أخبار

صورة للعلم في ولاية ترامب الثانية

نشرت بتاريخ 6 مارس 2025

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يُتوقع أن يُعاد تشكيل المشهد العلمي في الولايات المتحدة، بحيث يزيد التركيز على بعض المجالات العلمية، وينحسر الاهتمام والدعم عن مجالات أخرى.

نيكولا جونز، وألكسندرا فيتزه، وجيف توليفسون، وماكس كوزلوف

Illustration: Jasiek Krzysztofiak. Images: Musk: Frederic Legrand — COMEO/Shutterstock; Drug vial: Md Rafayat Haque Khan/Eyepix Group/Future Publishing via Getty; Rocket: Charles Boyer/Alamy; Trump: Rebecca Noble/Getty; Oil wells: John Ciccarelli, BLM California; Chip: luza studios/Getty

مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت تلوح في الأفق وجهتا نظر مختلفتان تمام الاختلاف فيما بين العلماء والمهندسين. فمن جهة، تتوقع بعض شركات التقنية والمهتمين باستكشاف الفضاء ومطوري تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومَن إليهم، أن يتبنى الرئيس سياسات تنحاز إلى مجالات عملهم في قادم السنوات؛ وهو ما يثير حماسهم إلى المزيد من فُرص الاكتشاف والابتكار. وفي الجانب المقابل، يساور القلق أعدادًا لا تُحصى أيضًا من الباحثين والأكاديميين، ومنهم العاملون في مجالات مثل المناخ وعلوم الأرض والطب الحيوي، الذين يخشون إيقاف بعض الأبحاث المهمة، أو تراجُع ترتيبها على سُلَّم الأولويات، أو أن تُلاحِقها الإشاعات والمعلومات المضلِّلة.

كان ترامب خلال فترة ولايته الأولى، بين عامي 2017 و2021، قد روج لعلاجات لفيروس «كوفيد-19» لم تثبت فاعليتها من الناحية العلمية، وأنكر المخاطر الناتجة عن التغير المناخي. كذلك عمل الرئيس الأمريكي على تقويض دور العلماء داخل الهيئات والوكالات الحكومية التابعة له؛ وسعى مرارًا وتكرارًا إلى تقليص مخصصات الأنشطة العلمية. إلا أن الكونجرس قد نجح في حماية وكالات فيدرالية، مثل المعاهد الوطنية للصحة ومؤسسة العلوم الوطنية ووكالة حماية البيئة، من تقليص ميزانياتها.

يلفت الباحثون إلى أن ثمة مجالات مثل علوم البيئة والأمراض المُعدية قد تواجه تهديدات أكبر خلال السنوات الأربع القادمة. فقد صرحت إدارة ترامب الجديدة، من منطلَق مبادرة سيُشارك في قيادتها الملياردير ورائد الأعمال إيلون ماسك وتعرف باسم «وزارة الكفاءة الحكومية»، بأنها تخطط لتقليص أعداد "المسؤولين الحكوميين غير المنتخبين" المنوط بهم وضع الأنظمة واللوائح. ومن الوارد أن تشمل تلك الخطط آلاف العلماء العاملين في وكالة حماية البيئة وفي هيئة الغذاء والدواء الأمريكية. علاوة على ذلك، يخطط ترامب لإلغاء التشريعات المتعلقة بحماية العمالة لعديد من الموظفين الفيدراليين، مُفسحًا بذلك المجال أمام إحلال ساسة موالين له محل العلماء والخبراء.

في المقابل، ربما تشهد بعض جوانب منظومة البحث والتطوير الأمريكية مستقبلًا مشرقًا نسبيًّا في ظل الإدارة الحالية. يشير الخبراء السياسيون إلى أن ثمة مجالات (مثل ريادة الفضاء والتقنيات ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة) ربما تحظى بالدعم من جانب إدارة ترامب، وكذلك من جانب مجلسي النواب والشيوخ اللذين يسيطر عليهما الجمهوريين.

ترامب يتحدث إلى الحاضرين في مؤتمر صحفي عقد في البيت الأبيض في يوليو 2020 أثناء جائحة «كوفيد-19».
ترامب يتحدث إلى الحاضرين في مؤتمر صحفي عقد في البيت الأبيض في يوليو 2020 أثناء جائحة «كوفيد-19».
Credit: Chip Somodevilla/Getty

في هذا المقال، تستعرض دورية Nature المجالات العلمية والبحثية التي يُرجَّح أن تزدهر في عهد ترامب، والمجالات التي يُرجَّح أن تذوي أو ينحسر عنها الدعم.

"مجالات المستقبل" تستأثر بالاهتمام

خلال ولاية ترامب الأولى، سعى مستشاره العلمي آنذاك، كيلفن دروجيمير، إلى دعم ما أسماه "الصناعات المستقبلية"، التي تشمل الذكاء الاصطناعي وعلم المعلومات الكمية والتصنيع المتقدم والاتصالات المتطورة والتقنية الحيوية. ويتوقع خبراء السياسات أن يستمر الاهتمام بهذه القطاعات خلال ولاية ترامب الثانية.

جدير بالذكر أن هذه المجالات قد حظيت أيضًا بدعم من إدارة الرئيس الأمريكي المنقضية ولايته، جو بايدن. بحسب تصريح محمد سليمان، مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني بمعهد الشرق الأوسط الكائن في العاصمة واشنطن: "قد يكون ترامب وبايدن مختلفين في كل شيء؛ إلا أنهما متفقان تقريبًا فيما يخص الذكاء الاصطناعي وعلوم الكم". ويضيف سليمان: "لنا أن نرى في الذكاء الاصطناعي وعلوم الكم ساحتين جديدتين للمواجهة بين الولايات المتحدة والصين؛ وكلتاهما تدرك ذلك الأمر. إننا لسنا بصدد مسألة سياسة فحسب، بل إنه سباق تسلح عماده التقنية".

في عام 2018، أنشأ الكونجرس وإدارة الرئيس ترامب مبادرة الكم الوطنية. وفي العام التالي مباشرة، أصدر الرئيس أمرًا تنفيذيًا أطلق من خلاله مبادرة الذكاء الاصطناعي الأمريكية التي تهدف إلى دعم الريادة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تنطوي على توجيهات إرشادية لتنظيم القطاع الصناعي دون قمع الابتكار. وفي عام 2020، أعلن ترامب عن خطط بقيمة تزيد عن مليار دولار أمريكي لتمويل إنشاء عشرات المعاهد الوطنية لأبحاث الذكاء الاصطناعي وعلوم الكم.

وفي عام 2023، أصدر الرئيس بايدن أمرًا تنفيذيًا آخر حول الذكاء الاصطناعي، ينص على إنشاء معهد سلامة الذكاء الاصطناعي، وتدشين مشروع تجريبي للموارد الوطنية لأبحاث الذكاء الاصطناعي؛ وهو نظام يهدف إلى مشاركة قوة الحوسبة ومجموعات البيانات والخوارزميات لتيسير عمل الذكاء الاصطناعي في المجال الأكاديمي وفي مجال الشركات والمشروعات الصغيرة. غير أن مستقبل هذه المبادرات أصبح الآن في مهبّ الريح. فقد وعد ترامب بإلغاء الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن؛ ويقول ترامب إن جانبًا من ذلك يعود إلى أن الأمر الذي أصدره بايدن يعوق عمليات الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. كما أن المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتقنية، الذي يشرف على معهد سلامة الذكاء الاصطناعي، كان هدفًا لجهود سابقة تستهدف تقليص الميزانيات الفيدرالية. ويتوقع الباحثون في مسائل السياسات أن أوامر ترامب التنفيذية في المستقبل ستدعم استخدام الحكومة الفيدرالية للذكاء الاصطناعي لأغراض الأمن القومي والمجالات العسكرية.

دونالد ترامب في عام 2020 بعد أول رحلة لرواد فضاء تابعين لوكالة «ناسا» على متن المركبة الفضائية «كرو دراجون» التابعة لشركة «سبيس إكس».
دونالد ترامب في عام 2020 بعد أول رحلة لرواد فضاء تابعين لوكالة «ناسا» على متن المركبة الفضائية «كرو دراجون» التابعة لشركة «سبيس إكس».
Credit: Paul Hennessy/SOPA Images/LightRocket via Getty

كذلك دأب ترامب على انتقاد قانون «الرقائق الإلكترونية والعلوم» الذي أصدره بايدن في عام 2022 بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والذي خصص بموجبه مليارات الدولارات لتعزيز صناعة أشباه المواصلات الأمريكية. وزعم ترامب أن فرض تعريفات جمركية على المنافسين التجاريين في الصين يمكن أن يحقق الهدف ذاته بدون تكلفة. إلا أنه من غير المرجح أن يلغي ترامب هذا القانون، بالنظر إلى مساهمته في الاقتصاد المحلي ودوره في خلق فرص عمل، كما يقول تشارلز ويسنر، الذي يتولى تدريس سياسات العلوم والتقنية بجامعة جورجتاون في العاصمة واشنطن.

يقول ويسنر إنه، في المجمل، "من المرجح أن يستمر العمل في قطاع البحث والتطوير في المجال التقني بنفس الوتيرة دون حدوث تغييرات جوهرية". ويضيف ويسنر أنه "سيكون من الصعب تنفيذ أية اقتطاعات عشوائية في الميزانيات". إلا أن هناك بعض العوامل التي لا يمكن التنبؤ بها والتي من المحتمل أن يكون لها دور حاسم؛ ومن بين هذه العوامل، على سبيل المثال، ما إذا كانت سياسات الهجرة ستقيد تدفق الطلاب والعمال إلى المجال الهندسي وغيره من المجالات ذات الصلة في الولايات المتحدة.

كذلك يساور القلق بعض الباحثين بشأن ما يمكن أن يحدث إذا تُركت شركات الذكاء الاصطناعي تعمل بدون ضوابط أو رقابة. يقول نيت شارادين، أستاذ الفلسفة بجامعة هونج كونج والباحث في المركز غير الربحي لسلامة الذكاء الاصطناعي في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا: "أؤيد اتخاذ إجراءات حكومية أكثر صرامة فيما يخص تشريعات الذكاء الاصطناعي، وهذا ما لم يكن ليحدث" لو فازت مرشحة الحزب الديموقراطي كامالا هاريس بمقعد الرئاسة. ويضيف: "أما في ظل إدارة ترامب، فإن طرح هذه المسألة سيبدو أقرب إلى المُزحة" منه إلى الطرح الجاد.

بعثة «أرتميس 1» غير المأهولة التابعة لوكالة ناسا تقترب من القمر على بعد 130 كيلومترًا في نوفمبر 2022. ربما يتعرض برنامج الوكالة الرامي إلى إرسال رواد فضاء إلى القمر لتغييرات في ظل ولاية ترامب الثانية.
بعثة «أرتميس 1» غير المأهولة التابعة لوكالة ناسا تقترب من القمر على بعد 130 كيلومترًا في نوفمبر 2022. ربما يتعرض برنامج الوكالة الرامي إلى إرسال رواد فضاء إلى القمر لتغييرات في ظل ولاية ترامب الثانية.
Credit: NASA Johnson Space Center

إلى القمر وما وراء القمر

ثمة مجال آخر من المرجح أن يحظى بدعم كبير في عهد ترامب، ألا وهو استكشاف الفضاء؛ إذ يسعى المليارديرات الذين دخلوا هذا الميدان إلى إقناع الكونجرس بزيادة الإنفاق على رحلات الفضاء.

يقع على رأس قائمة الأولويات لوكالة «ناسا» حاليًا برنامج «أرتميس» Artemis، الذي يهدف إلى إرسال رواد فضاء إلى القمر. ولتحقيق هذا الهدف، صنعت «ناسا» صاروخًا ثقيلًا جديدًا يعرف باسم "نظام الإقلاع الفضائي"، إلى جانب كبسولة فضائية باسم «أوريون» Orion. إلا أن تكلفة كل عملية إطلاق تتجاوز أربعة مليارات دولار، كما أن الصاروخ المذكور غير قابل لإعادة الاستخدام. ربما تحاول إدارة الرئيس ترامب إقناع الكونجرس بإلغاء برنامج الصواريخ الحكومي، والاعتماد بدلًا من ذلك على مركبات الإطلاق التي طورتها شركات خاصة من بينها شركة «سبيس إكس» SpaceX التي يقع مقرها في هوثورن بولاية كاليفورنيا، والتي يديرها إيلون ماسك، الذي قدم تبرعات سخية لحملة ترامب الانتخابية.

ربما تعد هذه الخطوة بمثابة تغيير جذري لبرنامج «أرتميس»، إلا أن بعض الباحثين وخبراء صناعة الفضاء يقولون إنها قد تكون ذات فائدة كبيرة لوكالة «ناسا» على المدى البعيد. فحقيقة الأمر أن الوكالة متأخرة بالفعل عن الجدول الزمني المقرر لبرنامج «أرتميس»؛ حيث أطلقت رحلة تجريبية غير مأهولة لنظام الإقلاع الفضائي في نوفمبر 2022، لكنها أعلنت عن تأجيل المهمة المحدد لها نوفمبر 2024 لإطلاق رواد فضاء على متن الصاروخ إلى أبريل 2026. كذلك أعلنت الوكالة عن تأجيل خططها الرامية إلى إرسال البشر إلى سطح القمر إلى منتصف عام 2027 على أقرب تقدير.

كذلك ربما يسهم تعيين المرشح الذي اختاره ترامب لقيادة وكالة «ناسا»، وهو الملياردير ورائد الفضاء جاريد إيزاكمان، في الدعوة إلى إجراء تغييرات جوهرية، في حال تأكد ذلك الترشيح. جدير بالذكر أن إيزاكمان قدم مبالغ مالية لشركة «سبيس إكس» لكي ترسله إلى الفضاء في رحلتين سياحيتين، وقد تحدث عما يراه إهدارًا للمال العام وعن التأخير في مشاريع التعاقدات الحكومية.

في الوقت ذاته، تخطط الصين حاليًا لإرسال رواد فضاء إلى سطح القمر؛ الأمر الذي يضيف بعدًا استراتيجيًا إلى نهج ترامب، الذي يرفع شعار "أمريكا أولًا"؛ إذ تعهدت إدارته في عام 2017 بإعادة البشر إلى القمر بحلول عام 2024.

كذلك ربما يؤدي ذلك إلى تسارع خطط ناسا لإرسال رواد فضاء إلى المريخ بحلول الأربعينيات من هذا القرن. فقد أعرب إيلون ماسك عن رغبته القوية في دعم استعمار البشر للمريخ؛ ومن المحتمل، كما يقول باحثون في سياسات الفضاء، أن يحاول ماسك التأثير على «ناسا» للوصول إلى هناك في أقرب وقت ممكن باستخدام مركبة «ستارشيب» Starship التابعة لشركته «سبيس إكس». من هذا المنطلق، ربما تتعرض وكالة «ناسا» لضغوط تدفعها إلى إرسال رواد فضاء إلى القمر على وجه السرعة، على أن تعيد توجيه الدفة بعد ذلك نحو الكوكب الأحمر. تقول لورا فورشيك، المديرة التنفيذية لشركة الاستشارات الفضائية «أستراليتيكال» Astralytical التي يقع مقرها في بالم باي بولاية فلوريدا: "أعتقد أننا سنشهد هبوطًا على سطح القمر. لكننا لا نعرف ما إذا كان برنامج «أرتميس» سيستمر في المستقبل البعيد أم لا".

وليس واضحًا كذلك كيف ستتأثر برامج «ناسا» العلمية في عهد ترامب. سبق لجاريد إيزاكمان الإعراب عن دعمه لعلوم الفضاء؛ كما أنه حشد في رحلته الأخيرة في الفضاء 36 تجربة علمية. وفي عام 2022، حاول إيزاكمان إقناع «ناسا» بالسماح له باستخدام مركبة فضائية تابعة لشركة «سبيس إكس» لتعزيز مدار «تلسكوب هابل الفضائي» وإعادة دفعه إلى مدار أعلى. ولا يفوتنا، أخيرًا، أن «ناسا» ممول رئيس للدراسات ذات الصلة بعلوم الأرض، وأن تلك البرامج ربما تكون في خطر إذا نفذ ترامب وعيده بتقليص الدعم الموجَّه لأبحاث المناخ.

أعضاء الكونجرس الجمهوريون يقدمون مقترحًا بإعادة تنظيم المعاهد الوطنية للصحة من خلال دمج بعض المعاهد والمراكز التابعة للوكالة البالغ عددها 27.
أعضاء الكونجرس الجمهوريون يقدمون مقترحًا بإعادة تنظيم المعاهد الوطنية للصحة من خلال دمج بعض المعاهد والمراكز التابعة للوكالة البالغ عددها 27.
Credit: PBH Images/Alamy

علوم المناخ تعيش أيامًا صعبة

يتأهب العلماء في مجالي المناخ والبيئة حاليًا لمواجهة أسوأ السيناريوهات الممكنة. فمن المتوقع أن يتراجع ترامب في ولايته الثانية عن التشريعات الخاصة بالكيماويات السامة وغازات الدفيئة، وغير ذلك من صور التلوث، أو أن يخفف من شدتها على الأقل؛ إذ يرى ترامب أنها ليست سوى قيود تضر بالاقتصاد. ومن المرجح أن يكون لجهود خفض التكاليف وتقليل أعداد الموظفين تأثير كبير في وكالة حماية البيئة تحديدًا؛ إلا أن برامج الأبحاث البيئية في وكالات وهيئات أخرى مثل «ناسا» والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي قد تصبح أيضًا مستهدفة بذلك الخفض.

ربما يبدأ ترامب بمحاولة خفض الميزانيات الخاصة بتلك الوكالات؛ وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات معينة من جانب الكونجرس. يُذكر أن أعضاء المجلس هبوا للدفاع عن وكالة حماية البيئة خلال ولاية ترامب الأولى، إلا أن ديناميات العمل السياسي قد تغيرت في الوقت الراهن؛ إذ يصطف كثير من الجمهوريين خلف دعوات إيلون ماسك إلى خفض الإنفاق الفيدرالي بشكل كبير.

كذلك فمن المعروف عن مرشح ترامب لقيادة وكالة حماية البيئة وعضو الكونجرس عن نيويورك، لي زيلدين، أنه مؤيد لسياسات ترامب منذ فترة طويلة، كما أنه يأتي بسجل متباين فيما يخص دعم ميزانيات الوكالة ومبادراتها. ويتوقع محللو السياسات أنه سيعمل على تقليل أعداد الموظفين في الوكالة، والتراجع عن القواعد التنظيمية المتعلقة بالتلوث إذا أقر مجلس الشيوخ تعيينه مديرًا للوكالة.

إضافة إلى ذلك، يقول جيريمي سيمونز، مستشار شبكة حماية البيئة، وهي منظمة غير ربحية تضم موظفين سابقين في وكالة حماية البيئة ويقع مقرها في العاصمة واشنطن، وقد تأسست خلال ولاية ترامب الأولى: "أرى أن خطط ترامب بشأن وكالة حماية البيئة تشبه حريقًا من الدرجة الخامسة، ومن ثم فإن صحة ملايين الأمريكيين ستصبح في مهب الريح".

ربما تستغرق الجهود الرامية إلى خفض عدد الموظفين بعض الوقت. إلا أن راسل فوت، الذي اختاره ترامب لرئاسة مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض (وهو المنصب ذاته الذي شغله خلال ولاية ترامب الأولى) قال إن هدف الإدارة منذ اليوم الأول سيكون منصبًا على إحداث تأثير "صادم" يطول علماء وكالة حماية البيئة وموظفيها ويجعلهم يشعرون كما لو كانوا "طائفةً من الأشرار" حتى لا يرغبوا في الذهاب إلى العمل وأداء وظائفهم.

وقد يكون الأمر أكثر صعوبة على إدارة ترامب إذا فكرت في سحب كثير من الاستثمارات الضخمة في مجال المناخ التي تركز على مجالات مختلفة تتراوح بين البنية التحتية للسيارات الكهربائية وتقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه. وكان الكونجرس قد أقر هذه الاستثمارات في عامي 2021 و2022 في أثناء ولاية الرئيس بايدن، ويُقدر إجمالي قيمتها بأكثر من تريليون دولار حتى عام 2032.

على أنه من المرجح أن تصل عجلة التغيير إلى بعض الهيئات مثل وزارة الطاقة، حيث اختار ترامب كريس رايت، وهو مسؤول تنفيذي في صناعة النفط، وزيرًا للطاقة. يقول توماس هوشمان، مدير سياسات البنية التحتية بمؤسسة الابتكار الأمريكية الكائنة في سان فرانسيسكو، إن الاستثمارات الفيدرالية في مجموعة متنوعة من المشاريع الإيضاحية للطاقة النظيفة التي تشرف عليها وزارة الطاقة ربما "تتراجع إلى الوراء" تحت قيادة رايت.

إلا أن كثيرًا من خبراء السياسة يقولون إن إدارة ترامب ربما تواجه تحديات عديدة إذا ما حاولت تقليص الاستثمارات المناخية التي تتدفق بالفعل إلى الشركات والمجتمعات المحلية في ولايات ينتمي قادتها إلى الحزب الجمهوري. على سبيل المثال، يمكن لشركات الطاقة أن تستفيد من الاستثمارات في تقنيات احتجاز الكربون والإنتاج النظيف للهيدروجين، الذي يمكن استخدامه كوقود بديل في المركبات ضمن جملة استخدامات أخرى. إلا أن دعاة حماية المناخ يحذرون من أن الطريقة الوحيدة لوقف الاحترار العالمي تتمثل في التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري بشتى أنواعه في حين أن ما وعد به ترامب يتناقض مع ذلك تمامًا.

من المتوقع أيضًا أن يتخذ ترامب قرارًا بانسحاب الولايات المتحدة للمرة الثانية من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015؛ وكانت عملية الانسحاب الأولى قد جرت في عام 2020 أثناء ولاية ترامب الأولى قبل أن يعيد بايدن الانضمام إلى الاتفاقية في وقت لاحق. ويقول خبراء السياسة إن قيام ترامب بخطوة مثل هذه من الممكن أن تقلل الضغوط المفروضة على دول أخرى، بما فيها الصين، والتي تدفعها نحو تسريع وتيرة جهودها المناخية. لكن السؤال الأهم الذي يشغل تفكير كثير من خبراء الطاقة يتمثل في كيف ستؤثر وعود ترامب برفع التعريفات الجمركية على السلع المستوردة من أماكن مثل الصين والمكسيك في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.

وأخيرا، يقول ديفيد فيكتور، وهو أستاذ في العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، إنه إذا تفاقمت الحروب التجارية أثناء ولاية ترامب، فسيؤدي ذلك في النهاية إلى إبطاء وتيرة تطوير تقنيات صديقة للمناخ. ويضيف فيكتور: "إذا ما حدث ذلك، فعندها يمكن القول إن ولاية ترامب الثانية جاءت وبالًا" على المناخ.

شارك روبرت إف. كينيدي الابن في مظاهرة احتجاجًا على فرض قواعد أكثر صرامة لتطعيم الأطفال في ولاية واشنطن.
شارك روبرت إف. كينيدي الابن في مظاهرة احتجاجًا على فرض قواعد أكثر صرامة لتطعيم الأطفال في ولاية واشنطن.
Credit: Ted S. Warren/AP via Alamy

الصحة العامة في مأزق

يعبر كثير من الباحثين عن قلقهم بشأن التغييرات المحتملة في سياسات الصحة العامة والتمويل الذي تقدمه الإدارة الجديدة والكونجرس. إلا أن باحثين آخرين يراودهم الأمل في خلق فرص جديدة، مثل تجديد الاهتمام بالأمراض المزمنة والمخاطر الصحية الناجمة عن الأطعمة فائقة المعالجة.

رشح ترامب روبرت إف. كينيدي الابن لحَمل حقيبة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية التي تبلغ ميزانيتها نحو تريليوني دولار، والتي تشرف على وكالات مثل المعاهد الوطنية للصحة وهيئة الغذاء والدواء ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. وقد تعهد كينيدي بأن "يعمل على أن تسترد أمريكا عافيتها من جديد". ويقول الوزير إنه سيفعل ذلك من خلال معالجة الأسباب الجذرية للأمراض المزمنة وإزالة المواد السامة من البيئة ومكافحة الفساد المؤسسي.

لم يتضح بعدُ كيف سيتمكن كينيدي من تحقيق هذه الأهداف؛ وذلك بالنظر إلى أن الولايات المتحدة لا تمتلك نظامًا صحيًا موحدًا، كما أن الحكومة الفيدرالية لا تتحكم في صنع القرار على الصعيد المحلي بشأن كثير من القضايا المحورية فيما يخص سياسات الصحة، التي من بينها إضافة الفلورايد إلى المياه والمتطلبات الخاصة بالتطعيمات المدرسية (وكلاهما تعرض للانتقاد من جانب كينيدي). إلا أن ترامب وعد بالسماح لكينيدي "بحرية الانطلاق" في المجال الصحي. جدير بالذكر أن كينيدي سيتمتع بسلطات واسعة النطاق بصفته وزيرًا للصحة والخدمات الإنسانية، وذلك تحديدًا فيما يخص اللوائح التنظيمية التي تحكم الأدوية واللقاحات وسداد تكاليف خدمات الرعاية الصحية وتمويل الأبحاث الطبية الحيوية ونشر مبادرات الصحة العامة.

يقول جورج بنجامين، المدير التنفيذي للجمعية الأمريكية للصحة العامة التي يقع مقرها في العاصمة واشنطن، وهي منظمة حقوقية تدعو إلى توفير الحماية للمهنيين العاملين في قطاعات الصحة العامة، إنه من الواضح بجلاء غياب أية خطة لتعزيز مدى استعداد البلاد لمواجهة الأمراض المعدية في جدول أعمال الوزير المنتظر. عندما أعلن كينيدي ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة في عام 2023، قال إنه سيسعى إلى إيقاف الأبحاث الخاصة بالأمراض المعدية في المعاهد الوطنية للصحة لمدة ثماني سنوات حتى تتمكن الجهات الممولة لأبحاث الطب الحيوي من التركيز على الأمراض المزمنة مثل السكري والسمنة بدلًا من ذلك.

كذلك من المعروف عن كينيدي أنه ظل لفترة طويلة في صفوف الناشطين المعادين للقاحات؛ كما أنه كان من المشككين في عملية الموافقة على اللقاحات التي تضطلع بها هيئة الغذاء والدواء. إلا أنه قال رغم ذلك إنه لا يريد حرمان أي شخص من الحصول على اللقاحات.

اعتنقت إدارة ترامب الأولى فكرة أن يكون باستطاعة الأشخاص تجربة علاجات تتوفر بيانات عن سلامتها ولكن ليس عن مفعولها. وقد أدى هذا النهج إلى قيام هيئة الغذاء والدواء في عهد ترامب بالسماح باستخدام عقار «هيدروكسي كلوروكوين» كعلاج لفيروس كورونا. غير أن الهيئة ألغت ذلك التصريح بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر؛ وذلك بعد أن أقرت بأنه من غير المرجح أن يكون ذلك الدواء فعالًا ضد المرض. كذلك تم لاحقًا سحب الدراسة التي أشعلت فتيل الاهتمام بذلك العلاج.

تتوقع هولي فرنانديز لينش، وهي أخصائية الأخلاقيات الحيوية بجامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا وتجري دراسات عن هيئة الغذاء والدواء، أن يعود مفهوم «الحق في التجربة» إلى الظهور من جديد خلال ولاية ترامب الثانية. وتقول فرنانديز لينش: "أتوقع أن تكون هذه الإدارة متشككة بشأن أشياء (مثل اللقاحات) تتوفر عليها أدلة قوية، وأن تكون منفتحة تمامًا على أشياء لا تدعمها أية أدلة على الإطلاق".

على سبيل المثال، تشير فرنانديز لينش إلى منشور وضعه كينيدي على منصة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقًا) قبل الانتخابات الأمريكية بأقل من أسبوعين وزعم فيه أن هيئة الغذاء والدواء تخوض "حربًا على الصحة العامة"، وأضاف أن تلك الحرب تنطوي على "قمع عدواني" لسلسلة متنوعة من العناصر مثل الحليب الخام والخلايا الجذعية وعقاقير الهلوسة وأشعة الشمس.

الأمر المثير للفضول أن بعض الإصلاحات المقترحة في القطاع الصحي، مثل إجراء مراجعات إضافية لسلامة اللقاحات — وهو الأمر الذي يتطلب أعدادًا أكبر من الموظفين والعاملين أو زيادة التمويل المخصص للوكالة — تتعارض مع مهمة إيلون ماسك التي تتلخص في زيادة كفاءة الحكومة من خلال تخفيف البيروقراطية وتقليص الإنفاق على المستوى الفيدرالي. لذا لا يزال من غير الممكن أن نجزم بوضوح مَنْ مِنْ الفريقين سيحسم هذا الصراع، إلا أنه، كما تقول فرنانديز لينش، من المهم ألا تركز الإدارة الأمريكية على فكرة الخفض والتقليص فقط.

كذلك تقول فرنانديز لينش: "الكفاءة لا تعني التقليل أو الخفض؛ بل تعني الأداء الجيد للعمل بأقل قدر من الموارد اللازمة. إلا أن الكفاءة في بعض الأحيان قد تتطلب مزيدًا من الموارد". على سبيل المثال، ترى أخصائية الأخلاقيات الحيوية أن تعيين المزيد من الموظفين في هيئة الغذاء والدواء لمراجعة طلبات الأدوية من شأنه المساهمة في تسريع تلك العملية.

كذلك أعرب مشرعون منتمون إلى الحزب الجمهوري عن رغبتهم في إجراء تغييرات هيكلية كبرى في المعاهد الوطنية للصحة. ربما تشمل هذه التغييرات دمج بعض المعاهد والمراكز التابعة للوكالة التي يبلغ عددها 27، وتشديد الرقابة على أنواع معينة من الأبحاث المتعلقة بمسببات الأمراض شديدة الخطورة أو الأمن القومي. يقول ساشا جوسيف، عالم الوراثة الإحصائية بمعهد دانا فاربر للسرطان في بوسطن بولاية ماساتشوستس، إن تزايد الاهتمام بالمعاهد الوطنية للصحة يمثل فرصة سانحة لعلاج المشكلات المزمنة التي لا تنتهي لهذه الوكالة وإعادة النظر في الآليات التي من شأنها أن تجعل أكبر جهة عامة ممولة للأبحاث الطبية الحيوية في العالم تنفق أموالها بصورة أفضل مما هي عليه الآن".

يقول جوسيف أيضًا إن اتباع نهج يقوم على "هدم المعبد بأكمله والبدء من جديد" قد تُعرِّض للخطر هذه الوكالة التي تُعد «درة التاج» على جبين الأبحاث الطبية الحيوية على الصعيد العالمي. ويأمل عالم الوراثة الإحصائية في أن تركز الإصلاحات عوضًا عن ذلك على تقييم ما إذا كانت عملية مراجعة الأقران للمنح قادرة على التنبؤ الدقيق بالنجاح أم أنها تتميز بالتحفظ الشديد، إلى جانب تقرير ما إذا كانت هناك درجة كافية من التنوع بين الجهات المستفيدة من المنح التي تقدمها الوكالة.

وفي ظل التأثير المتوقع لإيلون ماسك على الإدارة الأمريكية، ربما تكون هناك تبعات أيضًا في مجال الطب الحيوي، لا سيما فيما يخص السعي نحو الابتكار. فعلى سبيل المثال، انتقد ماسك إجراءات الموافقة على الأدوية ووصفها بأنها شديدة البطء. كما أن شركته المعروفة باسم «نيورالينك» Neuralink قد حققت تقدمًا كبيرًا في تطوير واجهات دماغية حاسوبية، على الرغم من المخاوف ذات الصلة بقيود السرية التي تفرضها الشركة فيما يتعلق بهذه التقنية.

بصفة عامة يرى مايكل لوبيل، عالم الفيزياء بكلية مدينة نيويورك التي يقع مقرها في مدينة نيويورك، وهو متابع للمسائل والمشكلات ذات الصلة بسياسات العلوم، أن المشهد بالنسبة إلى مجال العلوم ربما يبدو مشوشا. يقول لوبيل: "لا أعتقد أن ترامب يعرف أي شيء عن الأبحاث الأساسية؛ ولا أظن أيضًا أن معظم الأشخاص الذين يقدمون له المشورة مهتمون بهذه المسألة".

يضيف لوبيل أنه "سيكون هناك بعض الرابحين" في المجالات العلمية، لا سيما في المجالات التي تحظى بدعم إيلون ماسك وعمالقة التقنية الآخرين. إلا أنه في ظل التوقعات القائلة بخفض الميزانيات الفيدرالية، "يعني ذلك أنه سيكون هناك أيضًا خاسرون".

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.24