ما الثمن الذي يدفعه الشرق الأوسط من أجل هواء أنظف؟
نشرت بتاريخ 26 أغسطس 2015
الصراعات والتراجع الاقتصادي والسياسات الملائمة في عدد من البلدان أدت بشكل مستغرب إلى الحدِّ من تلوُّث الهواء في الشرق الأوسط منذ عام 2010.
باكينام عامر
يتعرّض الشرق الأوسط إلى تغيُّرات "دراماتيكية" في الغلاف الجوي مع تراجع مستويات ثاني أكسيد النيتروجين الملوِّث خلال السنوات الخمس الماضية. السيئ في الأمر هو أن الهواء الأنظف نتج عن التباطؤ الصناعي الناجم عن الاضطرابات السياسية والصراعات المسلحة، وخاصة في دول مثل سوريا ومصر.
هذه النتائج هي جزء من دراسة جديدة يشرف عليها جوس ليليفيلد، من معهد ماكس بلانك للكيمياء في ماينز، ألمانيا، نُشرت قبل عدة أيام في دورية Science Advances.
عمد ليليفيلد وزملاؤه -ومن ضمنهم علماء من جامعة الملك سعود (KSU) وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST)- إلى استخدام منصات الأقمار الصناعية لمراقبة انبعاثات أكاسيد النيتروجين في الشرق الأوسط لمدة 10 سنوات.
كانت النتائج التي توصلوا إليها هي الأولى في كشفها عن وجود علاقة بين المناخ السياسي والغلاف الجوي في منطقة الشرق الأوسط. هذه الدراسة هي الأولى التي تستخدم كلا من الأقمار الصناعية الثابتة والجوالة لإنتاج مجموعة بيانات عَشْريّة عالية الدقة.
"لقد طرأت تغيُّرات كبرى على معدلات ثاني أكسيد النيتروجين في الشرق الأوسط، وفق قول ليليفيلد في مؤتمر صحفي يوم الخميس الماضي، واصفًا التغيُّرات في الغلاف الجوي بأنها "فريدة عالميًّا".
"هذه [النتائج] لا تتوافق والسيناريوهات المستخدمة في التنبُّؤ بتلوُّث الهواء وتغيُّر المناخ في المستقبل"، كما أضاف.
في الماضي، كانت التوقُّعات في المعتاد تُربط تقريبًا بمستويات CO2 في الجو -التي يقول ليليفيلد إنها لا تصلح مؤشرًا للاتجاهات المناخية في منطقة الشرق الأوسط. لقد تتبع ليليفيلد غاز NO2، وهو ناتج ثانوي لاستخدام الوقود الأحفوري وعوادم حركة المرور على الطرق، إضافة لكونه غازًا شديد التفاعل يُسْهم في التفاعلات المنتجة للأوزون على مستوى الأرض (الضباب الدخاني)، وأحد الغازات التي تشكل أكبر خطر على الصحة.
ليس ثمة شبكات عمل لمراقبة نوعية الهواء على الأرض في الشرق الأوسط، لذا استُخدمت الملحوظات الفضائية طويلة المدى لغاز NO2 لدراسة انبعاثات تلوُّث الهواء في المنطقة.
اقتصاد متراجع
"إن قوة التغيُّرات في الشرق الأوسط مثيرة للدهشة."
وجد ليليفيلد أن منطقة الشرق الأوسط سجلت أسرع ارتفاع لانبعاثات تلوُّث الهواء على مستوى العالم في الفترة الممتدة بين عامي 2005– 2010. كما عُثِر على اتجاه مماثل في شرق آسيا، ورُبِط بالنمو الاقتصادي هناك. "ولكن [الشرق الأوسط] هو المنطقة الوحيدة التي توقف فيها مسار التلوث حوالي عام 2010 ليتلوه تراجع شديد".
يعزو الفريق هذا الانخفاض إلى بعض الممارسات الجيدة، وهي تنفيذ تدابير الرقابة البيئية بشكل رئيسي. ولكن، انكماش النشاط الصناعي الناجم عن الضغوط الاقتصادية والصراع هو السبب الرئيسي لتغيُّرات الاتجاهات البيئية في منطقة الشرق الأوسط.
"في سوريا ومصر، أدت الانتفاضات المسلحة والأزمات السياسية إلى ضغوط اقتصادية واجتماعية. في سوريا والعراق، أدى [تدفُّق] اللاجئين إلى الحدّ من التلوث". لم يجرِ تنفيذ سياسات بيئية في هذه الدول بعد عام 2010، ومع ذلك فقد كان هناك انخفاض في انبعاثات NO2 بنسبة 20- 50%.
يقول ليليفند: "إن قوة التغيُّرات في الشرق الأوسط مثيرة للدهشة"، كما يوضح أنه على عكس مناطق الأزمات الأخرى، فإن الاتجاهات في هذه المنطقة تتغير بشكل حاد لا تدريجي.
وقد استشهد بالسرعة التي تؤدي فيها أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية (IS) المتمرد إلى تغيير الاتجاهات. فعندما يهرب الناس بشكل جماعي من أحد أجزاء العراق إلى غيره، تتغير الاتجاهات في الغلاف الجوي. يتراجع التلوث في المنطقة التي غادروها ويزداد حيثما التجؤوا. وهذا يرتبط بمعلومات من الأمم المتحدة عن حركة هؤلاء اللاجئين.
وبغضّ النظر عن البلدان التي يُعَدُّ تطبيق الممارسات الجيدة فيها هو المسؤول عن نظافة الهواء، وتحديدًا دول الخليج، فهذه المعلومات تشخيصية بحتة.
تأثيرات جانبية مؤسفة
بالنسبة للبلدان المتضررة من الحرب، يقرّ ليليفند بأن المعلومات عن تلوث الهواء لن تخفف كثيرًا من مشاكلهم. ولكن، هذه المعلومات والوسائل التشخيصية الجديدة قد يتم تحليلها في وقت ما من أجل كل بلد، وتُستخدم من قِبل صنّاع القرار في المنطقة، وفق إضافته.
"أنا لا أريد خلق الوهم بأن قياسات تلوث الهواء [المأخوذة] من الفضاء سوف تساعد الناس في مناطق مثل العراق وسوريا. إنها تشخيص بسيط لما يجري، وهو قد يكون مفيدًا؛ لأنه في كثير من الحالات عند تنفيذ السياسات وتقدير الانبعاثات، ستكون قادرًا على تحسين الانبعاثات [استنادًا إلى هذه الأرقام]".
ويقول الباحث إنه سيواصل رصده للمنطقة، على أمل أن يتمكن في المستقبل من الوصول إلى أدوات تصوير بيئية أكثر تقدمًا بواسطة الأقمار الصناعية يمكنها توفير مجموعة أوسع من المعلومات، بوضوحٍ عالٍ، وعبر فترات زمنية مختلفة. ويقول إنه يتعاون مع علماء في جامعة الملك عبد الله، وشركة أرامكو السعودية، وفي مصر، ولبنان لتحقيق هذه الغاية.
"ما يحدث في الشرق الأوسط غير معتاد"، وفق قول ليليفند. "آمل أن يتذكر العالم مرة أخرى أننا بحاجة لتفعيل المجتمع الدولي ليحاول المساعدة في حل بعض هذه المشكلات".
تواصل معنا: