أجزاء الجمجمة البالغ عمرها 300,000 سنة تحمل توضيحًا لأصل النوع البشري، وتربط المغرب بتغيرات تطورية معقدة حدثت عبر القارة الأفريقية.
سارة هيدلستون
بين مدينة مراكش والمحيط الأطلسي، على الرأس البري الذي يطل على سهول شمال غرب أفريقيا، يقبع كهفٌ أوى إليه أوائل البشر -بوجوههم الصغيرة الناحلة والمألوفة إلى درجة تكفي لعدم تمييزها في أحد الشوارع اليوم.
الكهف المعروف باسم جبل إرهود، وهو موقع جرى تفجيره أصلًا في سياق أعمال التعدين في ستينيات القرن الماضي، هو الموضع الذي اكتشف العلماء فيه بقايا أحفورية متحجرة لخمسة أشخاص، وأدواتهم الحجرية وعظام الحيوانات التي اصطادوها. وتشير التحاليل المتقدمة إلى أن عمرهم 300 ألف سنة.
"هذه المادة تمثل جذور النوع البشري، أقدم أنواع الإنسان العاقل Homosapiens التي وُجِدت في أفريقيا أو في أي مكان آخر" استنادًا إلى قول قائد فريق البحث جان جاك هوبلان، المختص بعلم الإنسان القديم، من معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية.
وكان لدى هؤلاء البشر الأوائل رماح حادة من الصوان، وكانوا يستخدمونها في عملية الصيد والنحر والأكل، التي تشمل الغزال، وحمار الوحش والوحوش البرية. وقد عرفوا طريقة إشعال النار. كانت مساحات الأراضي الشاسعة التي تحيط بهم -المراعي الخضراء التي توشيها مجموعات من الأشجار- تشكّل الجزء الغربي من المناطق الظهيرة الداخلية الأكثر رطوبةً واخضرارًا، والتي كانت موطنًا للنمور والأسود، والتي امتدت عبر ما يشكل الآن الصحراء الكبرى على طول الطريق إلى الساحل.
لهذا الكشف، الذي نُشر قبل بضعة أيام في بحثين في Nature، آثار كبيرة على فهمنا لتطور النوع البشري.
"كنا نعتقد أن هناك مهدًا للبشرية قبل 200,000 سنة في شرق أفريقيا. وتكشف بياناتنا الجديدة أن الإنسان العاقل قد انتشر في القارة الأفريقية بأكملها قبل حوالي 300 ألف سنة "، يقول هوبلان: "قبل مدة طويلة من انتشار الإنسان العاقل خارج أفريقيا، كان ثمة انتشار داخل أفريقيا".
تطور الإنسان العاقل قبل الحديث
عندما عُثِر على الموقع في جبل إرهود لأول مرة، لم يكن الرأي السائد الآن -بأن النوع البشري نشأ وتطور من أفريقيا- مطروحًا. وقد استبعد أن تمثّل الأحفوريات، التي تضمنت جمجمة بشرية كاملة، الشكل الأفريقي من إنسان نياندرتال أو أنها تعود للناجين من مجموعة قديمة عاشت قبل 40 ألف سنة. وتعقّدت التحاليل اللاحقة نظرًا لاستمرار حالة عدم اليقين.
وأنتجت الحفريات الجديدة، التي شارك في الإشراف عليها هوبلان والعالِم المغربي المختص بعلم الإنسان القديم عبد الواحد بن نصر، من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في الرباط، ما وصفه العلماء بنتائج "باهرة".
"إن المواقع الخاصة بهذا العصر والمحددة العمر نادرة في أفريقيا. لقد كنا محظوظين لأن العديد من القطع الأثرية في جبل إرهود كانت تُعامل بالنار في الماضي"، وفقًا لقول دانييل ريشتر، الخبير في علم عمر الطبقات الأرضية في قسم الأدوات في فريبرغ في ألمانيا، والذي يعمل مع فريق ماكس بلانك. استخدم ريشتر أحدث أساليب تقدير العمر الزمني بالتألق الحراري من أجل وضع تسلسل زمني ثابت لأحفوريات هومينين (أشباه البشر) الجديدة والطبقات المتوضعة فوقها.
وتشمل الحفريات الثمينة قسمًا من جمجمة، ووجهًا محفوظًا بشكل جيد، وعظم فك بالغ كاملًا، مع مجموعة كاملة من الأسنان وغيرها من بقايا الجمجمة.
ويُعتقد أنها تمثل خمسة أفراد على الأقل: ثلاثة بالغين، ويافعًا واحدًا، وطفلًا له من العمر 8 سنوات.
عند مقارنة هذه الأحفوريات برؤوس البشر القدامى، تكشف أحفوريات نياندرتال والأحفوريات الأكثر حداثة عن مزيج مدهش من الملامح الحديثة والقديمة. فقد كان لدى سكان إرهود وجوه حديثة -قصيرة ومسطحة متراجعة تحت القحف- ولكن الحاويات المتطاولة للقسم السفلي من الدماغ في الجزء الخلفي من الرأس كانت أكثر بدائية.
يشير هذا -وفقًا لقول هوبلان- إلى أن أجزاء تشريحية مختلفة تطورت بمعدلات مختلفة، إذ ثبتت ملامح الوجه بشكلها الحديث في وقت مبكر، واحتاج شكل الدماغ -وربما وظيفته أيضًا- إلى وقت أطول للوصول إلى الحالة الحديثة.
يقول هوبلان: "إن قصة النوع البشري في السنين الـ300 ألف الماضية هي في الغالب قصة تطور أدمغتنا".
حدوث التطور الأفريقي الشامل
"لطالما أُهمِل شمال أفريقيا في المناقشات المتعلقة بأصل الجنس البشري، وفق قول عبد الواحد بن نصر. "وتثبت الاكتشافات المذهلة في جبل إرهود الارتباط الوثيق للمغرب مع بقية القارة الأفريقية في وقت ظهور الإنسان العاقل".
كما تلقي النتائج الجديدة الضوء أيضًا على الجمجمة المجزأة الغامضة من فلوريسباد في جنوب أفريقيا، والتي يُظَنُّ بشكل غير مؤكد أن عمرها 260,000 سنة، والتي يعتقد هوبلان أنها ربما كانت تمثل نفس النوع من البشر الذين عثر على بقاياهم في جبل إرهود.
حتى وقت قريب كانت أقدم الأحافير البشرية المؤكدة قد أتت من أومو كيبيش، إثيوبيا، ويبلغ عمرها حوالي 190,000 سنة.
وإذا ما نظرنا إليها معًا، فإن أحفوريات الإنسان العاقل التي عُثر عليها في شمالي القارة وشرقيها وجنوبيها، تشير إلى تاريخ تطوري للنوع البشري في مجمل أفريقيا أكثر تعقيدًا مما تشير إليه نظرية مهد الجنس البشري.
"يمثل هذا [الاكتشاف] إسهامًا مهمًّا في فهم أصول الإنسان الحديث"، وفقًا لقول روبرت فولي، مدير مركز ليفيرهولم للدراسات التطورية بجامعة كامبريدج، الذي لم يكن مشاركًا في البحث.
"علينا أن نفكر في أفريقيا في ذلك الوقت على أنها فسيفساء من مجموعات أشباه البشر (هومينين)، وهي شبكة من الجينات المتدفقة والمعزولة، والتي تشكل منها، بالنتيجة، بعد مرور عشرات آلاف السنين، شكل واحد أصبح هو السائد. ويبقى كشف الطريقة التي حدث بها ذلك تحديًا كبيرًا".
doi:10.1038/nmiddleeast.2017.104
Hublin, J.-J. et al. New fossils from Jebel Irhoud, Morocco, and the pan-African origin of Homo sapiens.Nature http://dx.doi.org/10.1038/nature22336 (2017)
Richter, D. et al. The age of the hominin fossils from Jebel Irhoud, Morocco, and the origins of the Middle Stone Age. Nature http://dx.doi.org/10.1038/nature22335 (2017)
تواصل معنا: