علاج واعد بالأجسام المضادة لإنفلونزا الطيور وفيروس نقص المناعة البشرية
20 November 2025
نشرت بتاريخ 20 نوفمبر 2025
يعمل علماء حاليًا على تطوير أجسام مضادة لتتبع تطور الفيروسات المسببة لهذين المرضين وتقديم علاجات أفضل للمصابين بهما.
Credit:NIAID/CDC/Alamy Live News
بدأ الباحثون يتجهون بصورة متزايدة إلى تطوير علاجات للأمراض المعدية باستخدام الأجسام المضادة. وتُصمَّم هذه العلاجات بحيث تقلل من شدة حالات الإصابة بعدوى بعض الأمراض، مثل إنفلونزا الطيور، وكذلك لعلاج بعض الأمراض المزمنة، مثل فيروس نقص المناعة البشرية. كذلك يُمكن للأجسام المضادة المُخلَّقة أن تزيد من فعالية لقاحات أمراض أخرى، مثل لقاحات مرض «كوفيد-19».
تمثل الأجسام المضادة جزءًا أساسيًا من وسائل الدفاع التي يستخدمها الجهاز المناعي للتصدي للأمراض. ومن ثمَّ، أخذ علماء في إنتاج نسخ اصطناعية من هذه الأجسام، عن طريق دمج الخلايا البائية المأخوذة من الفئران مع بعض سلالات الخلايا البشرية. وفي الوقت الحالي، يُستخدم معظم الأدوية المصنوعة من الأجسام المضادة والتي اعتُمدت من الجهات المختصة لعلاج أنواع مختلفة من الأورام السرطانية وأمراض المناعة الذاتية.
يوضح رَنهونج جاو، الذي يدرس الاستجابات المناعية في جامعة هونج كونج، أن الأجسام المضادة أحادية النسيلة تُستخدم استخدامًا واسع النطاق في تصميم الأدوية المضادة للفيروسات التي يصفها الأطباء لعلاج الالتهابات الشديدة التي تسببها بعض الفيروسات، مثل فيروس «إيبولا» Ebola و«الفيروس المخلوي التنفسي» RSV وفيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2 المسبب لمرض «كوفيد-19». لكن، حسبما يضيف جاو، فإن الجهود السابقة لتطوير مضادات فيروسات لعلاج إنفلونزا الطيور لم تحظَ بالقدر نفسه من النجاح لأن الفيروس يتعرض لطفرات تجعل العلاج أقل فعالية. وجدير بالذكر أن فعالية الأدوية المعتمدة على الأجسام المضادة والمصممة لعلاج الفيروس المسبب لـ«كوفيد-19» قد تراجعت أيضًا بمرور الوقت نتيجة للسبب ذاته.
علاج لإنفلونزا الطيور
طور جاو وفريقه البحثي جسمًا مضادا لعلاج فيروس إنفلونزا الطيور (H5N1) يستهدف منطقتين، هما منطقة الجذع البروتينية على سطح الفيروس والمستقبلات الموجودة في خلايا المريض نفسه. وفي التجارب التي تستهدف الخلايا، وجد الفريق البحثي أن الجسم المضاد قد نجح في تحييد سلالات حية عديدة من فيروس إنفلونزا الطيور، بل وتفوق أيضًا على نموذج لجسم مضاد أحادي النسيلة كان يستهدف مستضدًا واحدًا فقط، إذ تمكن من منع الجسيمات الفيروسية من الالتصاق بالخلايا أو دخولها. كما تشير النتائج التي خلُص إليها الفريق البحثي إلى أن استهداف جذع الفيروس ومستقبلات المضيف في آنٍ واحد "يعد بمثابة إستراتيجية جيدة لتعزيز فعالية الأجسام المضادة"، كما يقول جاو، الذي كان فريقه ضمن الفرق البحثية التي عرضت نتائجها في هذا المجال في الندوة الدولية لتحالف أبحاث الأوبئة التي عقدت في ملبورن الأسبوع الماضي. بيد أنه لا يزال من غير الواضح إلى متى سيستمر العلاج الجديد في توفير الحماية من الفيروس؛ أو ما إذا كان العلاج بالأجسام المضادة من الممكن أن يؤدي إلى حدوث طفرات في الفيروس تمكنه من الإفلات من الجهاز المناعي.
يقول شيانج هونج، وهو طالب بكلية الطب في جامعة كولومبيا الكائنة في مدينة نيويورك، وهو في الوقت ذاته عضو في فريق بحثي آخر يستخدم الأجسام المضادة لعلاج فيروس إنفلونزا الطيور، إنه يعمل هو وفريقه البحثي على تطوير مجموعة من الأجسام المضادة أحادية النسيلة تستهدف مناطق متعددة من الفيروس، وذلك بهدف تتبع تطوره بمرور الوقت وتحديد الأدوية المحتملة التي يمكنها استهداف عدة سلالات متحورة منه.
علاج مساعد!
بإمكان الأجسام المضادة أيضًا أن تعزز فعالية علاجات أخرى، مثل اللقاحات، التي تحتاج إلى تحديث دائم؛ إذ إن معظم الفيروسات تتحور بشكل متكرر أثناء تطورها.
يقول جيواي تشين، الباحث في علم المناعة بجامعة هونج كونج، إن الأجسام المضادة التي يمكنها الارتباط بالمناطق التي تتمتع بحماية قوية في فيروس «سارس-كوف-2» يمكن أن تساعد اللقاحات في الحفاظ على فعاليتها حتى في حال تحور الفيروس. وقد وقف تشين وفريقه على عدة مناطق من سطح جسيمات الفيروس المذكور اكتشفوا أنها لا تتغير عند تعرض الفيروس للتحور. كما وجدوا أن عديدًا من الأجسام المضادة التي تستهدف هذه المناطق المحمية بشدة كان لها أثر فعال في تحييد أنواع مختلفة من الفيروسات التاجية، التي من بينها فيروس «سارس-كوف-1» SARS-CoV-1، المسبب لمتلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة، ومتحورات فيروس «سارس-كوف-2»، وبعض الفيروسات التاجية الموجودة لدى حيوانات آكل النمل الحرشفي والخفافيش.
علاج فيروس نقص المناعة البشرية
يراود الأمل شارون لوين، الباحثة المتخصصة في الأمراض المعدية بمعهد بيتر دوهيرتي للعدوى والمناعة في مدينة ملبورن بأستراليا، وفريقها في استخدام الأجسام المضادة للوصول إلى علاجات أفضل لفيروس نقص المناعة البشرية. يُعالَج المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية في العادة بمضادات فيروسات النسخ العكسي، وهي العلاج القياسي المُعتمد حاليًا للمرض، إذ تعمل على خفض الحمل الفيروسي في الجسم. لكن يبقى لدى المريض مخزون من الخلايا التائية الخاملة المصابة بالفيروس، والتي يُمكنها أن تنشط من جديد إذا توقف المريض عن تناول تلك المضادات الفيروسية. ومن بين الإستراتيجيات المستخدمة لتقليل هذا المخزون إعادة تنشيط الخلايا التائية بحيث يُمكن للجهاز المناعي القضاء عليها وإبادتها. وفي وقت سابق من هذا العام، أفاد الباحثون1 في دورية «نيتشر كوميونيكشنز» Nature Communications أن بإمكانهم إعادة تنشيط الخلايا التائية الخاملة عن طريق توصيل جزيء صغير يحتوي على حمض نووي ريبي مرسال إليها، إلا أنه عند اختبار تلك العملية على الحيوانات لوحظ أن الجزيء لم يصل إلى الخلايا التائية بفعالية. وقد اكتشف فريق الباحثين حينذاك أن ربط جسم مضاد بالجزيء الصغير يمكن أن يساعد في توجيه ذلك الجسم إلى الخلايا التائية ومنع تحلله في الكبد وحمايته من الخلايا الكاسحة التي تُدمر الجسيمات الغريبة.
وبحسب قول لوين، فقد أظهرت الدراسات التي أُجريت على المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أيضًا أن علاج المرضى بالأجسام المضادة لفترة زمنية قصيرة من الممكن أن يُغير الآلية التي تعمل بها أجهزتهم المناعية. وتضيف لوين: "ثمة أدلة على أن قدرة المريض على السيطرة على الفيروس تتحسن بعد حقنه بالجسم المضاد"، حتى بعد أن يتوقف الأطباء عن إعطاء الأجسام المضادة لذلك المريض. وفي مسودة بحثية2 نُشرت في مارس، ثم قُبلت لاحقا للنشر في مجلة تخضع لمراجعة الأقران، قدمت لوين وباحثون آخرون نمذجة للاستجابة المناعية التي تحدث عند تلقي المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية لأجسام مضادة واسعة الطيف أثناء خضوعهم للعلاج بمضادات الفيروسات القهقرية أو بعد تلقيهم ذلك العلاج مباشرةً. وأفاد الباحثون أن العلاج بالأجسام المضادة ربما يعني أن هؤلاء المرضى لم يعودوا بحاجة إلى مضادات الفيروسات القهقرية، والتي عادةً ما تكون علاجًا مستمرا مدى الحياة.
وختامًا، تقول لوين إنه لا يزال على الباحثين بذل مزيد من الجهد قبل استخدام العلاج بالأجسام المضادة على نطاق واسع لعلاج حالات الإصابة بالعدوى. فمن خلال الطريقة المتاحة حاليًا، يتعين حقن الأجسام المضادة مباشرة في الوريد؛ ولا توجد حتى الآن نسخ من العلاج يمكن تعاطيها عن طريق الفم رغم أن تلك الطريقة هي الأسهل في تلقي العلاج والأقل تكلفة في الإنتاج. وعلى الرغم من أن العمل يجري الآن على قدم وساق لتطوير أجسام مضادة قادرة على تحييد كثير من السلالات الفيروسية، تقول لوين إن العلاج بهذه الطريقة عادةً ما يتطلب أجسامًا مضادة عديدة لاستهداف كل سلالة، وهو ما يجعله باهظ الثمن.
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 5 نوفمبر عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.197
تواصل معنا: