صورة للعلم في ولاية ترامب الثانية
06 March 2025
نشرت بتاريخ 4 مارس 2025
ارتفاعُ تكاليف المعيشة وركودُ أجور طلاب المِنَح الدراسية هما المتهمان الرئيسيان في انخفاض معدلات الالتحاق ببرامج الدكتوراه في عدة دول.
حقوق الصورة: ليزا ماري ويليامز/موقع «جيتي» Getty
انخفضَ عدد الأفراد المسجلين في برامج الدكتوراه في بعض الدول خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما وصفه بعضُ خبراء السياسات بأنه اتجاهٌ يبعث على القلق. فمن أستراليا واليابان إلى البرازيل والمملكة المتحدة، ثمة مخاوف من أن يتسبَّب ارتفاعُ تكاليف المعيشة، وتدني أجور طلاب المِنَح الدراسية، وقلة الخيارات المهنية بعد التخرج في عزوف الكثيرين منهم عن متابعة دراسات الدكتوراه.
تقول كلوديا ساريكو، رئيسة مشروعاتٍ في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» (OECD) في باريس: إنَّ هذا التراجع في الأعداد يجب أن "يكون بمثابة جرس إنذارٍ" لتلك الدول. وتستطرد قائلة: "وفي هذا إشارة إلى ضرورة إصلاح ظروف العمل والتفكير في تنويع المسار المهني، وإلا فإننا بصدد المخاطرة بهجرة المواهب، وهو ما سوف يسفر في النهاية عن تباطؤ وتيرة التقدُّم العلمي". أظهرت أحدثُ الأرقام المتعلقة بهذا الاتجاه، والتي أصدرتها منظمة «جامعات أستراليا» Universities Australia و«المجلس الوطني الأسترالي لأبحاث الدراسات العليا» (ACGR) في يناير الماضي، انخفاضًا بنسبة 8٪ في عدد المسجلين المحليين في برامج الدكتوراه في أستراليا في الفترة ما بين عامَي 2018 و2023، على الرغم من أن عدد سكان البلاد قد زادَ بأكثر من 7٪ خلال الفترة نفسها.
تدني الأجور في برامج الدكتوراه
يُعَد ارتفاع تكاليف المعيشة في العديد من الدول مقارنةً بما يتقاضاه طلابُ الدكتوراه فيها أحدَ أكبر العوامل التي تُثني الطلاب عن متابعة دراساتهم العليا.
في أستراليا، يبلغ متوسطُ الأجور في مِنَح الدكتوراه حوالي 32 ألف دولار أسترالي (20 ألف دولار أمريكي). تقول لويز شارب، رئيسة «المجلس الوطني الأسترالي لأبحاث الدراسات العليا» ومقره ملبورن في أستراليا: "إنه ]هذا المبلغ[ أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور". وتضيف شارب أنه على الرغم من أن هذا المبلغ يفوق بقليل خط الفقر للأفراد غير المتزوجين، فإن متوسط أعمار طلاب الدكتوراه في البلاد هو أواخر الثلاثينيات — وغالبًا ما تكون لديهم خبرة عملية في مجالاتٍ مختلفة — ولديهم أُسر ومسئولياتٌ أخرى. كما يُعَد عدم الأمان المادي أحد أهم المخاوف التي تواجه طلاب الدكتوراه في اليابان، حيث يشهد عدد طلاب الدكتوراه انخفاضًا منذ أوائل الألفينيات. ففي عام 2023، بلغَ عدد المسجلين المحليين 15014 طالبًا، مقارنةً بذروته التي بلغتْ 18232 طالبًا في عام 2003. وللتصدي لهذه المشكلة، أعلنتْ وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا اليابانية (MEXT) العامَ الماضي عن خططٍ لتوفير تمويل إضافي لطلاب الدكتوراه.
وعلى الجانب الآخر من المحيط، نجد أن الناس أيضًا يفقدون الاهتمام بالدراسات العليا. فقد أصدرت الوكالة الفيدرالية البرازيلية لدعم وتقييم التعليم العالي (CAPES) تقريرًا العامَ الماضي، كشفتْ فيه أنه في عام 2022 سجلت البلاد أدنى عددٍ من الملتحقين المحليين ببرامج الدكتوراه خلال ما يقرب من عقد من الزمن. وحسبما تقول دينيز بيريس دي كارفالو، رئيسة هذه الوكالة الفيدرالية الكائنة في برازيليا، كانت جائحة «كوفيد-19» أحد العوامل المؤثرة في ذلك، ولكنها لم تكن السبب الوحيد لهذا التراجع. تضيف بيريس دي كارفالو أن الأزمة الاقتصادية في البرازيل، إلى جانب عدم استعداد الحكومة لزيادة التمويل المخصَّص للعلوم والتكنولوجيا، كانَا أيضًا من العوامل الرئيسية وراء هذا التراجع. ثم بدأت الأمور تتغيَّر. في عام 2023، زادت الحكومة البرازيلية قيمة المِنَح الدراسية لطلاب الماجستير والدكتوراه بنسبة 40٪، وهي أول زيادة خلال عقد من الزمن. وجلبَ هذا التغيير معه زيادةً طفيفة في أعداد المسجلين في العام نفسه.
أما في كندا، حيث لم تنخفض أعداد طلاب الدكتوراه بعد، فكان هناك نقاشٌ كبير خلال السنوات القليلة الماضية حول الحاجة إلى زيادة التمويل لتوفير أجر معيشي لطلاب الدكتوراه، وذلك حسب تصريحات آدم سارتي، الرئيس المُنتخَب لجمعية الدراسات العليا الكندية Canadian Association for Graduate Studies، والمقيم في هاليفاكس. وبالفعل استجابت الحكومة الكندية في العام الماضي لهذا المطلب من خلال زيادة المِنَح الدراسية لطلاب الدراسات العليا لأول مرة منذ أكثر من عقدَين. وقد لاقى هذا التغيير ترحيبًا؛ لكن سارتي يشير إلى أن هذه المِنَح لا تُمنَح إلا للطلاب المتفوقين، وهناك حاجة إلى مزيدٍ من التعديلات لضمان أمانٍ مالي أكبر لأولئك الذين لا ينالون هذه المِنَح. إلا أنَّ العديد من الجامعات الكندية تعاني ضغوطًا مالية بسبب انخفاض أعداد المسجلين في برامج الدراسات العليا المهنية، مثل ماجستير إدارة الأعمال (MBA)، وذلك نتيجة لوضع حَدٍّ أقصى لعدد الطلاب الدوليين في عام 2024. وقد شهدت دولٌ مثل المملكة المتحدة فرضَ قواعد مماثلة في السنوات الأخيرة، ما أثار مخاوفَ بشأن قدرة الجامعات على دعم الباحثين في مُستهل مسيرتهم الأكاديمية.
عدم الاستقرار الوظيفي
تَراجُع أعداد المسجلين في برامج الدكتوراه هو جزءٌ من اتجاهٍ أوسع نحو الإعراض عن المؤسسات الأكاديمية. في عام 2021، وجدت ساريكو وفريقُها في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» أنَّ صانعي السياسات والممولين والباحثين في العديد من البلدان قد شعروا أنه، حتى في الأماكن التي لم تنخفض فيها أعداد المسجلين، أصبح من الصعب استقطاب أفضل المواهب وجذبهم إلى برامج الدراسات العليا بسبب تزايُد عدم الاستقرار الوظيفي في الأوساط الأكاديمية. تقول ساريكو: «الأمرُ لا يتعلق بالأعداد فحسب، بل أيضًا بجودة الأشخاص الذين يمكن استقطابهم». في بعض أنحاء العالَم، مثل الصين، تشهد أعداد حاملي شهادات الدكتوراه زيادةً مطردة - لدرجة أن عدد الوظائف المتاحة لهم آخذ في التضاؤل - لا سيَّما في المؤسسات الأكاديمية، وفقًا لما صرَّح به هوجو هورتا، الباحث في مجال سياسة التعليم العالي وممارساته في جامعة هونج كونج.
تعمل بعض البلدان على معالجة هذه المشكلة من خلال برامج تهدف إلى تزويد طلاب الدكتوراه بمهاراتٍ تمكِّنهم من شق طريقهم نحو وظائف خارج الوسط الأكاديمي. في اليابان، على سبيل المثال، أعلنت وزارة التعليم والثقافة والرياضة والتكنولوجيا في الربيع الماضي عن خططٍ لإطلاق برامج تدريبٍ مدفوعة الأجر وطويلة الأجل لطلاب الدكتوراه؛ بهدف تنويع خياراتهم المهنية بعد التخرج.
كما أن جزءًا من المشكلة يكمن أيضًا في التصوُّر العام حول معنى أن يكون المرءُ حاملًا لشهادة دكتوراه. تقول شارب: «هناك تصوُّر خاطئ بأننا نأخذ الشباب الذين يريدون أن يكونوا طلابًا دائمين، ونضعهم في برجٍ عاجي، ونجعلهم يدرسون مسائلَ نظرية لا علاقة لها بالصالح العام لمجتمعنا». وحسبما ترى شارب، فإنَّ: «هذا الأمر أبعد ما يكون عن الواقع». ففي أستراليا، غالبًا ما يتولى حاملو شهادات الدكتوراه أدوارًا قيادية في المجتمع، في قطاعاتٍ مثل الحكومة، حسب قولها.
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 13 فبراير 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.23
تواصل معنا: