر عرضة للتوقف عن حضور المدرسة إذا لم تتوفر مرافق الصرف الصحي المناسبة. كانت الإصلاحات المتقدمة التي نفذت في سبعينيات القرن العشرين قد منحت فتيات العراق حقوقًا متساوية في الحصول على التعليم. ولكن اليوم، تعاني الفتيات مرة أخرى وضعًا غير مواتٍ، مقارنة بالفتيان من نفس أعمارهن.
تشير كينتين إلى أن الفتيات يمثلن 44,7% من تلاميذ المرحلة الابتدائية، ولكن معظمهن لن يذهب إلى التعليم المتوسط والثانوي؛ لأن 75% منهن ينسحبن خلال المرحلة الابتدائية أو بعدها.
ذكرت دراسة مستفيضة أجرتها اليونيسيف عن تعليم الفتيات في العراق نُشرت عام 2010 عدم وجود أي تحسن ملحوظ في التحاق الفتيات بمرحلة التعليم الابتدائي الإلزامي، وأن معدلات التحاق الفتيات كانت تنخفض بشدة مع كل صفٍّ تالٍ. ومع عدم إجراء دراسة متابعة، يقول مستشارو التعليم في اليونيسيف إن ازدياد العنف بشكل عام يعني وجود عدد أقل من الفتيات في المدارس؛ لأن انعدام الأمن كثيرًا ما يعني تقييد تحركات الفتيات.
ولكنها ليست مسألة أمن فقط، تضيف اليونيسيف، فأسباب انسحاب الفتيات أكثر تعقيدًا وأبعد مدى.
قد تعني الصعوبات المالية أن تواجه الفتيات ضغوطًا للمساعدة في دعم أسرهن أو رعايتها. وفي بعض الحالات، لا تذهب الفتيات إلى المدارس تلبية لرغبات ذويهن.
والفتيات في المناطق الريفية، أكثر عرضة للتوقف عن الالتحاق بالمدارس في وقت أكثر بكورًا، وما تزال الزيجات المرتبة في سن المراهقة مستمرة. كما أن احتمالات توجه الفتيات إلى المدارس في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء تبقى أقل إذا كانت بعيدة عن بيوتهن.
المدارس ساحات للقتال
كشف تقرير مميز نُشر في فبراير 2014 من قبل التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات(GCPEA) أن استهداف المدارس مشكلة أكبر بكثير مما كان موثقا في السابق.
تقول كينتين إن تعرض المدارس -التي يجب أن تكون ملاذات آمنة للعلم- للضرر أو الدمار في أثناء الهجوم أو القتال، أو الاستيلاء عليها واستخدامها لأغراض عسكرية، يشكل مخالفة مباشرة لاتفاقيات لاهاي الرابعة الخاصة بقوانين الحرب البرية وأعرافها.
في بعض الأحيان تتعمد الميليشيات وقوات الأمن استهداف المدارس. وباعتبار سلامة أطفالهم هي الأكثر أهمية، يختار المزيد من الآباء إبقاءهم في المنزل. ويستمر المعلمون، المستهدفون أيضًا، الانسحاب بدورهم بسبب الخوف.
يقول بيكر -من جمعية الأطفال ضحايا الحرب-: إن الدولة الإسلامية تعمل أيضًا على "تجنيد الأطفال والشباب من أشد المجتمعات فقرًا، من ذوي التعليم المتدني، والذين ليس لديهم الأمل في المستقبل".
إن فشل النظام في تعليم الأطفال بشكل مناسب يعني تناقص الفرص التي ستتاح لهم في وقت لاحق من الحياة، وفق قول كينتين. وسيعاني كل من المجتمع والدولة تبعات انتشار المجتمع غير المتعلم أكثر فأكثر في نسيج المجتمع العراقي.
تواصل معنا: